ارشيف من :ترجمات ودراسات

من يحكم الولايات المتحدة؟

من يحكم الولايات المتحدة؟

الشعب هو من يحكم الولايات المتحدة، على ما يقوله دونالد ترامب.

الكاتب :  oscar fortin
عن موقع  agoravox  الالكتروني
28 كانون الثاني / يناير 2017

الكلمات الأولى التي تلفظ بها الرئيس ترامب في حفل تنصيبه شددت على رئاسة لن تكون على صورة الرئاسات السابقة. على سلطة لن تبقى في أيدي واشنطن، بل في أيدي الشعب.
"الحفل الذي نقيمه اليوم يحمل معنى خاصاً، إذ أن ما يجري فيه ليس فقط نقل السلطة من إدارة إلى أخرى، أو من حزب إلى آخر. فنحن ننقل السلطة من واشنطن كي نعيدها إليكم، أنتم الشعب الأميركي".
ولكي يؤكد المعنى الذي ينبغي إعطاؤه لنقل السلطة إلى الشعب، واصل ترامب كلامه مشدداً على أن مصالح الشعب ومشيئته لها الأولوية على مصالح النخب.


"خلال فترة طويلة، كانت نخبة قليلة من الأفراد في عاصمة بلادنا هي التي تستفيد من تقديمات حكومتنا، في حين كان الشعب هو من يدفع الثمن. لقد قام رجال السياسة بمراكمة الثروات، بينما لم يحصل الشعب على أية حصة في تلك الثروات. المؤسسة الحاكمة أمنت الحماية لنفسها ولكنها لم تحم المواطنين في بلدنا. العائلات التي تعيش أوضاعاً صعبة لم يكن لها ما تحتفل به في بلدنا. وكل ذلك سيتغير من الآن فصاعداً لأن الزمن هو الآن زمنكم. وقتكم من الآن لكم. إنه ملك لكل المجتمعين هنا ولكل من يشاهدوننا في الولايات المتحدة. إنه يومكم، والاحتفال هو احتفالكم. والولايات المتحدة الأميركية هي بلادكم. ما هو مهم حقاً ليس من يمسك بالسلطة، بل كون السلطة قد أصبحت في يد الشعب الأميركي".
لا شك بأن من واجب الرئيس ترامب أن يلحظ مشيئة الشعب ورأيه في القرارات الكبرى التي ينبغي له أن يتخذها باسم الشعب. عليه أن يتساءل دون انقطاع حول ما يفكر به الشعب وحول مصالحه الحقيقية في هذا أو ذاك من المواقف. ألا ينبغي للشعب أن يعلم بأن السلطة قد أصبحت في يده؟


على سبيل المثال، ما الذي يقوله هذا الشعب بخصوص مئات المليارات من الدولارات التي يتم توظيفها في مجال التسلح الهادف إلى حماية أمن الولايات المتحدة ومصالحها؟ ما الذي يقوله هذا الشعب حقاً بخصوص نشر هذه المئات من القواعد العسكرية في كل مكان من العالم تقريباً. هذا الإنفاق العسكري ونشر هذه الجيوش، هل يستجيبان قبل كل شيء لأولويات الشعب أم لمصالح هذه النخب التي يهاجمها الرئيس الجديد بكل هذه القوة ؟ هل هنالك مجال للمقارنة بين الإنفاق في هذه المجالات التي تكبل الشعب والإنفاق في قطاعات الصحة والتعليم وحماية الأشخاص المسنين والأمن القومي والحياة الكريمة للمواطنين والمواطنات؟ ما الذي كان هذا الشعب سيفعله بخصوص خياراته في مجال الإنفاق لتغطية احتياجاته فيما لوكان هو الحاكم حقاً وحقيقة ؟
والكلام نفسه يقال أيضاً عن خيارات الشعب السياسية فيما يخص علاقاته بشعوب العالم الأخرى. ما الذي يقوله هذا الشعب عن علاقات بلاده بجيرانها  في أميركا اللاتينية، وبشعوب الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا؟ وما الذي يقوله عن حق هذه الشعوب بتقرير مصيرها؟ ما الذي يقوله بخصوص مشاركة بلاده في منظمة الأمم المتحدة وحلف الناتو واتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية (آلينا)؟ هل يلاحظ هذا الشعب سياسة التدخل التي تمارسها الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى والتي تعتبرها ضرورية لمصالحها ذات الأولية ولقيمها الإنسانية والأخلاقية؟  

   
ما الذي يقوله هذا الشعب عن حقوق الأشخاص بحياة خاصة، وعن التعذيب، والمهاجرين، وخصوصاً عن هذا الجدار الذي يقفل الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك؟ وما الذي يقوله بخصوص تحميل الشعب المكسيكي نفقات بناء هذا الجدار؟
لست أدري كيف يمكن للرئيس ترامب أن يتمكن من معرفة ما يريده هذا الشعب ومن معرفة نظرة هذا الشعب إلى مصالحه دون اللجوء إلى استشارته عبر الاستفتاءات والاستطلاعات، اللهم إلا إذا كان متأكداً من أنه يعرف ما يريده الشعب عن طريق الحدس. وفي هذه الحالة يكون ترامب قد اعتبر أن الشعب فيه وأن إرادته هي إرادة الشعب.
وإذا كان من الصحيح أن وسائل الإعلام تتمكن من توجيه أفكار ومشاعر قسم كبير من الأشخاص، فإن المقامة التي تبديها الدولة العميقة تسمح بالكشف عن الخدع والاحتيالات وبإحقاق حقيقة الوقائع، عبر فضح المتلاعبين والغشاشين. على الرئيس ترامب إذن أن يسعى إلى معرفة مصالح ومشيئة الدولة العميقة وإلا فإنه سيتحول هو نفسه إلى ضحية.
في خطاب تنصيبه، كشف لنا الرئيس ترامب عن خارطة الطريق التي ينوي اتباعها خلال السنوات الأربع القادمة. وإذا ما احترم خارطة الطريق تلك، فإن وجه الولايات المتحدة سيتغير بالكامل. ستتوقف الولايات المتحدة بذلك عن أن تكون إمبراطورية هيمنة وستصبح بلداً محبوباً وقدوة لجميع شعوب العالم. أما إذا لم تكن خارطة الطريق تلك غير ضوء يبهر الأبصار لكي يشوش قدرتها على الرؤية، فلن يكون هنالك غير الكارثة للولايات المتحدة وللعالم.


أتمنى ألا يخطيء الرئيس ترامب في التفسير الذي سيعطيه لما يريده شعبه وللمصالح الحقيقية لهذا الشعب.
قال ترامب في خطابه المذكور:
"هنا والآن تتوقف المذبحة لأميركية. نحن أمة واحدة. آلامها آلامنا وأحلامها أحلامنا ونجاحاتها نجاحاتنا. لنا قلب واحد ومنزل واحد ومصير مجيد واحد. القسم الذي أقوم الآن بأدائه هو مبايعة لجميع الأميركيين".
على ذلك، يكون على الشعب الأميركي من الآن فصاعداً أن يقول ما يريد. عليه أن يتحرك بألف شكل وشكل. فترامب لا يعطيه الكلام وحده، بل يعطيه أيضاً سلطة فرض إرادته على قادته. وقادته هم أولاً وقبل كل شيء خدامه وأولويتهم خدمة مصالحه.

 

2017-01-31