ارشيف من :آراء وتحليلات

أي عالم بعد تولي ترامب رئاسة أمريكا ؟؟

 أي عالم بعد تولي ترامب رئاسة أمريكا ؟؟

دخل ترامب الى البيت الأبيض وهو الرئيس الأميركي رقم 45 الأكثر إثارة للجدل والخارج عن المألوف على كل الأصعدة، وهو أيضاً يدخل التاريخ كأول رئيس أميركي فرض نفسه من خارج المؤسسة الحزبية التقليدية، وخالف وصوله كل التوقعات واستطلاعات الرأي، ويحمل معه أفكارا "انقلابية" ويفتقر الى الخبرة السياسية، ومع ذلك فاز بالرئاسة بعدما تمكن من  "السيطرة" على الحزب الجمھوري وطرح بأسلوب فج حلولا مبسطة لمسائل معقدة، فأثار قلق قسم من الأميركيين وحماسة القسم الآخر.
ورغم أنه تعهد بأنه سيعطي الأولوية للملفات الداخلية: إلغاء أو تعديل سياسات أوباما الداخلية التي تمثل إرثا ثقيلا: كإعادة رسم النظام الصحي، طرد مھاجرين غير شرعيين، إلغاء معاھدات تجارية، إصدار قانون لتمويل بناء جدران على الحدود مع المكسيك، إلغاء دفع المليارات لبرامج الأمم المتحدة حول التغير المناخي....إلخ، إلا إنه لم يمنع الانقسام غير المسبوق في الرأي العام الأميركي، إذ انطلقت  ولايته في ظل وضع داخلي مضطرب تعكسه التظاھرات الشعبية الاحتجاجية غير المسبوقة في يوم  "حفل التنصيب"، الأمر الذي فرض احتياطات أمنية و"خطوط تماس"  لتفادي مواجھات بين المؤيدين والمعارضين.


فأي عالم سيكون مع ترامب؟
أوروبا قلقة ومرتبكة وتصريحات ترامب الاستفزازية قبل أيام من حفل التنصيب كان لھا أصداء مدوية في بروكسل ضد حلف شمال الأطلسي الذي اعتبره بائدا وعديم الفائدة، وضد الاتحاد الأوروبي الذي توقع تفككه. في المقابل ترامب عرض اتفاقا مع روسيا باقتراحه صيغة جديدة للتعاون تقوم على رفع العقوبات المفروضة على روسيا بعد ضمھا القرم لقاء التفاوض على معاھدة جديدة لخفض التسلح النووي، ولن يكون الاتفاق النووي مع إيران في طليعة الإجراءات ضدھا إنما ستكون إيران تحت المراقبة نوويا وإقليميا.


وهنا ظهر الكثير من الأسئلة المطروحة مع تسلم ترامب رسميا مقاليد الرئاسة والسلطة في البيت الأبيض: ماذا عن الاتفاق النووي مع إيران والعلاقة معھا؟ ھل تتم إعادة نظر أميركية في كل ذلك؟
ترامب يبدو مصمّماً على ملاحقة إيران بسبب المعاھدة التي تتضمّن عيوباً كثيرة في رأيه . ونجاحه في ذلك يقتضي تخلّي بوتين عن إيران، ولكنه لا يبدو مستعدا لذلك أو راغباً فيه. وإذا قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي فإنه سيخسر الأعضاء الآخرين في المجموعة الدولية 5 + 1 التي فاوضت الإيرانيين ووقعت معھم ما سُمي "الاتفاق النووي". كما أنه سيطلق حرية طھران في معاودة نشاطاتھا النووي.
يقول وليد فارس، أحد مستشاري ترامب لشؤون الشرق الأوسط:" إن الإدارة الأميركية الجديدة ستعيد النظر في الاتفاق النووي وستعمل على تطبيق ما يجب تطبيقه من ھذه الاتفاقية بما يتعلق بالسلاح النووي، ومن ناحية ثانية، تطوير ھذه الاتفاقية، لتشمل استقرارا أمنيا في العراق وسوريا واليمن وتسوية في لبنان، وتطمين الدول العربية الصديقة والشريكة وعلى رأسھا الإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين ودول أخرى كالأردن ومصر وغيرھما، وھذا الأمر سيتغير تحت إدارة الرئيس ترامب، التي  ستعمل على إعادة الثقة مع دول الخليج والدول العربية المعتدلة بشكل عام وتجديد الالتزام بأمن ھذه الدول وتنظيم العلاقات الثنائية والإقليمية بين تلك الدول والولايات المتحدة حتى يعرف كل طرف موجباته والتزاماته".
لكن، ھناك آراء أخرى تسود داخل ھذه الإدارة يعبّر عنھا "ريكس تيلرسون" المرشح لتولي وزارة الخارجية، وحسب معلومات دبلوماسية فإن تيلرسون مع آخرين لا يريدون تغيير الاتفاق، بل المساعدة على أن تنفتح إيران على الاستثمارات الدولية وشركات النفط ثم ان تيلرسون سوف يشجع التفاوض بين إيران والسعودية، ويريد أن تكون أميركا ھي من يدير الحوار بين الرياض وطھران، لأن ذلك يدعم السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، فتيلرسون رجل نفط ، لذلك سيحاول دعم الشركات الأميركية، خصوصا قطاع النفط والغاز منھا ھو جزء من ھذه الصناعة الضرورية للعالم، ولا أحد يمكنه تغيير ذلك، فإيران منتج كبير للنفط، ومن المؤكد أنه سيراقب المفاوضات في "أوبك"، التي ستحيي الدبلوماسية الاقتصادية عبر الصناعة النفطية في الشرق الأوسط.
وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف اعتبر على ھامش مشاركته في منتدى دافوس ان محاولة ترامب التخلّي عن الاتفاق النووي "لن تكون نھاية العالم، يريد أن يفاجئ الناس، وسيُفاجأ إذا فعل ذلك". وأما رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي فكرّر رفض بلاده "فكرة تعديل أي بند من الاتفاق النووي". واعتبر أن الاتفاق مكتمل، وعلى الأميركيين قبوله كما ھو، أو رفضه وتحمّل المسؤولية.
أما الاتحاد الأوروبي، فوفق ما أفاد مصدر دبلوماسي، أجرى اتصالات مع إدارة ترامب لتبديد أي سوء تفاھم بشأن الاتفاق النووي مع إيران، قال:"إنه اتفاق متعدد الأطراف، وھذا يعني أنه في حال أراد طرف الانسحاب منه فإن بإمكان الآخرين القيام بالمثل". فالاتحاد الأوروبي يعتبر ھذا الاتفاق مھما جدا، لأنه أتاح تجنب أزمة محتملة كبيرة في المنطقة وخصوصاً مع "إسرائيل"، إذ قد يعتبر ھؤلاء الانسحاب من "النووي" ونقل السفارة ضوءا أخضر لإقدامھا على الإغارة جوا على المنشآت النووية الإيرانية بغية تدميرھا.
فالإسرائيليون ھذه المرة  يشعرون أن الرئيس ترامب سيكون معھم تماما على نفس الموجة في كل ما يطمحون إليه إقليميا، فقد قرر إيكال مھمة الشؤون الشرق أوسطية في البيت الأبيض الى صھره جاريد كوشنير الذي ينتمي الى عائلة أميركية ارستقراطية لطالما أغدقت بالأموال والتبرعات على إسرائيل، وما عزز لديھم ھذا الشعورأيضاً ھو تعيين ترامب اليميني اليھودي المتشدد دايفيد فريدمان، كسفير للولايات المتحدة في اسرائيل، الذي أكد في أول تصريح له حتى قبل تسلمه مھامه، أنه يتطلع شوقا الى العمل من السفارة الأميركية في القدس، علما أن نقل السفارة سيعتبره العالم الإسلامي قضاء على حل الدولتين للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي وصفعة مُوجعة جدا له، ناهيك عن تصريحات ترامب المعادية للمسلمين التي أدلى بها خلال حملته الانتخابية.
وهذا يدل على عودة الحرارة مجدداً بين "تل أبيب" وواشنطن، وقد عبر عنه نتنياهو لنواب من حزب الليكود اليميني الذي يتزعمه:" إنه بعد ثماني سنوات من الضغوطات الھائلة التي مارستھا إدارة الرئيس السابق باراك أوباما فيما يتعلق بموضوعي إيران والاستيطان، "نحن أمام فرص عظيمة وھامة لأمن ومستقبل دولة "إسرائيل"".
وفيما يخص سوريا، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يتأخر في كشف "أوراقه السورية" ووضع حد لحال "الاستقالة الأميركية من الملف السوري. فقد أصدر وبعد أقل من يومين على إنھاء أعمال آستانة، أمرا تنفيذيا حول السياسة الجديدة لإجراءات اللجوء والھجرة، يتضمن فقرة تنص على "إنشاء مناطق آمنة" داخل سوريا وفي المناطق المحيطة. هذا الأمر أثار جدلا دبلوماسيا واسعا، وساقت بعض وسائل الإعلام تفسيره كدليل على زيادة الانخراط العسكري الأميركي في سوريا، فيما رحّبت دول إقليمية عديدة بالمشروع الذي تبنته ھي نفسھا قبل سنوات، مثل قطر وتركيا التي كانت أكثر المرحبين بمشروع المنطقة الآمنة التي كانت واحدة من أبرز أھداف تدخلھا العسكري وعملية "درع الفرات"، أما روسيا فما زالت معارضة لمشروع المنطقة الآمنة لأنها تعده انتقاصاً لسيادة سوريا ويتطلب قرارا من مجلس الأمن، وحذرت من العواقب المحتملة لخطوة من ھذا النوع.


 يقول خبراء: "ھذا القرار الذي قد يتخذه ترامب للحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا وأميركا، يتطلب بالدرجة الأولى حظرا للطيران، وبالتالي يتطلب اتفاقا مع روسيا التي كانت ردة فعلھا الأولية سلبية، إضافة إلى تأمين قوات برية للمواجھة في حال تنفيذ أي ھجوم من قبل تنظيم داعش أو أي طرف آخر. من ھنا، إن تطبيق الخطة لا يمكن أن يتحقق إلا عبر احتمال وحيد ھو تعاون تركيا سياسيا وعمليا مع روسيا".
وبانتظار اتضاح صورة السياسة الشرق أوسطية لترامب بشكل أفضل، فالولايات المتحدة تتغيّر والعالم معھا سيتغيّر في ظل وضع عالمي متأزم يزيده غموضا وتعقيدا عدم وضوح السياسات والاتجاھات الخارجية لدى ترامب التي لم يتضح منھا حتى الآن إلا الانحياز الى إسرائيل والتودد الى روسيا والابتعاد عن إيران، فكل الدلائل تشير الى أن سياسات أميركا وخططھا وأولوياتھا وعلاقاتھا الدولية لن تبقى على حالھا وسيطرأ عليھا تعديلات وتغييرات بعضھا "جذري".

 

2017-02-01