ارشيف من :آراء وتحليلات
تقديرات خاطئة في تل ابيب: ورطة عسكرية في الميدان
لم ينتظروا في "تل أبيب" تنفيذ قرار نشر تقرير مراقب الدولة، القاضي المتقاعد يوسف شبيرا، حول العدوان الإسرائيلي على غزة "الجرف الصامد"، بل توالت التسريبات حول السجالات التي دارت في المجلس الوزاري المصغر في حينه. واحتلت هذه السجالات جانبا أساسياً من صدارة المشهد السياسي والإعلامي في "إسرائيل".
تنبع أهمية هذه التسريبات من كونها نموذجاً تطبيقياً لآليات صناعة القرار السياسي والأمني في "تل ابيب"، دون الحاجة للاستغراق في التأصيل القانوني والنظري. خاصة وأن ما ورد تناول السجالات بين الوزراء أنفسهم، وبينهم وبين رئيسه بنيامين نتنياهو وفي مواجهة المؤسسة العسكرية والاستخباراتية. وبالتأكيد يساعد التأمل في ما ورد من معطيات، على فهم إضافي وأعمق لآليات صناعة القرارات الأمنية في قيادة العدو.. خاصة اذا أضيفت إلى ما سبقها من محطات تم الكشف فيها عما ورد خلال عملية صناعة القرارات السياسية والأمنية..
من أهم الخلاصات والعبر التي يمكن استخلاصها من التسريبات أنها كشفت عن دور استثنائي للثلاثي رئيس الحكومة ووزير الأمن، ورئيس الأركان الذين على ما يبدو تعمّدوا إخفاء معلومات عن بقية الوزراء، تتصل بتهديد الأنفاق.. وبدا أن "إسرائيل" خاضت مواجهة عسكرية، استمرت أكثر من 50 يوماً، بدون جهوزية ملائمة لتهديد الأنفاق. ويعود ذلك، بالدرجة الأولى إلى خلل استخباراتي يتصل بتقدير حجم تهديد الأنفاق. وهو ما يؤكد مرة أخرى، أن حركات المقاومة في لبنان وفلسطين استطاعت أن تفاجئ "إسرائيل" في غير محطة مواجهة، وبما أربك مخططاتها التي كانت تضعها للحرب.
أيضاً، ثبت من خلال مجريات الميدان في حينه، والآن تأكد من مداولات المجلس الوزاري، أن المواجهات تدحرجت إلى حيث لم تكن "إسرائيل" تريد وتخطط بداية. والسبب في ذلك، يعود إلى مجريات الميدان، والسقوف السياسية التي التزم بها الطرفان.. الإسرائيلي رفض تقديم ما رآه أثمانًا ومكافأة لحماس من أجل وقف النار.. وحماس في البداية لم تكن توافق على وقف النار دون انتزاع مكاسب تتصل بفك الحصار.. لكن القرار العربي في حينه، قبل الإسرائيلي، هو الذي حال دون تحقيق هذا المطلب..
ايضاً، برز بشكل ملحوظ أن الاستخبارات الإسرائيلية لم تستطع أن تحدد اعتبارات حركة فصائل المقاومة في أصل القرار بالرد وحجمه ومداه.. وعلى هذه الخلفية كانت ترى أنها لا تريد المعركة. ولكن المؤسستين السياسية والاستخباراتية لم تستطع اكتشاف حقيقة أنها لم تكن تريدها ولكن ليس بأي ثمن.. ما ساهم في تورط "إسرائيل" في معركة طويلة دون حسم..
ومن أبرز المصاديق التي تؤكد هذا المفهوم، ما صدر بشكل صريح على لسان رئيس الأركان في حينه، بني غانتس، قبل أيام من بدء عملية الجرف الصامد "حماس لا تريد العمل. لقد قالوا في إذاعتهم اخطأنا عندما نفذنا الاختطاف (المستوطنون الثلاثة في الضفة الغربية)". والأمر نفسه ينسحب على رئيس الإستخبارات العسكرية، اللواء افيف كوخافي، الذي أكد أنه "توجد عشرات المعلومات التي تشير إلى أن حماس لا تريد المواجهة".
لم تقتصر هذه التقديرات على مرحلة ما قبل بدء المعركة، في بدايتها.. بل حضرت أيضا بعد مضي 7 ايام على المواجهة، حيث اظهرت مداولات جلسة المجلس الوزاري المصغر، (15/7/2014)، بحسب يديعوت أحرونوت، أن تقديرات الإستخبارات ما زالت متمسكة بتقديرها أن حماس تريد وقف المعركة. حيث أكد كوخافي "هناك رغبة من قبل حماس لانهاء التصعيد، هذا واضح". بدوره أكد غانتس أن "الانجازات التي حققها الجيش ممتازة".
وكشفت المواقف التي تم تداولها خلال جلسات المجلس الوزاري المصغر، عن تباينات حادة ازاء الخيار العملاني الواجب اتباعه، وتحديدا حول العملية البرية لتدمير الأنفاق.. وبدا أن خلفية الانقسام تعود في جانب أساس إلى الخوف من الغرق في غزة والخسائر البشرية التي قد يواجهها الجيش. وأيضا إلى عدم كون غزة أولوية لدى القيادة الإسرائيلية في تلك المرحلة.. وان جُلّ ما باتت تريده منها، هو أن لا تكون مصدر تهديد أمني لجنوب "إسرائيل".
برز هذا المفهوم أيضاً، في تقديرات وتوصيات المؤسسة العسكرية ومعها وزير الأمن في حينه، موشيه يعلون، اللذين كانوا يعبّرون منذ البداية عن أن هدفهم هو المحافظة على الهدوء وتعزيز الردع، من دون التورط في عملية برية. وهو ما عبر عنه يعلون في احد سجالاته، في السابع من تموز، (2014) بالدعوة إلى استغلال الوساطة المصرية، وأنه يمكن التوصل إلى وقف إطلاق النار. وردا على توصية بينت بالعمل على معالجة الانفاق، بالقول "واذا حققت الهدوء لثلاث سنوات دون أن تدمر الأنفاق. ما السيء في ذلك؟". وبرز أيضا في فرضه إحدى الإقتراحات التي دعت إلى معالجة فتحات الأنفاق، بالقول أن "هذا سيجرّنا إلى الداخل (داخل القطاع)".