ارشيف من :آراء وتحليلات
التغيرات الحربائية في سيناريوهات ’المعارضة’ السورية
منذ أسابيعه الأولى اتّخذ الصراع الدامي في سوريا طابعاً دولياً واضحاً، يكفي أن نشير الى معالمه الرئيسية التالية:
ـ1ـ إن القوى الإرهابية التي تقاتل في الداخل السوري (ما يسمى "الجيش السوري الحر"، وبعض عصابات الإرهاب والتفجير الانتحاري وغير الانتحاري، والسلب والنهب والذبح على الهوية)، أصبحت لا تمثل سوى ملحقاً صغيراً جداً بالجيش التكفيري العالمي، بقيادة أميركا (وتركيا، حتى الأمس القريب)، الزاحف من الخارج.
ـ2ـ اتضح بسرعة أن الهيئات "السورية" الاعلامية والسياسية والعسكرية التابعة للمعارضة، لم تكن أكثر من واجهات شكلية، لتضليل ذلك القسم من الجماهير السورية المسكينة الساذجة المؤيدة للمعارضة، من جهة، ولتضليل من يمكن تضليله من الرأي العام العربي والعالمي، من جهة ثانية، بأن المعركة هي "معركة سورية داخلية"، وأن القوى الخارجية ليست أكثر من قوى "دعم" جزئية وثانوية.
ـ3ـ عملت أميركا والحلف الأطلسي، بالدعم المالي والسياسي والاعلامي من قبل الانظمة النفطية العربية ومن جامعة الدول العربية ومنظمة مؤتمر الدول الاسلامية، لتجميع أكبر عدد ممكن من "المرتزقة الحقيقيين" من كل أنحاء العالم، وتجميعهم في تركيا (أولا وخاصة) وتشكيل "جيش تكفيري" كبير يضطلع بدور "ذراع تكفيري" للحلف الاطلسي، يتم ربطه بالاشكال المناسبة، وعلى مراحل، بالجيش التركي. وأن يقوم هذا "الجيش" (العثماني الجديد!) بحسم معركة سوريا وتمزيق الشعب السوري وتشريده والسيطرة على الأراضي السورية، كمقدمة للتحكم بمصائر جميع البلدان والشعوب العربية بما فيها الانظمة "الموالية للغرب" التي لم تعد تفي بمتطلبات المرحلة كما تقتضيها مصالح النظام الامبريالي العالمي والصهيونية العالمية. وكان من المفترض ان يكون على رأس مهمات هذا "الجيش التكفيري": طرد الوجود الروسي في المنطقة وإغلاقها نهائيا امام الأسطول الروسي، وعقد معاهدة "سلام شامل ووطيد" مع إسرائيل، وفتح معركة مصيرية لسحق حزب الله وحلفائه في لبنان، ثم سحق القوى التحررية في العراق، ثم الاستدارة لسحق الجمهورية الاسلامية الثورية الايرانية.
تذبذب النظام الاردوغاني
ـ4ـ كان من الواضح تماماً، حتى لعميان السياسة، ان طلائع ذاك "الجيش" العالمي التي كانت ولا تزال تقاتل الان في سوريا، ومعها كل المعارضة السورية الذيلية والعميلة، لم تكن تستطيع ان تصمد أسبوعا واحدا بدون مختلف اشكال الدعم التسليحي والتمويلي والتوجيه والقيادة المخابراتية، الاميركية ـ الاطلسية ـ العربونفطية ـ التركية ـ الاسرائيلية. وقد خرج النظام الاردوغاني عن هذه التركيبة بعد محاولة الانقلاب الاميركي ضده بسبب "تذبذبه" من وجهة النظر الاميركية.
جبهة المقاومة هي الأقوى
ـ5ـ وفي المقابل لا يكاد يحتاج الى برهان أن القوات الوطنية السورية، التابعة للدولة، ومعها كل القوى الوطنية السورية الحقيقية، الحريصة على وحدة واستقلال البلاد ومصير الشعب السوري بكل مكوناته، أصبحت تخوض معركة مصيرية حقيقية، بكل معنى الكلمة وأبعادها العسكرية والسياسية والإنسانية. وأن هذه القوات قد صمدت بوجه العدوان الخارجي، بفضل التأييد الشعبي، وبفضل التأييد والدعم والمساعدة، سياسياً ومالياً واقتصادياً وخصوصاً عسكرياً، من قبل ايران وحزب الله والمتطوعين العراقيين والصين وخصوصاً روسيا.
الأفعى يمكن ان تلدغ حاويها
ـ6ـ ان المجموعات "الاسلاموية!" التي تم تجميعها من هب ودب للقتال في سوريا ولتشكيل "الجيش العالمي" ليست كلها متجانسة. وأثبتت حادثة قتل السفير الأميركي في ليبيا منذ حوالى ثلاث سنوات أن بعض هذه المجموعات أو بعض الجيوب في هذه المجموعات يمكن في أي لحظة ان تنقلب ضد الاميركان أنفسهم، لأي سبب حتى من باب "المزايدة" على الأميركان أنفسهم والضغط عليهم. وهذا يعني ببساطة ان الأميركان لم يكونوا مستعجلين لحسم المعركة في سوريا، حتى لا يقعوا في "فخ ليبي" ثانٍ. وكان من مصلحة الأميركيين إطالة أمد المعركة في سوريا بالقدر الذي تتطلبه عملية فرز "الإرهابيين" واستخلاص الأطراف ممن يجارون أميركا وإسرائيل وتركيا. وقد جاء الإعلان الاميركي عن وضع "جماعة النصرة" على لائحة التنظيمات "الإرهابية"، والمماطلة في تسمية غيرها، كمثال نموذجي على عملية الفرز والاستخلاص الأميركية. ما يؤشر الى طول امد المعركة، بقرار اميركي.
معركة افغانستان لم تنته
ـ7ـ مع كل سنة يبتعد الزمن عن التجربة المريرة التي خاضها السوفيات (وبالتحديد روسيا) في أفغانستان، نستنتج أن معركة أفغانستان هي التي دقّت الإسفين الأكبر في وجود الإتحاد السوفياتي السابق، حيث كان يتم ارسال الجنود المسيحيين فقط للقتال في افغانستان. ومع مرور الزمن لا يمكن الاستنتاج ان معركة افغانستان قد أصبحت "ذكرى مريرة" فقط و"في ذمة التاريخ" بالنسبة لروسيا. فالدولة الروسية، والمجتمع الروسي بأسره، يعرفان تماما أن داخل الفيديرالية الروسية اكثر من 20 مليون مسلم، وعلى الحدود الروسية توجد تركيا والجمهوريات الاسلامية "السوفياتية" السابقة، التي تجمعها مع تركيا الاصول العرقية الطورانية. فاذا ما نجحت المخططات الاميركية ـ الصهيونية في تدمير سوريا، وفي طرد الروس من شواطئ المتوسط، بواسطة "الجيش العالمي"، فمن يضمن ان لا يكون الهدف التالي للعدوان هو روسيا بالذات (وحتى قبل العدوان المبيت على ايران)، فتبدأ عملية تفجير روسيا "من الداخل" بواسطة الحركات "التكفيرية" العميلة لاميركا والمرتبطة بتركيا والممولة من الدول النفطو-عربية ومن اليهود الروس، مثل "المرحوم" بوريس بيريزوفسكي ومايكل تشورني وليف ليفايف وغيرهم من الحائزين على الجنسية الاسرائيلية. كما تبدأ عملية الاعتداء على روسيا "من الخارج" من قبل الدول الاسلامية "السوفياتية!" السابقة، من جهة، وتركيا، من جهة اخرى.
وهذا التشابك والاحتمالات وحدها كانت كافية لجعل كسر شوكة "الجيش العالمي" الاميركي، بجميع اقنعته على الارض السورية، يأتي في رأس اولويات السياسية الخارجية والدفاعية الروسية في المرحلة الراهنة.