ارشيف من :آراء وتحليلات
السعودية ’تُطَبّع’ علاقاتها مع لبنان.. ماذا بعد؟
قرَّر مَن بيدهم الأمر في السعودية "تطبيع" علاقات بلادهم مع لبنان. بالطبع، يستطيع السعوديون أن يسوّقوا لزيارة وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان، الى بيروت، على أنها تأتي في إطار البدء بحصد ثمار زيارة الرئيس ميشال عون إلى الرياض. لكن لا يمكن لأي مراقب لمسار السياسة السعودية تجاه لبنان، أن يفصل زيارة السبهان الثانية الى لبنان في غضون أشهر قليلة، عن سياسة السعودية الأوسع حيال المنطقة انطلاقاً من انغماسها في وحول سوريا واليمن.
منذ انتخاب دونالد ترامب على رأس الإدارة الأميركية، وارتفاع لهجته في وجه إيران، تشيع الماكينة الإعلامية السعودية أجواء تفاؤل وترحيب بالرئيس الأميركي الجديد المثير للجدل. غاص كثير من المحلّلين والنقّاد في محاولة تظهير علاقة إدارة ترامب بالعائلة السعودية الحاكمة، كعلاقة مَن جمعتهم المصيبة الإيرانية. وعليه، بنى كثيرون سيناريوهات قاتمة للمنطقة، متّكلين على احتمال "اتحاد" واشنطن والرياض ضد طهران، بدءاً من السياسة والاقتصاد وصولاً الى الحرب!
فيما يتعلّق بلبنان، كثرت تأويلات البعض لزيارة السبهان الأخيرة الى بيروت. واستفاد البعض من كون المسؤول السعودي، صاحب خلفية استخباراتية وقد توكَّل مهامًا تتعدى شؤون الخليج لتطال المنطقة والإقليم، ليقول إن زيارته أتت لتضع المسؤولين اللبنانيين في أجواء التأهب السعودي للدخول في مرحلة متقدّمة من المواجهة مع إيران.
وفيما يخص الزيارة، تذكر مصادر مواكبة بأن إعلان السبهان من بيروت عن عودة الحرارة الى الخطوط اللبنانية – السعودية، أتى في ظل رئيس جمهورية طالما سَعَت المملكة الى العمل من أجل إقصائه عن كرسي بعبدا بتهمة تحالفه مع حزب الله. على الرغم من أن المبعوث السعودي لم يلتقِ بأي من مسؤولي حزب الله، إلا أنه التقى برئيس حكومة لم يستطع الدخول الى السرايا الحكومية إلا بعد تعبيد الطريق أمامه بعدم ممانعة الحزب الذي يشكّل اليوم حجر زاوية في المعادلة السياسية اللبنانية، وفي ظل وجود وزراء له في "الحكومة الحريرية". علماً أن الحريري وحلفاءه تشاركوا المقاعد الحكومية مع حزب الله، على الرغم من وجود عناصره في قلب المعركة السورية الى جانب الجيش السوري والرئيس بشار الأسد.
تتساءل المصادر عمّا يمكن أن تفعله السعودية في لبنان إذا ما صحّت رهاناتها على ترامب في مواجهة إيران؟ فتستبعد أن يكون بين القوى السياسية اللبنانية اليوم مَن يمارس من داخل الحكومة أو خارجها، رهانًا على تطورات دراماتيكية تسمح له بقلب الطاولة وبعثرة أوراق اللعب من جديد.
تقول المصادر إن بعض الإشارات قد تظهر، لمعرفة نوايا البعض بكسر الانسجام السياسي الحاصل اليوم على الساحة المحلية خدمة لتوجّهات معيّنة؛ أولى الإشارات التي يمكن رصدها قد تخرج من ملف التفاوض القائم على قانون الانتخابات النيابية الداهمة، مع ما يمكن أن يحمله من عرقلة غير مفهومة، وثانها يمكن أن يستخلص من مسار جلسات الحوار المطوّلة القائمة بين حزب الله وتيّار المستقبل، وإذا كان ثمّة مَن سيحاول عرقلتها وإنهاءها. أما سائر ما يمكن ملاحظته فيظهر من خلال ملفات التعيينات في الإدارات، وما يرافق مسار عمل الحكومة ومجلس النواب، وإذا ما كانت عجلة الحياة السياسية في لبنان ستعود الى الوراء، ليعود الوضع الى الحقبة التي سبقت انطلاقة العهد الجديد.
على كل حال، ترى المصادر بأن أداء مختلف القوى السياسية، وعلى رأسها تيّار المستقبل، حتى اليوم، يشير الى أن الأوضاع ذاهبة وفق التفاهم السياسي العام الذي أمّن انطلاقة عهد الرئيس ميشال عون، وعودة الرئيس سعد الحريري. وتذكر المصادر أن عودة سعد الحريري الى السرايا الحكومية أتت بعدما أخرِج منها بفعل مؤتمر صحفي عُقد في الرابية في العام 2011، أثناء لقاء ودّي له في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الحليف الأول للسعودية.
أما فيما خصّ السعودية، تقول المصادر إن الرياض تنتظر من إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، أن يترجم تقاربه معها الى أفعال في وجه إيران، وخاصةً في اليمن بمواجهة أنصار الله. في حين، ترى السعودية عودتها الى لبنان ضرورية لضمان عدم إخلاء أي ساحة لإيران، تعتبرها المملكة إمتداداً لها، فيما المنطقة تدخل مرحلة جديدة مع بدء الحديث الجدي عن انطلاق قطار الحل السياسي في سوريا، وانطلاق العهد الجديد في لبنان بأركانه وتحالفاته، والذي سعت السعودية جاهدة الى عرقلة انطلاقه.