ارشيف من :آراء وتحليلات

الرئيس عون والسلاح الاستراتيجي

الرئيس عون والسلاح الاستراتيجي

منذ اللحظات الأولى لتبني حزب الله ترشيح رئيس التيار الوطني ميشال عون لمنصب رئاسة الجمهورية اللبنانية انقسم الحلفاء والخصوم بين مؤيد لترشيح العماد عون ومعارض له.
في الخصوم وخصوصاً لدى الشارع المسيحي، منهم من رأى في هذا الترشيح سبباً مباشراً في اختطاف التيار الوطني الحر للتمثيل المسيحي في لبنان وربما في المشرق العربي، ومنهم من اعتبر أن لا أمل للعماد في الوصول الى سدّة الرئاسة كونه تحالف مع حزب الله مبتعداً عن مكون الطائفة السنية المتمثل بـ"تيار المستقبل" الذي يتهم حزب الله بامتلاك سلاح غير شرعي، خارج عن سيطرة الدولة اللبنانية، إضافة لاتهام آخر وهو أن حزب الله ينفذ الأجندة الايرانية في لبنان والمنطقة.
هذه الصورة المعقّدة محلياً إضافة للأوضاع الإقليمية المتفجرة والتوتر السياسي بين إيران والسعودية، كلّها أمور أسهمت في الاعتقاد باستحالة وصول العماد عون الى سدّة الرئاسة الأولى أما حزب الله فظلّ مصرّاً على ترشيح العماد عون للرئاسة ورغم تشكيك بعض القواعد الشعبية في التيار الوطني الحر لنوايا حزب الله الصادقة في تبني الترشيح أطل سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مؤكداً على الاستمرار والتمسك بترشيح العماد عون مضيفاً الى ذلك معادلة جديدة باعتبار العماد عون ممراً إلزامياً لأي مرشح آخر بمعنى أن حزب الله اتخذ قراراً إستراتيجياً لا رجعة عنه هو العماد عون أو من يرضى العماد عنه وهنا دخل لبنان في أزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.
كثير من حلفاء حزب الله كالوا الاتهامات للحزب نفسه بأنه أوقف مصير البلد من أجل شخصية واحدة بينما الطائفة المارونية تزخر بالعديد من الشخصيات الحليفة للحزب فكان رد الحزب على الاتهامات ان للجنرال عون ديناً في أعناقنا ونحن قوم إذا وعدنا لا بد لنا من الوفاء، خصوصاً مع الذين وقفوا معنا وساندونا طيلة العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006، أما كل الذين اسرّوا للحزب بأن التمسك بالعماد سيعود بالإساءة لسمعة الحزب خصوصاً بعدما قامت بعض وسائل الاعلام التي تناصب الخصومة للحزب بالترويج أن حزب الله يريد أخذ لبنان رهينة ريثما تتوضح صورة الأحداث الإقليمية لا سيما في سوريا.
حزب الله آثر عدم الرد على الهجمات والافتراءات التي طالته وأساءت لسمعته بالصبر، وعلى الرغم من بروز مرشحين طالما اعتبروا حلفاء أشداء للحزب وللمقاومة لكن حزب الله كان له كلام آخر "اذهبوا عند مرشحنا الأوحد ميشال عون" واحصلوا منه على الموافقة لأن الطريق الى رئاسة الجمهورية لا بد له من أن يمر بالرابية.
لا بد ان الرجل الذي في العقد الثامن من عمره، خبِر فنّ التفاوض مع الخصوم قبل الحلفاء وهو لم يغلق يوماً باب التفاوض حتى مع ألدّ الخصوم وفي عزّ الأزمات محاولاً اجتراح الحلول الوسط والاتفاق على المسائل الوطنية مع تأجيل الخلاف على الخيارات الاستراتيجية فنجح في إبرام اتفاق مع حزب القوات اللبنانية بصرف النظر عن نوايا القوات المبيته والهادفة الى تعطيل ترشيح الزعيم الوطني سليمان فرنجيه.
لكن حزب الله ظل واضحاً في خياراته ومصراً عليها .
امام تبدل المشهد السياسي في لبنان ظل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بانتظار التوافق الإقليمي سيما ان التطورات الميدانية في سوريا كانت توحي بتحقيق محور المقاومة بقيادة الجيش العربي السوري انتصاراً تاريخياً في الشمال السوري أدى الى انقلاب الصورة لصالح الحزب وتعزيز دوره لبنانياً واقليمياً.
امام هذا الواقع الاقليمي، اضافة للوضع الداخلي الضاغط في لبنان، ومع تأييد إيراني وعدم ممانعة سعودية تصدّرت أنباء عن تبني تيار المستقبل ترشيح العماد عون ليكون رئيساً للجمهورية اللبنانية.
وبصرف النظر عن الأسباب التي دفعت تيار المستقبل مدعوما من المملكة السعودية إلى تبني ترشيح العماد عون؛ بيدَ ان التبني حصل واعتبرت الطريق الى قصر بعبدا مفتوحة أمام الجنرال.
انتُخب العماد عون رئيساً للجمهورية اللبنانية محققاً حلماً عمل على تحقيقه لأكثر من ربع قرن وكان لحزب الله ما أراد معلناً أن ديناً عليه قد تم الإيفاء به، لكن مع كثرة من نسب إليه الفضل بوصول العماد عون الى سدّة الرئاسة والمطالبة بحصة وازنة في الحكم لم يخف حلفاء الحزب قلقهم وخوفهم من بعض المقربين والمحيطين بفخامة الرئيس الساعين للخلافة المرتقبة بعد تصريحات طائفية وتصرفات استعلائية كادت ان تسبب اشكالاً وتشكيكاً في النوايا المبيتة للمقربين.
إلا ان فخامة الرئيس ميشال عون أثبت من خلال ممارسته لمهامه واستقباله العديد من القطاعات والنقابات والشخصيات أنه رئيس فوق كل الشبهات وأن قراره يخصّه وحده دون أي تأثير من أي مقرّب كان، حتى وإن كان من العائلة كما أن فخامته أثبت أنه صلبٌ في قناعاته وأن مواقفه ليست وليدة ظرف او مرحلة لان اقواله وتصريحاته كلّها دلت على قناعة كانت نابعة عن دراسة دقيقة وفهم عميق للمرحلة.
وللأمانة فإن ما صرح به الى قناة "سي بي سي" المصرية قبيل زيارته جمهورية مصر العربية لجهة التزامه تنفيذ اتفاق الطائف وإصراره على إجراء الانتخابات النيابية بقانون جديد يؤمن صحة التمثيل والتزامه الخط العروبي ومحيطه العربي إضافة إلى دفاعه عن المقاومة وأهل ها وسلاحها، وإلى تكامل المقاومة مع الجيش الوطني اللبناني في مواجهة العدو الإسرائيلي ووقوفه إلى جانب سوريا في محاربة الإرهاب والسعي لجعل لبنان مركزاً لحوار الاديان ونقطة التقاء للاشقاء العرب.
كل هذه الامور تجعلنا نقول ان ما صرح به فخامة الرئيس ميشال عون يعادل السلاح الاستراتيجي لحماية لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي وأن خيار حزب الله كان الخيار الأصح لأن شخصاً مثل فخامة الرئيس ميشال عون يستأهل الانتظار لسنتين ونصف السنة.
يبقى التحدي الأكبر لفخامة الرئيس ميشال عون وعهده الآتي من عقيدة للاصلاح الوطني وبناء الدولة وكسر الاحتكار السياسي هو إقرار قانون إنتخابي على أساس النسبية لأنه يعتبر السلاح الإستراتيجي لعهده والمدخل الأساسي والرئيسي لأي إصلاح منشود. وبذلك يدخل عهد ميشال عون التاريخ.. لجهة بناء لبنان على اساس وطني وليس طائفي.

(*) مستشار وباحث في الشؤون الاقليمية

 

2017-02-14