ارشيف من :آراء وتحليلات

العالم العربي في أجندة ترامب

 العالم العربي في أجندة ترامب

تدل المؤشرات حتى الآن وبشكل واضح الى أن ترامب "رجل القرارات والمفاجآت" يعتزم إحداث تغيير جذري في قواعد السياسة الأميركية، وفي اتجاه القطع بشكل كامل مع سياسة الإدارة السابقة (أوباما) والانقلاب عليها.

 العالم العربي في أجندة ترامب


الرئيس الأميركي الجديد لم ينتظر يوماً واحداً بعد وصوله البيت الأبيض، ليبدأ بتوقيع وإصدار قرارات تنفيذية كان أبرزها توقيع قرار حظر سفر رعايا سبع دول إسلامية الى الولايات المتحدة، ولكن الإنطلاقة مع هذا القرار لم تكن موفقة وإنما جاءت متعثرة وانكشف الأمر عن "نكسة قضائية"، بعدما أصدر قاضٍ فدرالي قراراً بوقف تنفيذ "أمر الرئيس"، وبعدما رفضت محكمة الاستئناف الفدرالية الطعن الذي قدمته وزارة العدل في قرار القاضي الفدرالي. وتسبب الأمر باندلاع "مواجهة قانونية حقوقية" في الولايات المتحدة والتأكد من أن الرئيس الآتي من عالم "البزنس" تنقصه المعرفة والخبرة في مجال القانون والسياسة الخارجية، حيث سيواجه أيضا مشاكل وعثرات...
ترامب افتتح اشتباكاً مبكراً مع إيران وعمل على تجويف الاتفاق النووي وإفراغه من مضمونه السياسي ومفاعيله الإيجابية بالنسبة لإيران مالياً ودبلوماسياً، ما تنوي إدارة ترامب أن تفعله هو "التنفيذ الصارم للاتفاق النووي، وليس تمزيقه"، تريد تكثيف المراقبة الدقيقة لكل شاردة وواردة، فـ"إذا قامت إيران بانتهاك للاتفاق، سيسقط وسنقفز إلى المحاسبة".


 ترامب، الذي حذَّر الإيرانيين من اللعب بالنار وأحاطهم علماً أنه ليس أوباما، فأولوياته وسياساته مختلفة عن أوباما ومعاكسة لها، أولوية أوباما كانت الاتفاق النووي مع إيران التي أعطيت تسهيلات أميركية وأفادت من "التغاضي" الأميركي لترسيخ نفوذها في العراق وسوريا ومدّه باتجاه العمق الخليجي، وخصوصا في اليمن. وكان أوباما منحازاً الى شراكة إيران في محاربة "الإرهاب التكفيري"، أما أولوية ترامب فقد حددها بمحاربة الإرهاب وخصوصا "داعش". وهو لا يعتمد على إيران في هذا المجال وإنما يرى فيها دولة راعية للإرهاب، كما أنه في صدد إعادة الحرارة الى العلاقة مع "الشريك السني" ولحظ دور له في محاربة الإرهاب، ولكن وفق الشروط الأميركية ولقاء ثمن تطلبه دول الخليج باحتواء نفوذ إيران في المنطقة، بدءا بفرض انسحاب حزب الله من سوريا، وهذا ما كانت أثارته تركيا رسمياً مع روسيا على هامش "عملية أستانة".
مصدر دبلوماسي مقرّب من تفكير أقطاب رئيسيين في الحلقة الضيقة للرئيس دونالد ترامب يقول: "إننا عازمون على مساعدة من يساعدنا حقا ويثبت جدواه في الشرق الأوسط، هذا يضم السعودية ومصر والأردن والإمارات"، في الوقت ذاته، سنقوم بإدانة من نصنفهم في مرتبة المنبوذ مثل إيران وسوريا، باختصار المعادلة واضحة: "كن حليفاً صادقاً، ونحن جاهزون للمساعدة في المقابل".
"إدارة ترامب تريد من السعودية المشاركة الفعلية المكثفة لمنع تمويل الإرهاب ليس بالضرورة علناً طالما تفعل ذلك بإجراءات حازمة سراً، خلاصة الأمر أن السعودية ستكون أكثر تقارباً مع الولايات المتحدة"، وفق المصدر الرفيع.
ففي خطاب التنصيب تعهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب باستئصال "الإرهاب الراديكالي الإسلامي"، وفي زيارته إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، شدد على وجوب إزالة الإرهاب والتخلّص من "داعش": "لا يوجد خيار أمامنا سوى القضاء على الإرهاب، ولم نشهد مثيلاً لمستوى الشر الذي يقوم به داعش".


سوريا
يرى خبراء في هذا المجال أن إلحاق الهزيمة بـ"داعش"، خصوصاً في شرق سوريا وغرب العراق، غير مؤكد، لكنه مرجح على نحو متزايد. في موازاة ذلك تقود الولايات المتحدة تحالفاً دولياً لقصف مقرات التنظيم وتحجيم قاعدته الاقتصادية، لكن لا يزال التنظيم الأكثر تطرفاً ويسيطر على أموال ضخمة، وإن كانت أرباحه وإيراداته انخفضت بشكل كبير.
طرد "داعش" من سوريا والعراق سيسر الولايات المتحدة وأوروبا، لكنه لن يكون نصراً حاسماً، لأنه إذا فقد التنظيم أراضي ما يدعيھا الخلافة في سوريا والعراق، فمن المحتمل أن يكرس المزيد من موارده لعمليات إرھابية في الخارج، والحرب العالمية على التطرف لن تنتھي بھزيمة "داعش"، لكن ببساطة ستتحول إلى مرحلة جديدة.
الذين سيخسرون من ھزيمة "داعش" عسكريا، ھم الدول الإسلامية وبالذات الضعيفة والھشة، خصوصا أن الھزيمة قد تمزق "داعش" كتنظيم، لكنھا لن تدمر الفكر الذي يغذيه، ھزيمة "داعش" ستنعكس سلباً أيضاً على المنظمات أو المجموعات غير المتطرفة، أو الأقل تطرفاً، لا سيما في المعارضة السورية، فالكثير من الدعم الذي تتلقاه سببه أنھا البديل لـ"داعش"، إذا سقط "داعش" من حلبة المنافسة، ألغي التبرير الذي كان يثير إھتمام الدول الداعمة.
لذلك نجد لترامب هدفان في سوريا، وذلك حسب محادثات أجراها مسؤول فرنسي رفيع مع مسؤولين في الأمن القومي الأميركي في واشنطن تركزت على سوريا وتحرير الرقة تحديداً، إضافة إلى روسيا وإيران، وخرج هذا المسؤول بانطباع أن "الأولوية لدى واشنطن في سوريا ھي "إزالة داعش" و إخراج الإيرانيين وحزب الله منھا، فليس لدى الأميركيين بعد فكرة دقيقة في شأن وسيلة تقليص تأثير حزب الله وإيران على الأرض في سوريا، إنھم يفكرون في أنه بعد تحرير الرقة من داعش ينبغي التفاھم مع الروس والنظام حول دير الزور".
وحصيلة كل ھذا الوضع أن محاربة الأميركيين لـ"داعش" في المرحلة المقبلة في العراق (الموصل) وفي سوريا (الرقة) لا يريدھا ترامب أن تصب في خدمة إيران وحلفائھا، وإنما يريد أن يكون ذلك مقدمة لانسحاب حزب الله من سوريا، وحيث من الملاحظ أن مسألة بقاء أو عدم بقاء حزب الله في سوريا باتت تتقدم في الخطاب الأميركي على مسألة بقاء أو عدم بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم.
وقال المسؤول "إن الأميركيين لا يحددون نوع العلاقة التي يريدونھا مع الحكومة السورية، لافتاً إلى أن ما يقلق الأميركيين والفرنسيين والمعارضة السورية ھو أن إيران وحزب لله باتا القوة الأساسية للرئيس الأسد على الأرض، وحذر من أن مسعى تقليص التأثير الإيراني في سوريا قد يأتي بنتائج خطيرة على الوضع في العراق ولبنان".

 العالم العربي في أجندة ترامب


لبنان
لبنان يقف إذا أمام مرحلة جديدة في المنطقة بدأت تظھر تباعاً ملامحھا وخطوطھا، وسط قلق متنامٍ من أن يكون إحدى ساحات التجاذب وتصفية الحسابات بين إيران والولايات المتحدة، أو أن يكون من ضحايا ھذا الوضع الجديد ويدفع ثمنه من استقراره الداخلي، وحيث أن أي تغيير في موازين القوى في المنطقة سينعكس حكما على لبنان واستقراره وميزان القوى السياسي.
ھناك من يعتبر أن الظروف والمعادلات التي جاءت بالرئيس ميشال عون رئيسا للجمھورية الى تبدّل، وأن وصول عون الى قصر بعبدا لم يكن ليكون ممكنا بعد وصول ترامب الى البيت الأبيض، وأنه يمكن الآن فھم خلفية حزب الله في تسريع انتخاب عون قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وھناك من يعتبر تبعا لھذا التبدل الإقليمي الناجم عن "عاصفة ترامب" أن الأولويات اللبنانية ستتجه حتما الى تبدّل، وأن مسار معركة قانون الانتخاب سيتغيّر باتجاه تأجيل إقرار القانون إذا كان سيؤدي الى انقسام وأزمة داخلية والتمديد المؤقت لمجلس النواب ربطا بقانون جديد متعذر حالياً، وربما أيضاً ربطاً بأوضاع أمنية مستجدة.
 لذلك يجد لبنان نفسه أمام ضرورة استكمال عملية التحصين الداخلي لوضعه سياسيا وأمنيا. وھذه العملية بدأت بانتخاب رئيس للجمھورية وتشكيل حكومة جديدة، ولكن توقفت عند محطة الانتخابات قانوناً وإجراءً، وھذا التعثر يجب أن لا يتحول الى أزمة والى تھديد للاستقرار الداخلي الذي استطاع لبنان الحفاظ عليه في زمن الربيع العربي، ولكن سيصعب الحفاظ عليه في زمن "الربيع الأميركي".
باختصار، يدرك ترامب صعوبة أو استحالة إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، ولكنه يدفع العلاقة معھا الى حافة الھاوية ويريد تطويقھا بشتى الوسائل، خصوصا العقوبات، لمنع إفادتھا من مفاعيل الاتفاق، بدأت تغييرات في اليمن مع رفع درجة التدخل البحري (إرسال المدمرة "كول" وتضييق الحصار على الحوثيين بالتزامن مع ضرب مراكز "القاعدة"، وفي سوريا بدأ التغيير مع مشاريع المناطق الآمنة التي ربما تبدأ من جنوب سوريا، وھنا تبرز زيارة الملك عبدلله الثاني الى واشنطن ليكون أول زعيم عربي يلتقيه ترامب، وكان لافتا أن تشن الطائرات الأردنية بعد ھذه الزيارة التشجيعية غارات على قواعد لـ"داعش" في جنوب سوريا للمرة الأولى، وربما ينضم ترامب الى تفاھمات روسية وتركية للحد من سيطرة إيران وحزب الله في سوريا.
وطبعاً ھذه السياسة "الترامبية" ھي خطة "إسرائيل" التي حددت إيران مصدر الخطر الأول عليھا وحزب الله، والتي تتقاطع في ھذه النقطة مع مواقف وأجندة دول الخليج. وھذا ما بدأه فعلا ترامب من خلال إعادة أجواء العلاقة التحالفية معھا الى سابق عھدھا، و بتأكيد معادلة "إسرائيل أولا" في المنطقة ....

فهل هناك من يعي من العرب أن ما حدث وسيحدث في عالمنا العربي هو لمصلحة "إسرائيل أولاً"...كما هو شعار ترامب "أميركا أولا..".

 

2017-02-15