ارشيف من :آراء وتحليلات
على ماذا يرتكز لبنان القوي؟
لم يشهد "لبنان الرسمي" او "لبنان الدولة" منذ فترة طويلة ما يشهده هذه الأيام من مكانة محترمة توحي بالثقة والثبات والتوازن. وما يدور حالياً في أفق علاقاته الخارجية، إقليمياً ودولياً، يوحي وكأن مستقبله القريب سيشهد تنامياً واضحاً لدور فاعل ومهم. فأين تكمن نقاط القوة التي أسست لذلك؟ وما هي المعطيات التي سمحت بظهور هذه النقلة النوعية للدور اللبناني المستجد؟
الدراسة الموضوعية لهذه النقاط والمعطيات يمكن تلخيصها بما يلي:
- الوحدة الداخلية وشخصية الرئيس عون:
وقد تجلّت واكتملت هذه الوحدة بعد انتخاب العماد ميشال عون، الرجل صاحب الشخصية الفذّة والاستثنائية رئيساً للجمهورية بأغلبية نيابية وسياسية واضحة، مع بعض الاستثناءات التي أعطت لعملية الانتخاب نكهة ديمقراطية مطلوبة، والذي ثبت وقوّى دعائم هذه الوحدة هو ما يلي:
1- التوافق المسيحي - المسيحي بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، والذي كان حصوله شبه مستحيل نظراً للماضي الأليم بين الفريقين، وحيث استطاع قادة الفريقين تخطي الخلافات السابقة. امتدّ هذا التوافق الى القاعدة الشعبية التي سارت بسرعة نحو تقارب، على الأقل، أبعَدَ تشنجات وحساسيات وأزال أحقاداً وسمح بفتح صفحة وئام جديدة .
2- اقتناع تيار المستقبل بقادته وبقسم كبير من قاعدته، بأحقية انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، كونه صاحب الكتلة النيابية الوازنة، وكونه الممثل الأول لقاعدة وطنية كبرى تجمع أكثر من مكون داخلي فاعل، وإختيارهم الصائب - ولو متأخرا - ورهانهم عليه لقيادة سفينة الدولة في وجه العواصف الإقليمية والخارجية التي أصبحت داهمة وتستلزم رباناً قادراً صاحب خبرة وكفاءة.
3- التفاهم الإستراتيجي بين حزب الله والتيار الوطني الحر، والدعم الواسع والثابت والفاعل للرئيس عون من حزب الله ومن البيئة التي يمثلها على الساحة الوطنية والإسلامية، داخلياً واقليمياً، وذلك لأسباب عدة أبرزها قيمة ما يقدمه الرئيس على المستوى الوطني والاستراتيجي للبنان كممثل حقيقي وقوي، ولمحور المقاومة كداعم صادق ووفي، اقتنع بقدسية وبضرورة مشروع المقاومة وقاتل في سبيل حمايته، داخلياً في بيئته القريبة، وخارجيا في علاقاته وفي وقوفه الدائم خلفه امام ممثلي اغلب الدول والمؤسسات الاممية التي كانت تتواصل معه، وعبر صوته المسموع دوليا لما يتمتع به من مصداقية ومن رؤية استراتيجية أثبتت صوابيتها دائماً.
قوة وتماسك الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية :
أهمية الدور اللافت والفاعل الذي لعبته مؤسسة الجيش اللبناني والاجهزة الامنية من الناحية الميدانية والعسكرية في حماية الوطن على الحدود وفي الداخل، وأيضا من الناحية الأمنية في متابعة وملاحقة وتوقيف الشبكات والخلايا الإرهابية. وهذا الدور أعطى نقاطاً ايجابية قوية للوضع الداخلي اللبناني، خاصة إذا أجرينا مقارنة مع ما يجري حولنا في المعركة القاسية ضد الإرهاب، والتي تتخبط فيها جيوش كبيرة وقادرة، لتبدو احياناً عاجزة عن مواجهته بنجاح كامل، بالإضافة لما لعبته هذه الأجهزة العسكرية والامنية على صعيد المناعة الداخلية وتثبيت التماسك بين مكونات الوطن، وحيث تشترك جميع هذه المكونات في الانخراط الواسع في هذه الاجهزة، ساهم ذلك في تمتين الوحدة الداخلية وتقويتها.
المقاومة ( حزب الله )
لا شك ان حزب الله فرض نفسه على الساحتين الداخلية والاقليمية، وطبعاً امتداداً للساحة الدولية، وذلك من خلال الدور المزدوج الذي لعبه في مقاومة العدو الإسرائيلي وفي مواجهة ومحاربة العدو الإرهابي التكفيري .
- الدور الأول والاساس للمقاومة كان في مواجهة العدو الاسرائيلي، وقد تجلى هذا الدور في إجباره على الانسحاب عنوة من الاراضي المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي، في الوقت الذي فشلت في تحقيق ذلك جميع المحاولات الديبلوماسية والدولية (الصادقة او الكاذبة)، وكانت قرارات الأمم المتحدة العديدة دائماً عاجزة عن إجبار العدو على الانسحاب، وبقيت حبراً على ورق الى ان كتبت ونفّذت المقاومة بدماء شهدائها القرارات الفاعلة المُلزمة فانسحب العدو، وهذا العدو اليوم يلتزم، بمواجهة لبنان والمقاومة، بخطوطٍ حمراء عبر معادلة ردع فرضها حزب الله، من خلال علاقات صادقة مع دول فاعلة دعمته بالاسلحة الكاسرة للتوازن، وبقوة شبابه وتضحيات شهدائه، وبحكمة ورؤية قيادته، وبوفاء بيئته ومؤيديه .
الدور الثاني للمقاومة كان في محاربة الارهاب التكفيري، وقد خاض حزب الله معركة شرسة وواسعة في هذه المواحهة الاستثنائية في الداخل وعلى الحدود، امنياً وعسكرياً بالتنسيق مع الاجهزة العسكرية والامنية اللبنانية، وخارج الحدود في سوريا والمحيط، حيث لعب دوراً محورياً في مساندة ودعم الجيوش القريبة المنخرطة في مواجهة المجموعات الارهابية القوية المدعومة اقليمياً ودولياً، وهو الآن رقماً صعباً، لا يمكن تجاوزه في أية تسوية أو معادلة لا تحترم أو لا تحفظ ما قاتل واستشهد أبطاله في سبيله، ولا تؤّمِن حماية متقدمة وأمنا استباقياً للبنان .
هذه هي النقاط والمعطيات التي أسست لهذا الدور الجديد الموعود والذي من المرتقب أن يلعبه لبنان، إنها معادلة القوة التي فرضت نفسها في الداخل، اولاً من خلال وحدة وطنية يبدو أنها تتقدم وتترسخ يوماً بعد يوم برعاية رئيس حكيم وصادق، وثانياً بحماية جيش قوي وجامع، وبوجود أجهزة أمنية نزيهة وفاعلة ومحترفة، وبعناية وسهر مقاومة استثنائية صادقة، كانت دائما وما زالت جاهزة للتضحية في سبيل لبنان، كل لبنان، بما فيه من يتنكر لدورها عن جهل، أو عن ... غير جهل .