ارشيف من :خاص
عن السيد عباس وطرابلس: مواعيد وسهرات وحوارات وخطيب عرفته منابرها (1)
صورة لأحد اللقاءات التي جمعت السيد الشهيد و الراحل الشيخ شعبان في دارة الأخير في طرابلس
من منّا لا يذكر السيد عباس الموسوي.. يجول بين الخنادق ليطفئ ناراً للفتنة اشتعلت هنا بين الأخوة.. أو هناك انحرف الرصاص الى غير هدفه الصحيح.. فيعيد تصويبه الى العدو؟
في خندق الوحدة كان الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي حاضراً.. كما كان في خندق المقاومة الذي لم يغادره حتى لحظة شهادته..
الى طرابلس وأهلها وعلمائها وقادتها كان يشدّ الترحال دائماً.. حنين يسبقه الى أزقتها ومساجدها ودساكر الفقراء وأنين المخيمات.. وسهرات عامرة لا زال صداها يتردد مع علمائها.. محاوراً بالفكر والحجة والمنطق..
"موقع العهد الاخباري" وفي ذكرى شهادته وفي تحقيق خاص من طرابلس عاصمة الشمال اللبناني.. يعود بالذاكرة الى علاقة سيد شهداء المقاومة بهذه المنطقة وأهلها.
وفي هذه الحلقة نتحدث عن موعد زيارة السيد الى طرابلس والتي لم تتم بسبب شهادته.. وعن علاقته بأمين عام حركة التوحيد الاسلامي الراحل الشيخ سعيد شعبان.
موعد في اليوم التالي للشهادة
لم يكن الشهيد السيد عباس الموسوي فئوياً أو طائفياً، أو طالب مناصب وزعامة، كل من عاصره وجالسه، يُجمع أنه كان القائد الاسلامي الوطني الذي شكّل نموذجاً يقتدى به في كل المراحل والساحات. وتكشف التفاصيل التي سنحاول الإضاءة عليها، عن علاقة قوية ربطت السيد عباس الموسوي بأبناء طرابلس والشمال، فهو لم يتغيب يوماً عن زيارة المدينة التي أحبها، وكان يرى فيها أرضية إسلامية وطنية تحتضن المقاومة ومشروعها، وهو زارها لعشرات المرات، وبات فيها لياليَ عديدة، في منزل العلامة الراحل الشيخ سعيد شعبان رحمه الله، وغيره من معارفه وأصدقائه.
وما يُكشف عنه للمرة الأولى، حول علاقة السيد عباس بطرابلس، هو ما كان قبل استشهاده بأيام، إذ اتفق على لقاء كان من المفترض أن يعقد مع الداعية الراحل فتحي يكن في طرابلس، وحدد موعد اللقاء في السابع عشر من شباط، الا أن الشهادة كانت أسبق الى السيد، ومنعت تلك الزيارة من أن تتم او يحصل ذلك اللقاء.
الشيخ شعبان للسيد: هل يردّ الحبيب؟
في إحدى الليالي، وكانت قد ساءت الأحوال بين رئيس حركة التوحيد الإسلامي العلامة الشيخ سعيد شعبان والسلطات السورية إبان أحداث طرابلس، حاول عدد من المسؤولين السوريين إعادة وصل ما انقطع مع الشيخ شعبان، وأوفدوا إليه إحدى الشخصيات السياسية المرموقة، لتسليمه بطاقة عسكرية تخوله الدخول والخروج من وإلى الأراضي السورية، وتضمن تقديم كامل التسهيلات له هناك، الا أن الشيخ شعبان رفض تسلمها بشكل نهائي، معلناً أن موقفه لن يتغير ولن يتنازل.
خلال هذه الحادثة، لم يكن متاحاً لأي من الفريقين (الشيخ شعبان والسوريين) التواصل، حينها لجأ السوريون الى سماحة السيد عباس الموسوي، ليتوسط لهم لدى الشيخ سعيد شعبان حتى يقبل الهدية، ولعلمهم مدى المكانة التي كانت تربط بين الرجلين، حينها زار السيد عباس منزل الشيخ شعبان في طرابلس وقدم له تلك البطاقة، فرد شعبان قائلاً:"وهل يردّ حبيب القلب، عن مطلبه؟". فما كان من السيد عباس الا ان رسم ضحكة عريضة على محياه، معبّراً عن رضاه.
أخوّة مقاومة وجهاد
يسمي نجل الشيخ سعيد شعبان، الأمين العام لحركة التوحيد الاسلامي فضيلة الشيخ بلال شعبان، تلك الصداقة التي جمعت بين السيد عباس والشيخ سعيد، بـ"علاقة أخوة ومقاومة وجهاد" ويقول شعبان لموقع "العهد": "لم نشعر يوماً ان العلاقة التي جمعت سماحة السيد عباس بالوالد (رحمهما الله) كانت علاقة شخصية، او علاقة بروتوكولية بين زعيمي تنظيمين، بل كانت علاقة أخوة عميقة، تخطّت كل التفاصيل، ولطالما كانت السهرات واللقاءات التي جمعت بين الرجلين، مسرحاً كبيراً للنقاشات والمناقشات في شتى المواضيع والأحداث الإسلامية والوطنية بشكل معمّق، وكان جل همهم "الوحدة الإسلامية والمقاومة، وفلسطين".
صلاة بامامة الشيخ سعيد شعبان ويبدو خلفه السيد عباس الموسوي
زيارات متبادلة
ويروي الشيخ بلال شعبان عن الزيارات المتبادلة بين السيد والشيخ، والزيارات التي كانت لطرابلس وبعلبك، وعن اللقاءات في بيروت والبقاع وصيدا، فيقول :"كنت مرافقاً لوالدي والسيد عباس (رحمهما الله)، وكان لي شرف خدمتهما، وفي احدى المرات كان هناك دورة جهادية لحركة التوحيد في صيدا، وكانت طريق الساحل مقطوعة، حينها نقلني السيد عباس من طرابلس الى البقاع، قضيت ليلتين مع سماحته، أحسست حينها بما جمع السيد من فكر وتواضع، فكان ذاك القائد المقدام، الذي مزج بين الشخصيّة القياديّة المقاومة دون أن ينزع عنه رداء الأبويّة الرؤوفة، فكان مثالاً حقيقياً لنموذج الإنسان والقائد.. كان مسكوناً بالهمّ الجهادي المقاوم، لسانه كما عقله، يخططان في كيفية توسيع المقاومة لتشمل كافة الخطوط، من جنوب لبنان الى فلسطين والجولان وصولاً الى أفغانستان، وفتح كل خطوط المواجهة مع الاستكبار والغطرسة الصهيونية والأمريكية ".
يُجمِع كل من عرف وعاصر السيد عباس الموسوي والشيخ سعيد شعبان، أنهما لم يكونا طالبَي مناصب وزعامات، لا بل كانت البساطة وطيب القلب والوجه الباسم، ترافقهما أينما حلا، فلا تشعر معهما بالتكلف أو التعب، فكان السيد عباس يخدم نفسه بنفسه، ويصرّ أن يتواجد كل الأشخاص المرافقين له على مائدة طعامه التي يفرشها بابتسامة لا تفارق وجهه، رغم كل ما كان يتحمله من مشقّات الطريق والسفر والتعب.
صورة تجمع الشهيدين السيد عباس الموسوي وخليل عكاوي (أبو عربي) في طرابلس
طرابلس ... حاضنة المقاومة
لم تكن زيارات السيد عباس الى طرابلس، زيارات بروتوكولية أو صورية، بل كانت في سبيل دعم وتمكين مشروع المقاومة، ولما كانت، وما زالت، تمثله طرابلس كداعم لخط المقاومة ومشروعها من جنوب لبنان حتى فلسطين.
يروي الشيخ بلال شعبان عن تلك الزيارات، وكيف كانت المقاومة في أوجِ انطلاقتها، وعن استقبال أبناء طرابلس لسماحة السيد، "حينها، لم تكن الدول العالمية، وبعض العرب قد نجحوا في تشويه مشروع المقاومة، فالكل كان يجتمع حولها، وينادي بمقاومة وطنية تجمع شمل كل اللبنانيين، دون أي فصل طائفي أو مذهبي". يذكر الشيخ شعبان "على سبيل المثال، احتفالاً أقيم في المسجد المنصوري الكبير لمناسبة يوم الشهيد، وتحدث خلاله سماحة السيد عباس الموسوي والشيخ سعيد شعبان، والشهيد خليل عكاوي (أبو عربي)، وكيف بدا حينها التأثر واضحاً على الحضور بخطاب سماحة السيد عباس، والعاطفة الكبيرة التي كانت تظهر مع كل كلمة وحرف يبعث في النفس العزة والكرامة".
يتابع شعبان:"حينها لم يتخوّف السيد عباس والشيخ شعبان، من أن يؤدي الانشطار الطائفي الى فصل طرابلس عن تاريخها، ولكن كان السيد عباس يدرك أن أعداء المقاومة يخططون ويرسمون لضرب هذا المشروع، فإما " ان تكسر عسكرياً" وهم لم ولن يفلحوا، أو عبر تحويلها الى مقاومة فئوية طائفية، أي مقاومة فلسطينية او لبنانية وحتى شيعية".
عُرفت شخصيّة السيّد عبّاس الموسوي بأنها ذات أبعادٍ ومعانٍ مختلفة.. حيث كان يعرف أنّ الإسلام يجب أن يكون قريباً من الناس ويخدمهم مهما كانت الظروف.
يتبع غداً