ارشيف من :خاص
عن السيد عباس وطرابلس: عاش هموم الفقراء وكان داعية للوحدة من مساجدها(2)
من منّا لا يذكر السيد عباس الموسوي.. يجول بين الخنادق ليطفئ ناراً للفتنة اشتعلت هنا بين الأخوة.. أو هناك حيث انحرف الرصاص الى غير هدفه الصحيح.. فيعيد تصويبه الى العدو..
في خندق الوحدة كان السيد عباس حاضراً.. كما كان في خندق المقاومة الذي لم يغادره حتى لحظة شهادته..
الى طرابلس وأهلها وعلمائها وقادتها كان يشد الترحال دائماً.. حنين يسبقه الى أزقتها ومساجدها ودساكر الفقراء وأنين المخيمات.. وسهرات عامرة لا زال صداها يتردد مع علمائها.. محاوراً بالفكر والحجة والمنطق..
"موقع العهد الاخباري" وفي ذكرى شهادته وفي تحقيق خاص من طرابلس عاصمة الشمال اللبناني.. يعود بالذاكرة الى علاقة سيد شهداء المقاومة بهذه المنطقة وأهلها.
وفي هذه الحلقة نتحدث عن زيارات متكررة قام بها السيد الشهيد الى طرابلس وعن خطبته الشهيرة في أحد مساجدها ولقائه مؤسس التيار السلفي المرحوم الشيخ سالم الشهال.
السيد عباس .. ومساجد طرابلس
مما اشتهر به السيد عباس الموسوي، أنه كان صلة الوصل بين مختلف المذاهب الإسلامية، لا بل كان المحرك الوحدوي والأساسي لها، فلم يتمسك بالتعصّب المذهبي أو الطائفي، بل سخر حياته وجهده وكل طاقاته لإقامة حوار بين كافّة المذاهب والقوى. وبحسب ما تروي التفاصيل، أن السيد تنقل بين جميع مساجد طرابلس وكان خطيباً ومصليًّ فيها، عايش الهموم المتعلّقة بالناس في حياتهم العامّة والخاصّة وسعى الى رفع الضيم والفقر عن المعوزين.
وفيما ينقل عن السيد عباس الموسوي، تلك الخطبة التي لا يزال أبناء طرابلس يتخذون منها دافعاً وشاهداً الى نفي كل ما يشاع عن العلاقة (السيئة) بين الشيعة والسنة، حيث حرم سماحة السيد عباس الموسوي النيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله. وتطرق حينها في احد مساجد طرابلس الى كيفية تحويل القضية الفلسطينية، من قضية فئوية الى قضية عربية ومركزية لكل أبناء الجزيرة العربية.
علاقة السيد عباس بالتيار السلفي
يروي عضو تجمع العلماء المسلمين الشيخ مصطفى ملص، عن شخصية السيد عباس، وكيف "كان أبو ياسر (رحمة الله عليه) شخصية فذة متميزة بالانفتاح والحوار والمرونة، وكانت علاقته مع من عرفهم من أهل السنة والجماعة من علماء وشخصيات قائمة على الاحترام والتقدير".
يقول الشيخ ملص:"زار سماحة السيد الشمال مرات عديدة، وساهم في أنشطة عامة ولقاءات سياسية ودينية في طرابلس وفي مخيم نهر البارد حضرها جمهور واسع وحاز سماحته على إعجاب الناس ومحبتهم".
يضيف: "لقد كان لي شرف مرافقته في بعض تلك الأنشطة والزيارات لا سيما الى دارة الشيخ سعيد شعبان (رحمة الله عليه) والشيخ ابراهيم غنيم في مخيم البارد". ويذكر الشيخ ملص "أحد المواقف المميزة لسماحة السيد عباس في طرابلس، حين زار مؤسس التيار السلفي في لبنان المرحوم الشيخ سالم الشهال، في بيته في ابي سمراء. وكان الشيخ الشهال حينها، كثير الانتقاد للطائفة الشيعية عموما وحزب الله بشكل خاص، معتبراً أن لديه مآخذ عليهم، وقد تفاجأ الشيخ الشهال بتلك الزيارة. حينها جرى نقاش صريح بين الطرفين، وجرى حديث طويل بينهما استمر الى ساعات متأخرة من الليل".
وحسبما تروي التفاصيل، فقد كان حديث السيد عباس مؤثراً للغاية، عن الإسلام والجهاد ومواجهة العدو الصهيوني، يقول الشيخ ملص:"انهارت دموع الشيخ الشهال لانبهاره بحديث السيد ومدى انفتاحه، مما كوّن لديه انطباعا إيجابيا ودفع بالمرحوم الشهال الى الحد من انتقاداته المعهودة للطائفة الشيعية، لا بل توقف عنها بشكل نهائي وكلي".
مع الشيخ هاشم منقارة في أحد اللقاءات في الشمال
رجل الوحدة والحوار
ويذكر الشيخ مصطفى ملص، تلك العلاقة الجيدة التي كانت تربط سماحة السيد عباس الموسوي بتجمع العلماء المسلمين والتي كانت علاقة تعاون وتضامن، وهي التي هيأت لأرضية صلبة وبناءّة لحوار جامع بين علماء السنة والشيعة في إحدى أهم المؤسسات الدينية في لبنان والعالم العربي. ويقول الشيخ ملص:" كنّا نحن كسنّة لا نشعر بأيّ مسافةٍ مع ذلك العالم الشيعي الذي وجدناه مسلماً حقيقيّاً يعيش في كنف الدعوة إلى وحدة المسلمين وتماسكهم وترابطهم، ونحن اليوم نحفظ في قلوبنا وعقولنا ذلك النموذج الصادق للوحدة بين المسلمين التي جسّدها السيّد عبّاس الموسوي في الميدان. لقد كان رحمه الله رجل الوحدة والحوار والانفتاح، بكل ما للكلمة من معنى".
أربعون عاماً هي مسيرة السيّد والقائد، مسيرة رجل أحب وطنه ودينه، نادى بالحوار والمحبة والوحدة الإسلامية والوطنية، ولم يتخلف يوماً عن تلبية نداءات الواجب الجهادي والوطني، الى أن تحقّقت له أمنيته في السادس عشر من شباط.. ونال شرف الشهادة كما تمنى يوما حين قال : (أسأل الله أن يرزقنا الشهادة كما رزقها للشيخ راغب حرب).