ارشيف من :ترجمات ودراسات
المحافظون الجدد... هزموا في حلب، ومع هذا يجرؤون على القول بأنهم يريدون القضاء على حزب الله!
الكاتب: Jacques-Marie BOURGET
عن مجلة Afrique Asie عبر موقع Le grand soir الالكتروني
7 شباط / فبراير 2017
كان تحالف الإمبرياليين الجدد يبتهج سلفاً بضربة مزدوجة يريد توجيهها إلى سوريا بهدف القضاء على كل من بشار الأسد وحزب الله بالتوازي مع ضرب إيران. لكننا نجد الآن أن المقاومة اللبنانية تخرج أقوى مما كانت عليه بفضل الانتصار الذي تحقق في حلب. لا بد إذن من ضرب نصر الله وحزب الله بوسيلة أخرى: السلاح الصدئ المتمثل بمحكمة الجزاء الدولية وما يزعمون أنه "جرائم حرب". والتدابير جارية في هذا الاتجاه على قدم وساق.
ما يأخذ شكل العقاب في الشيخوخة ليس مجرد الصعوبة التي تمنع الشخص من رمي حذائه بعيداً، بل إنه تلك اللحظات التاريخية التي لم يسبق للشخص أن عاشها أبدا. مع ما يضاف إلى ذلك من رفاق معوّقين يصاحبونك على الطريق نحو المقبرة. على ذلك أوَلا تعني لكم جنفياف تابوي Geneviève Tabouis أي شيء ؟ ألا تعني لكم شيئاً تلك الصحافية التي قرأت خلال ثلاثين عاماً ما سجلته يومياً من أخبار على أمواج إذاعة ليكسمبورغ ؟ إنها صديقة إيليونور روزفلت (1) وجوزيف ستالين التي كانت معتادة على أن تبدأ قراءة نصها بعبارة مدوية: "هيئوا أنفسكم لأن تعلموا".
أنا لست صديق ميلانيا ترامب (2) ولا ابن عم فلاديمير بوتين. ومع هذا، فإنني أسمح لنفسي أن أوجه إليكم عبارة "هيئوا أنفسكم لأن تعلموا" الخاصة بي. هيئوا أنفسكم لأن تعلموا بأن في كواليس واشنطن، أي في تلك المعامل التي يتم فيها تصنيع الكذب، حملة كبيرة هي الآن في طور الإعداد. إنها حملة من الطراز الكبير الذي يشارك فيه الصاغة الإسرائيليون مع أصغر الصغار في جماعات ضغط المحافظين الجدد، إضافة إلى القوى الناشطة في هذه المنظمات غير الحكومية التي -إما لوفرة حظها وإما لعشقها للديمقراطية- تجد نفسها على الدوام في خدمة رغبات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أو في خدمة رغبات جورج سوروس، أي تجد نفسها في الموقع ذاته.
هيئوا أنفسكم إذن لأن تعلموا أن حزب الله سوف يتعرض بسبب السلوك المفترض لمقاتليه في سوريا، لتهمة على رؤوس الأشهاد. فبعض المنافحين عن تلك القضية "العادلة" يحلمون حتى بإنشاء محكمة جزاء دولية "خاصة" شبيهة بتلك التي كلفت بتحديد الجهة التي أرسلت رفيق الحريري إلى العالم الآخر.
لقد فهمتم على الفور، أنتم يا من تحسنون القراءة في المعارك والتفكير في الشكل الآخر، ما طموح هؤلاء المتلاعبين وما رهانهم؟ إنهم يريدون الاستمرار في خوض معركتهم الخاسرة في حلب بوسائل أخرى... بسلاح الإعلام.
صديق رصين وأخ، معتاد مع ذلك، على السحر الذي يزاوله أولئك الذين يشيرون إلى القمر، هو من أخبرني بخصوص تلك الحملة. فوجئت بذلك وآلمني أن يسقط في المصيدة ذاك الذي عرف عنه أنه المحارب من أجل جميع الحريات وهو يقول : "أجل، أجل. ميليشيات حزب الله في حلب ارتكبت كثيراً من الفظائع"... أنا الذي يكره الحروب بقدر ما يعرفها، ها إنني أجد نفسي مرة أخرى مجبراً على أن أتكلم عن المجازر وكأنها حماقات مسلية. وهي كذلك فعلاً، إذا ما وجدت الجرأة لقول ذلك. ولكن يقيني هو التالي: إذا كان تلامذة نصر الله قد ارتكبوا جرائم حرب، فإن ذلك يسري أيضاً على أفراد جيش الجمهورية العربية السورية وعلى أولئك الإنسانيين الإسلاميين الذين يتم وصفهم بـ "الثوار المعتدلين". وذلكم دون الحديث عن القتلة، محاربي جبهة النصرة، أصدقاء لوران فابيوس، وعن الهمج الداعشيين. فالحرب هي جريمة على الدوام والربط بين الكلمتين [في عبارة "جريمة حرب"] هو تكرار ممل.
هيئوا أنفسكم إذن لأن تنظروا إلى صحفنا التي لا تجد ما ينبغي قوله مجدداً عن سلوك محترفي الإجرام الجماعي الناشطين من الجهة الأخرى، من جهة "الأناس الطيبين" في أفغانستان والعراق وكوسوفو وليبيا واليمن، هيئوا أنفسكم لأن تنظروا إليها وهي تضع القيود في أيدي وأرجل المقاتلين الشيعة اللبنانيين. هيئوا أنفسكم لأن تنظروا إليها وهي تفعل ذلك في الوقت الذي يلوح فيه ترامب بعصاه المضحكة ضد إيران. فمن المهم بالنسبة له ألا يخرج عشاق الإمام الحسين أقوياء أكثر من اللزوم من بين أنقاض حلب، أي تلك الأنقاض التي كانت أيضاً قبراً لآمال حلف الناتو. فكما يعلم الجميع، وكما تؤكده للجميع قراءة عادية لصحيفة "لوموند"، فإن إسرائيل، وبغض النظر عما تمتلكه من عشرات الرؤوس النووية "مهددة لجهة بقائها في الوجود من قبل مجرمي حزب الله". لا بد إذن، وبالسرعة القصوى، من شنق هؤلاء المحاربين الشيعة الخطرين وقساة القلوب. بالسرعة القصوى وبأقصى السرعة... لكن ذلك لن يكون متيسراً لأن خبراء المصيدة المعولمة سيكونون مجبرين، في حمأة تعطشهم لتحقيق العدالة، على إدانة "جرائم حرب" أخرى : تلك التي ارتكبها كيسنجر وبوش وأولمرت وكلينتون ونتنياهو وساركوزي وأوباما قائد الطائرة بدون طيار وغيرهم من خيول السباق الديموقراطي. علينا أن نتذكر هنا عقيدة المحامي فرجيس (Vergès) (3) القائلة : "لا يمكنكم أن تدينوا باربي (Barbie) (4) دون أن تحاكموا ماسو (Massu (5)".
علينا أن نثق بالغريزة الانتحارية التي تتمتع بها الصحافة التي تنتقل من أكذوبة إلى أخرى وهي تلم ستارة السيرك الخاص بها لتصنع منها كفناً لموتها. فمنذ مغادرته لكرسي الأستاذية في الـ "كوليج دو فرانس"، أنهى بيار بورديو (6) حياته وهو يقارع نظام "وسائل إعلام الكذب". وكجراح أفكار، كان يتكلم عن سبب تصرف الصحف، وبخاصة صحف النخبة، الطبقة العليا، التي تستقوي باحتكارها لـ "العنف الرمزي" لتشكل كلاب حراسة حقيقية لما يسمونه بالـ "رأي". أنا لست مفسراً جديراً بهذه الصفة. ومع هذا، فإنني أريد اليوم -وأنا أتحدث عن أولئك الصحافيين-أن ألخص فكر عالم الاجتماع الكبير، بورديو، أن اقول بأن هنالك "طواريء" بالمعنى الذي يكتب على أبواب المستشفيات وأن مفهومي الجديد المستدرك لبورديو هو أن صحافيينا الجدد يمتلكون الصاروخ الذي لا ينقصه شيء : "احتكار الكذب المشروع".
وفي حين لم يتم إرسال أي نجم من نجوم الصحافة الحقيقية، من نوع Florence Aubenas (7) إلى حلب كي نحصل منهم على محصلة لست سنوات من الحرب، فلا بد لنا من أن نكون على ثقة بأن معامل التزوير ستترعنا بقصص مهولة مستقاة من هذين الحاضر والماضي الأسودين. ففي العام 1999، وفي أعقاب حرب كوسوفو التي حتى بـ "صفر قتلى" لجهة الطيبين، الأوادم، الذين لا يحيكون القماش المنمنم بل الأكاذيب، طلع علينا المثير للإعجاب Edwy Plenel الذي يريد ان يكون على مستوى الصحافة ما كان عليه ماركس على مستوى الرأسمال، طلع علينا بفكرة حصرية مفادها أن "عشرات الألوف من الكوسوفار كانوا سيقتلون في عمليات إبادة لولا تدخل حلف الناتو". طبعاً، طبعاً ! وما الدليل على ذلك ؟ يقول بلينيل بأنه حصل على الخطة الخاصة بتنظيم المجازر. ثم تبين أن وثيقة بلينيل لم تكن أكثر من وثيقة مزورة من قبل الاستخبارات الألمانية.
لنلخص أن بين الصحفيين الذين ينشرون وثائق مزورة والصحفيين الذي يكتشفون غاز السارين الذي لم تلحظ وجوده الأمم المتحدة، فإن الأفق الإعلامي مفتوح بشكل ملائم أمام جنود الإعلام. أولئك الجنود الذين لا يقضون وقتهم في الوحل أو في الملاجئ الاسمنتية بل على الأرائك الوثيرة في مكاتب بلدان الغرب. مكاتب يتم فيها اختراع "أخبار الغد الكبرى.
هوامش
(1) - إيليونور روزفلت : زوجة فرنكلين روزفلتالذي رئس الولايات المتحدة بين العام 1933 والعام 1945.
(2) ميلانيا ترامب : زوجة الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب.
(3) Jacques Vergès : محامٍ فرنسي اشتهر بعدائه للاستعمار ودفاعه عن حركات التحرر خصوصاً في الهند الصينية والجزائر ، اعتنق الإسلام وتزوج من المناضلة الجزائرية المعروفة جمبلة بوحيرد بعد أن دافع عنها أمام المحاكم الفرنسية. أقام في الجزائر بعد استقلالها عن فرنسا وحصل على الجنسية الجزائرية. توفي عام 2013 عن عمر 88 عاماً.
(4) كلاوس باربي : ضابط في القوات الخاصة النازية. حوكم في فرنسا وتوفي داخل سجن فرنسي عام 1991
(5) ماسو : من قادة الجيوش الفرنسية في احتلالها للهند الصينية والجزائر. شارك في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقاد انقلاباً في صفوف جيش الاحتلال الفرنسي في الزائر حيث كان من أبرز المعارضين لحق تقرير المصير في الجزائر.
(6) بيار بورديو : عالم اجتماع فرنسي. توفي عام 2002.
(7) Florence Aubenas : صحفية فرنسية عملت في صحف أساسية وأخذت رهينة من قبل نظام صدام حسين أثناء قيامها بمهمة صحافية أثناء حرب العراق الأولى.
إدوي بلينيل : صحفي فرنسي شغل منصب رئيس تحرير لومند. يدير حالياً موقع "ميديا بارت" الالكتروني ذا النزعة اليسارية.