ارشيف من :آراء وتحليلات

ليبيا... تحت المجهر الروسي والأميركي

ليبيا... تحت المجهر الروسي والأميركي

ليبيا... تحت المجهر الروسي والأميركي


 طرأت بعض التغيرات مع نھاية العام المنصرم، واسدلت على المشھد الليبي سواء من الخارج أو الداخل لتتفق كلھا على ضرورة إيجاد تسوية سياسية لحالة الإنقسام الموجودة في البلاد. منذ تحرير مدينة سرت من تنظيم "داعش" أبدت الدول الكبرى إھتماماً واسعاً بالملف الليبي خاصة دول الجوار التي تحركت بكل ثقلھا السياسي، وضاعفت من تحركاتھا الدبلوماسية في إتجاه دفع الليبيين إلى الحوار والتوافق حول نقاط الإختلاف بما يسھّل الوصول إلى تسوية للمأزق الراھن الذي أصبح يقلق المجتمع الدولي.


فھل تكون 2017 سنة المصالحة والسلام في ليبيا؟
ثمة اتجاھان:
الأول: لا يستبعد أن تسفر ھذه التحركات والاتصالات السياسية بين الفرقاء الليبيين والتغير في المواقف الداخلية عن فرص أكبر للخروج من الأزمة التي تتخبط بھا البلاد في ھذا العام الجديد. ويتوقع ھؤلاء أن تشھد سنة 2017 انفراجاً في الأزمة السياسية الليبية وكسراً للجمود الحاصل بفضل الضغوط المصرية والجھود الجزائرية والدور التونسي في التواصل بين مختلف الأطراف، فضلاً عن التعاون الروسي - الأميركي في شأن الأزمة الليبية.
الثاني: يعتبر أنه لا يمكن الوصول إلى حل في ليبيا لأسباب عدة:
ـ عدم اقتناع الغرب بأن قدرات اللواء حفتر العسكرية قوية بما يكفي لضمان الأمن في ھذا البلد.
ـ احتفاظ الميليشيات في العاصمة بترسانة من الأسلحة الثقيلة، سواء تلك الموالية للسراج أو لحفتر.
ـ تسابق قوى دولية، من بينھا روسيا وأوروبا والولايات المتحدة، من أجل جني الثمار مستقبلاً من ھذه الدولة الغنية بالنفط، وخصوصاً أن ليبيا مقبلة على إعادة إعمار ما خرّبته الحرب وشراء أسلحة بمليارات الدولارات، بعد رفع الحظر الدولي على إستيراد السلاح.
ـ حاجة ليبيا إلى جيش موحد، فلقد تعرض الجيش الليبي لخلل كبير، وھناك قسم منه إندمج مع الميليشيات الجھوية والمذھبية، وقسم آخر يعمل تحت قيادة حفتر، مصدر عسكري يقول: "إنه كلما إتخذ السراج خطوة في إتجاه المصالحة مع خصومه في الشرق، وعلى رأسھم حفتر، أبدت الميليشيات تحركاً ضد سلطة وزير دفاع السراج".
ـ التفاوض بين حفتر والسراج لم يصل الى أي نتيجة، فالسراج متمسك "باتفاق الصخيرات" والصلاحيات التي منحھا له الاتفاق الذي سيصبح جزءاً من الدستور الليبي، بما فيھا صلاحيات تتعلق بالمؤسسة العسكرية وصرف الأموال وإعلان حالة الحرب والسلم، وھي صلاحيات واسعة لا مثيل لھا في باقي دساتير النظم الرئاسية في العالم. والمشير خليفة حفتر أعلن أنه ينوي السيطرة على السلطة في أنحاء ليبيا وأنه غير مستعد للحوار مع أحد.
ولكن البارز في ھذا الحراك الدولي والإقليمي في شأن الملف الليبي دخول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب على خط الأزمة، وثمة تسريبات تفيد بما يشبه التوافق الروسي - الأميركي لجھة المشھد الليبي. وإذا كان الفريق الرئاسي الأميركي مستعداً لخوض المخاطر والاستعانة بروسيا في الحرب ضد الإرھاب، فإن التوصل للتفاھم المشترك حول ليبيا ھو الخطوة الأولى على ھذا الطريق. وقد تشھد ليبيا أول تعاون روسي - أميركي حقيقي في زمن ترامب.
فلدى إدارة ترامب خطة واضحة المعالم حيال الأوضاع في ليبيا، وتتضمن بناء مدن مصغرة بدلا عن معسكرات إيواء اللاجئين في ليبيا وفيھا من المصانع والمنشآت النفطية لكي توفر لھم فرص العمل والإنتاج. ويمكن أن يتقارب الكرملين مع الإدارة الأميركية الجديدة بمجموعة من مقترحات التھدئة للأوضاع المشتعلة في ليبيا، وبالتالي إضعاف وجود تنظيم "داعش" الإرھابي ھناك. ولن تكون الولايات المتحدة ملتزمة بفعل أي شيء أكثر من غض الطرف تماما عن الدعم الروسي للمشير حفتر الذي تروق أحاديثه وتصريحاته ترامب أكثر من أي قيادة ليبية أخرى.
واللافت هنا أن الحضور الروسي واضح على صعيد الأزمة الليبية، حيث تتردد أنباء عن تقارب عسكري روسي - ليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ھدفه الرئيسي محاربة الإرھاب الداعشي في ليبيا من جھة، وتثبيت أركان الحضور الروسي المسلح في شمال أفريقيا وساحل البحر الأبيض المتوسط من جھة ثانية.
لكن، هذا التمدد الروسي في ليبيا، أقلق الأوروبيين، فعلى الرغم من أن روسيا تلتزم بقرار الحظر المفروض على الأسلحة لمصلحة أي قوات ليبية باستثناء حكومة السراج، وبالتالي فھي غير قادرة على توفير المساعدات العسكرية الرسمية إلى المشير حفتر، ھناك تقارير تفيد بأن الكرملين قد أبرم صفقة غير رسمية لإمداد المشير حفتر بالسلاح عبر الجزائر.
 وھذا الأمر يثير مخاوف الإتحاد الأوروبي، بحيث إذا سيطر حليف مباشر للرئيس بوتين على ليبيا، فإن ذلك قد يھدد أي صفقة تتعلق بالقضية الأولى والمھمة لديھم، وھي قضية اللاجئين، التي لا تمثل أولوية لبوتين في ليبيا لكونه مھتماً أكثر بمسألة إستعادة التأثير الروسي في الجوانب السياسية والإقتصادية وبناء حضور عسكري فيھا إن إستطاع.
وإذا سمح المشير حفتر بإقامة قواعد عسكرية روسية في ليبيا، فإن قوة ونفوذ الرئيس الروسي في منطقة الشرق الأوسط سوف يتعاظمان إلى مستويات جديدة وغير مسبوقة. ومن شأن ذلك أن يمھد المجال لصدام محتمل بين الاتحاد الأوروبي من جانب، وبين الرئيسين بوتين وترامب من جانب آخر. والتنافس مفتوح بين الإتحاد الأوروبي وروسيا بشأن ليبيا وستختار ليبيا على الأرجح بوتين.
وفي التقديرات أيضا أن ترامب سيؤيد دعم روسيا للمشير حفتر في ليبيا إذا ما إقتنع بأنه سيقوم بتحرير طرابلس من الإرھابيين. ومن غير المرجح أن تمانع موسكو في إختبار الفرص المتاحة للتعاون مع الرئيس ترامب في ليبيا، فترامب، وعلى غرار بوتين، لا يعتقد بفرض الديمقراطية فرضا على دول الشرق الأوسط.


فهل تنسحب التفاهمات الروسية ـ الأميركية التي بدأت تلوح في اكثر من منطقة في العالم على الاوضاع في ليببيا ام ان المواجهة بين الجبارين ستمتد ايضا الى هذا البلد الغني بالثروات والاضطرابات؟ بانتظار ان يبلور الرئيس ترامب خياراته وأولوياته تتحدد ملامح الصراعات الدولية في افريقيا والعالم العربي .

 

2017-02-21