ارشيف من :مقاومة
علي شعيب يروي "الانتقاد" يوميات عدوان تموز (10):
فاطمة شعيب
فيما كانت المواجهات على أشدّها على جبهة مارون الراس بين المقاومة الإسلامية وقوات الاحتلال الصهيوني بعد التوغل الإسرائيلي براً، كانت بلدة بليدا تسطّر أروع صور الصمود والتحدي للإرادة الإسرائيلية الهادفة لتهجير الجنوبيين وتفريغ قراهم.. هذا ما سجّله "علي شعيب" بعدسته خلال جولته على البلدة في اليوم العاشر للعدوان.
يقول علي: "من يصدّق أن الأهالي يتجمعون أمام فرن الضيعة لصنع المناقيش؟؟ بل من يصدّق أن فرناً يفتح أبوابه في هذه الظروف القاسية؟؟ .. تجولت في البلدة التي كانت أقلّ عرضة للاعتداءات من جاراتها فوجدتها وكأنها تعيش على كوكب آخر.. هذا محلّ الخضار!! وهذه الملحمة وهؤلاء الأطفال يلهون خارجاً!! وكان ينقص وسط هذا المشهد أن أجد المدرسة فاتحة أبوابها (وطبعاً هذا لم يحصل) ولِمَ لا؟؟ قال لي مختار البلدة طالما نمتلك إرادة الصمود فلماذا لا نمارس حياتنا كالمعتاد، وعندما يبدأ القصف نغادر الطرقات إلى الأمكنة التي قد تكون أكثر أماناً، إلاّ أن ذلك غير ممكن لأننا نفتقد إلى الملاجئ فداخل المنزل كخارجه والعدو يريد مناّ أن نكون أسرى تهديداته، ونحن بطريقة حركتنا نقول له خسئت فإرادتنا فوق كل القذاف والصواريخ"..
يتوقف "علي" عن الكلام ويضحك قليلاً .. وبعد السؤال قال: "استذكرت بعد أيام من زيارتي إلى البلدة حين اتصل بي المختار أثناء تعرض بليدا لقصف عنيف.. وقال لي بأن الصهاينة قد شاهدوا تقريرك عن صمود الناس، والآن بدأوا ينتقمون بقصف البلدة.. وبينما كان يبلغني عن جرح خمسة مواطنين من البلدة جراء القصف العشوائي سقطت قذيفة بقربه فصرخ متوجعا (صرنا تماني) مشيراً إلى إصابته مع مواطنين كانا بقربه وضمهما إلى الجرحى الخمسة فضحكت بعفوية كما ضحك هو، وقلت له أين المراجل يا مختار؟؟".
يقول "علي" تكررت الضحكة هذه عندما كنت أنتظر المختار الجريح في مستشفى مرجعيون حيث أجريت للجرحى عمليات عاجلة.. كانت تلك قصة التقرير الذي بثثته في ذلك اليوم"..
غادر "علي" نقطة البثّ في مرجعيون لأخذ قسط من الراحة في منزل صديقه "نضال" في مرجعيون بعدما طلب منه عدم المكوث في الخيام التي لم تعد تصلح للسكن ولا لحركة "علي" الإعلامية بسبب الدمار الكبير الناتج عن الغارات الجوية اليومية والبقاء ضيفاً عنده حتى يرى الله أمراً في ذلك.. وفيما كان "علي" متوجهاً إلى منزل "نضال" صودف مرور آلية لقوى الأمن الداخلي فتوقف سائقها "أبو حسن" وإلى جانبه عنصر آخر وسلّما على "علي" فردّ علي السلام وسأل "ابو حسن" عن وجهته؟؟ فأجابه إلى الخيام لأوصل الخبز وبعض المواد التموينية..
يقول "علي": "لم أرَ نفسي حينها إلاّ وأنا داخل الآلية والكاميرا على كتفي.. الأمر الذي أراح "أبو حسن" الذي كان على ما يبدو بحاجة إلى أنيس في مغامرته المجهولة النتائج، وخصوصاً أن آخر غارة على الخيام كانت قبل ساعة وربع تقريباً.. وعلى أعصابنا يتابع علي.. دخلنا إلى الخيام حتى وصلنا إلى مكان لم نعد نستطع الإكمال بالسيارة فتفرقنا كلّ إلى عمله سيراً على الأقدام.. وبعد عشر دقائق من تصوير مشاهد الدمار المرعبة فاجأتنا غارة جوية ارتعدت لصوتها فرائصي.. لكني ارتحت عندما سمعت صوت الصاروخ وهو يهوي (لأن ما أعرفه من بعض المعلومات عن هذا الموضوع..) يضحك "علي" قليلاً ويتابع ( أنه إذا سمعنا صوت الصاروخ يعني أنه متجه إلى مكان آخر.. أما إذا كان متجها نحونا فبالتأكيد لن نسمع شيئا).. يضيف "علي شعيب" الذي كان مشغول البال على عنصري قوى الأمن الداخلي.. يعيش تلك اللحظات بهدوء وتماسك، ناتج عن شعوره بالمسؤولية في عمله: "لقد خسرت في تلك اللحظة وأنا أركض بين الحجارة المدمرة بعد اختفاء معالم الطريق "لوغو المنار" الذي كان في الميكروفون، فانزعجت كثيراً لأنني بحثت عنه طويلاً ولم أجده فأحسست بأني فقد هوية عدستي..
وبينما كان علي يتنقل في أزقة الخيام المدمرة عاد عنصرا "الدرك" من مهمتهما الإنسانية بإيصال الخبز لمن تبقى في الخيام وترافقا وعلي إلى مرجعيون .. وبعد التهنئة بالسلامة أخبراه كيف تدافعا ببعض عندما شنت الطائرة الصهيونية غارة أثناء وجودهما داخل البلدة..
حلّ الظلام في مرجعيون..
علي وصديقه الجديد "نضال" بعد مغادرة صديقه الأول صاحب "العكاز" المنطقة الحدودية للمعالجة.. كانا يهمّان لتحضير مائدة العشاء عندما عاند الحظ "علي".. فالشعور بقليل من الراحة يبدو ممنوعاً حتى في مرجعيون التي كانت محيّدة نوعاً ما عن الاعتداءات في تلك الفترة من الحرب.. حين بدأت القذائف تتساقط فجأةً على مرتفع في المدينة يقول علي: "القذائف لاحقتني إلى مرجعيون حيث أن المنطقة تتعرض للقصف للمرة الأولى، فحملت الكاميرا وصعدت إلى سطح المبنى الذي كنت فيه وسجلت سقوط القذائف عن قرب وبثثت رسالة على الهواء مباشرة.. كانت المرة الأولى في الحرب التي أقول فيها .. "علي شعيب .. من مدينة مرجعيون".