ارشيف من :مقاومة

"علي شعيب" يروي يوميات الحرب "للانتقاد" (11):

"علي شعيب" يروي يوميات الحرب "للانتقاد" (11):
"علي شعيب" يروي يوميات الحرب "للانتقاد" (11): الطّون.. ووليمة السمكة الحرّة


فاطمة شعيب
بدأت الأمور تأخذ منحىً أكثر صعوبة بالنسبة "لعلي شعيب" بعد انتهاء الأيام العشرة الأولى من العدوان خصوصاً مع اشتداد وعنف الغارت الجوية على الخيام وخطورة التجول بالسيارة في المنطقة الحدودية فبدأ "علي" بالبحث عن مكان يتخذه مقراً له في مدينة مرجعيون، ويكون منطلقاً لعمله اليومي، صحيح أن صديقه "نضال" الموظف في شركة كهرباء المدينة عرض على "علي" وتمنى أن يبقى معه إلا أن الأخير فضل عدم التسبب بالإحراج لصديقه لأن العدو كان قد استهدف الحجر وأعمدة الإرسال التابعة للمنار، وبالتالي فإن إسكات أي صوت للمنار هو هدف إسرائيلي..
يقول "علي شعيب" للمرة الأولى منذ انتهاء العدوان: "في تلك اللحظة صُدمتُ للوهلة الأولى لأنني لم أجد مكاناً في مرجعيون أبيت فيه، فأعزّ أصحابي تنكروا لهذه الصداقة عندما تعلّق الأمر بمنزلهم الخالي بعد أن غادروه هرباً إلى بيروت، وكانت كلّ الأعذار التي منعتني من الاستفادة ولو للمبيت ليلاً بها مجرد محاولة تهرب، إلى أن استفقت من الصدمة أو بالأحرى "الفنسة" لأنني كنت أغالي عندما أتحدث عن أصدقاء لي هنا
(عذراً لأنني قسوت بعض الشيء فقساوة تلك اللحظة كانت أشد مرارة) .. استفقت بعد ذلك على حقيقة أني مراسل المنار الأمر الذي قد يسبب الضرر لتلك المنازل فعذرتهم.. "لم يبق "لعلي" إلاّ العودة إلى منزل "نضال"، وضع أغراضه ثم توجه إلى مستشفى مرجعيون ليغطي وصول خمسة جرحى من بلدة بليدا التي كانت تتعرض للقصف، وفي الوقت نفسه كانت المواجهات تترنح قليلاً في مارون الراس بعد استشهاد عدد من المقاومين بداخلها وتكثيف الضغط العسكري الإسرائيلي عليها فيما كانت جبهة عيتا الشعب قد فتحت على أشدها وبدأت محاولات التقدم الإسرائيلية على هذا المحور، كانت هذه الأحداث مادة دسمة لتقرير علي في هذا اليوم..
لم يكن هذا كل شيءٍ في اليوم الحادي عشر للحرب فجعبة "علي شعيب" ما زالت مليئة بالأحداث: "أثناء تمركزي قرب ثكنة مرجعيون وتصوير القصف على سهل الخيام وصلت آلية للدرك إلى مكان وجودي وكانت تحمل مئات "الربطات" من الخبز فقلت لهم إني ذاهب إلى بليدا لتصوير الأضرار وفي كل الأحوال يشكل ذلك مخاطرة فأعطوني خبزاً لأوصله معي إلى هناك، وبالفعل أخذت ما يقارب الثمانين ربطة خبز، وانطلقت إلى الذين يعانون من فقدان الخبز منذ أيام، لن أكرر الحالة التي وصلت بها إلى بليدا كوني كنت أمر بالقرب من الحدود، لكني فرحت أن بليدا لا تحتاج إلى الخبز لأن أحد أفرانها ما زال يعمل، توجهت حينها إلى بلدة عيترون وقمت بزيارة العائلات المجتمعة في أماكن تحت الأرض وكم كانت الفرحة كبيرة لدى هؤلاء عندما رأوا الخبز بين أيديهم حينها شعرت بأني حققت إنجازاً، لم تكتمل فرحتي التي ترافقها أصوات المدافع والغارات الجوية التي كانت تستهدف الجهة الغربية للبلدة ومنطقة مربع الصمود في بنت جبيل لأن مشهداً قطع قلبي، امرأة تحمل طفلين وتركض باتجاهي قاطعة وسط حقلٍ وبدأت تبكي وتصرخ وأطفالها كذلك وتقول لي أرجوك خذني معك من هنا لم أعد أحتمل الخوف على مصير أطفالي، فأجبتها إلى أين آخذك؟؟ فأوصال المنطقة مقطعة ولا يوجد مكان آمن، ويوجد خطر على الطريق، وإن أصابكم مكروه سأتحمل أنا المسؤولية، عندها زادت من بكائها وجلست على الأرض وتمسكت بثيابي وكررت رجاءها، من شدة وقساوة المشهد جلست على التراب بقرب أطفالها ولم أعد أتمالك نفسي على حال هذه العائلة التي كانت تعيش في كندا وزوجها عالقٌ في بيروت لا يستطيع الوصول إليها إلى حين حضرت سيارة كانت تقلُّ راكبين في الوقت الذي لم يكن يجرؤ أحد على قيادة سيارة، ولم أعرف من أين أتت!! كلّ الذي أذكره أن الله أنجاني من مسؤولية لا أدري نتائج تحملها، ونقلت العائلة إلى جهة أجهلها.. أفرغت ما بحوزتي مما تبقى من خبز عند مختار البلدة وملأت شريط التسجيل بهذه المشاهدات وعدت أدراجي إلى مرجعيون ظهراً..".
بعد أخذ قسط من الراحة في منزل "نضال" تجول "علي" في حقل مجاور للمنزل فعثر على بعض الخضار وقرر إقامة غداء منزلي لبعض زملائه الصحافيين فاتصل بهم ودعاهم على "وليمة" "سمكة حرة"!! فتفاجأوا وقال بعضهم سمك في عزّ الحرب؟؟ من أين أتى بها؟؟..
بعد ساعة تقريباً وصل المدعوون.. يستعيد علي تلك اللحظة فيقول: "لم يكن همّ زملائي أكل السمك، إنما كان همهم معرفة كيف أتيت به، وكانت المفاجأة بل النتيجة كبيرة عندما أفصحت أن السمك ما هي إلا سبع علب من الطون الأبيض اللذيذ، وقد غطيتها بحوائج السمكة الحرّة، وقلت لهم أنا لم أكذب عليكم أوليس الطون من السمك؟؟ حينها ترافقت كلمة نعم مع هجوم بالأيدي وبما حملته أيمانهم وانهالوا عليّ لكماً إلى درجة أني لا زلت أذكر ذلك حتى اليوم". 

2009-08-04