ارشيف من :مقاومة
"علي شعيب" يروي للانتقاد يوميات الحرب (13ـ 14):
فاطمة شعيب
مع بزوغ فجر اليوم الثالث عشر للعدوان على لبنان كان "علي شعيب" يعيش صراعاً كبيراً في داخله خصوصاً بعد أن انتقل إلى حاصبيا وترك الجبهة خالية من أي مراسل، ففي الوقت الذي كان فيه يشعر بأنه تخلّى عن مسؤوليته كأحد أسلحة المواجهة الإعلامية مع العدو، كان أيضا يشعر بالارتباك: كيف سيعود والطرق مقطعة الأوصال؟؟ وأين سيبيت وكيف سيتحرك؟؟ فالسيارة أصبحت محتجزة بعد عدد من الغارات!! ولا صحفيين بعد اليوم يمكث معهم ويتجول.. وسط ذلك الجو الصاخب أدى علي صلاة الصبح ثم قرّر العودة إلى مرجعيون بعد أن حسم خياره بعدم السقوط أمام إرادة الاحتلال بإبعاد الإعلاميين، يقول "علي" في تلك اللحظة ارتديت كامل لباسي الصحفي بما فيها الخوذة والدرع، وحملت ما تيسر من عدة التصوير وأيقظت "عصام مواسي" مصور الجزيرة الذي رافقني إلى منزل صديقي وأبلغته بقراري فقال سأتوجه معك، فقلت له عليك استشارة إدارة محطتك ولن أتحمل المسؤولية، فكان ذلك، لكن الجواب جاء سلبياً"، ترافق حزن عصام على عدم الموافقة مع وداع مؤثر بين الاثنين، كان الشعور يقارب فقد الأخ لأخيه لأن علي عائد إلى مكان بات المكوث فيه أمراً قاسياً.. غادر علي المنزل في حاصبيا ونظرات عصام تلاحقه إلى أن تبعه بسيارة صاحب المنزل وأوصله إلى آخر نقطة يمكن الوصول إليها عند مدخل حاصبيا وهناك.. ترك علي المنطقة قافلاً نحو مرجعيون سيراً على الأقدام، وكان يحاول الاختباء من الطائرات بين الأشجار إلى أن وصل إلى ساحة مرجعيون، وكان من أصعب الأمور التوجه إلى بلدة الخيام لأن الطريق إليها كانت عرضة للغارات الجوية باستمرار.. لحظات تأمل قاسية قضاها "علي شعيب" في مرجعيون .. لا سيارة .. لا مكان يمكث فيه.. لا أصدقاء بعد تخليهم أو خروجهم من المنطقة.. والذهاب للالتحاق بالمقاومين غير منطقي لأن طبيعة العمل الإعلامي تقتضي التحرك الدائم الأمر الذي يشكل خطراً عليهم، يقول "علي" شعرت في تلك اللحظة بما شعر به "مسلم بن عقيل" عندما بقي وحيداً مع فارق التشبيه طبعاً.. أول مكان توجهت إليه كان منزل صديقي نضال فلم أجد أحداً، عندها توجهت إلى مقر "أمن الدولة" حيث دعاني للغداء بعض أفراد المركز فلبيت الدعوة.. وهناك شعرت ببعض الاستقرار وبدأت أعد نفسي لمرحلة جديدة من المعاناة.. توجهت عصراً إلى طريق عام مرجعيون لأصوّر القصف على سهل الخيام، لكن هذه المرة لوحدي دون وجود الصحافيين.. المنطقة بدت خالية تماماً سوى من بعض تحركات القوة الأمنية المشتركة التي كانت تتخذ من ثكنة مرجعيون القريبة مقراً لها.. التقيت بأحد عناصر مخابرات الجيش اللبناني الذي كانت تربطني به صداقة، فسأل عن أحوالي وتأثر لها، ثم اصطحبني معه إلى مقر الجيش وبت تلك الليلة هناك"..
وفي صبيحة اليوم الرابع عشر للعدوان استفاقت المنطقة على أصوات صواريخ قوية هبّ "علي شعيب" إلى الخارج وإذا بالطائرات الحربية تنفذ غارات على معتقل الخيام.. صوّر "علي" أحد الصواريخ التي أصابت مقراً للمراقبين الدوليين قرب معتقل الخيام فدمره بالكامل على من بداخله، وبعد ساعتين يقول علي "وصلت إلى مستشفى مرجعيون ثلاث جثث متفحمة تعود لمراقبين دوليين فيما بقي رابع مفقودا تحت الأنقاض، الهمجية الإسرائيلية لم توفر حتى الأجانب ودائماً بحجة الخطأ.. كان هذا اليوم عصيباً على الخيام وعلى مدخل بلدة دبين حيث كانت الغارات متلاحقة، وعلى علي شعيب العمل والتنقل دون سيارة إلى أن التقى بالمسؤول العسكري لحركة أمل في المنطقة "أبو علي" الذي كان يقطن في مرجعيون في منزل صديقه "إلياس" لوحده، وكأن الله أرسله ليكون خير أنيس لعلي ومنزله خير مستقر وسيارته خير معين.. لا ينسى علي تلك اللحظة وكأنها ساعة الفرج بالنسبة له.. وكان "أبو علي" الرفيق في كل تحركات ولحظات علي حتى بات إعلامياً هو أيضاً وشكلا مع عنصر المخابرات "محمد" فريقاً يخوض غمار تلك المرحلة بتفاصيلها ولحظاتها على مدى أربع وعشرين ساعة.. يستذكر علي عندما كان يحلق شعره وانطفأ مولّد الكهرباء فبقي علي بنصف شعر: " شعرت بأني مثل شاة لا أجرؤ على الخروج إلى الطريق فألبسني "ابو علي" قبعةً وطبعاً بعد مسلسل طويلٍ من الضحك، وأخذني إلى بلدة القليعة المجاورة ذات الغالبية المسيحية حيث كان أحد الحلاّقين ما زال يعمل.. استقبلنا الحلاّق والخوف ينتابه وعلى هذه الحال أنهى حلاقته لشعري فاستغل أبو علي وجوده وطلب من الحلاق أن يبدأ به، وهكذا كان وأثناء تخطي نصف مرحلة القصّ وكان المعجون ما زال على رقبته حتى بدأت قذائف العدو تتساقط على محيط المحل الذي نحن فيه بشكل مفاجئ فاحترقت سيارتان وأصيب منزلان وجرح ثلاثة مواطنين في لحظات، فما كان مني إلا أن فررت ركضاً بعيداً عن المكان ولحقني "ابو علي" فنظرت إليه وإذا به "كالسوبرمان" يركض خلفي وهو يرتدي مريول الحلاقة وما زال وجهه مليئاً بالمعجون، ثم توجه إلى السيارة مسرعاً فنقلني وعدنا إلى مرجعيون في حالة يكاد الضحك أن يقتلنا. توقف "علي" لحظة ثم ختم "إنها المرة الأولى التي كانت تقصف فيها بلدة القليعة.. وفهمكن كفاية".
وغداً يوم آخر..