ارشيف من :نقاط على الحروف
بعلبك –الهرمل: ’حديث’ ذو شجون
لا تسأل "بعلبك- الهرمل" عن شحوب وجهها ولا عن ارتجاف يديها ولا عن حزنها البادي على محياها. "بعلبك- الهرمل" سيدة بسمعة لا يرتضيها أهلها، سمعة عبثت بها قلة من المشاغبين الخارجين على القانون فشوهتها.
حتى سماء البقاع باتت تنوء بحمل هموم أرضها. تزمجر ريحها تارة غضباً وأخرى قهراً. تلك القلة "الشاذة" استطاعت تنميط صورة البقاعيين، أهل الكرم والضيافة والنخوة والشجاعة وتشويهها في أذهان أهل أخواتها من المناطق اللبنانية. هذا ما أثقل كاهل أرض البقاع لِتُعينَها سماؤها على حِملها.
للمنطقة أنين غير مسموع كأنما هي ناجية للتو من زلزال أبقاها حيناً من الدهر تحت الركام، ركام البطالة وفرص العمل الشحيحة، ركام الفقر والخدمات الرديئة وركام بعض التقاليد والعادات الظالمة والقاسية.
وإذا ما بحثت عن أصوات الأنين المتأتية من أنحاء المنطقة فاعلم أن ثمة أم ثكلى هنا وأب مكلوم هناك، فتاة مكسورة القلب والخاطر في تلك الناحية وأطفال أيتام في ناحية أخرى.
لا تظنن بذلك أن المنطقة في حالة حرب بل هي في خضم "مأزق" لا ينتشلها منه سوى يدين اثنتين: أولاهما يد الدولة وثانيهما يد أبنائها أنفسهم.
هل تساءلت - قبل أن تسأل البقاع- عن مقدار حزن الأم حين تكون المشكلة بين ابنيها؟ بهذا العمق حزن البقاع! التي تشهد أمام عينيها تبادل الرصاص بين بعض أبنائها الأقارب والأخوين أحياناً. وعندما تبحث عن السبب تجد أنه من أتفه الأسباب: كشجار على أفضلية المرور أو "تشفيطة" افتعلها شاب طائش، أو على شبر من حدود أرض فلان زرع شخص آخر فيه شجرة ما ونسب هذا الشبر الى أرضه. أو "معركة" أخرى قد تندلع بعد خلاف لا يعلمه الا الله.. وأولئك "الخارجين على القانون" أسبابه.
لا نتحدث هنا عن الشجارات التي تكتفي باستخدام السلاح الأبيض. رحم الله تلك الأيام التي كانت تنتهي فيها المشاكل "بكف ولبطة" وكيل بعض الشتائم.
يحدث اليوم أن تكون "المعركة" التي يُلعلِعُ فيها صوت الرصاص -المروع للناس- ناشبة عن خلاف على دَين كسر ظهر مَدينِه وهو لا يزال "يُنَقِّبُ" عن عمل ليل نهار يمكنه من رد المال لصاحبه.
في هذه الحالة على سبيل الاستثناء لا يمكن أن تقول لأحد أطراف النزاع أنه على حق. بل هكذا تكون النتيجة عندما يكون الفقر قد أكل من بعلبك-الهرمل ما أكل.
للمنطقة أنين كأنما هي ناجية للتو من زلزال أبقاها حيناً من الدهر تحت الركام
وفي جهة البحث عن النتائج لا تكتفي المعارك بأن يكون الضحايا من أطراف النزاع. تجد أحياناً أن الضحية هي أحد المارة الذي عبست الحياة بوجهه فأشارت للرصاصة أن تختاره دون سواه.
هكذا يموت أبناء بعلبك الهرمل وفي قلوبهم حسرة وصال الدولة لمنطقتهم.
دمعة واحدة من أم نهش قلبَها الحنينُ الى ابنها الشاب البريء المقتول في عملية ثأر عمياء، دمعة واحدة فقط كفيلة بشرح وضع المنطقة المتدهور أمنياً. وسط تراخٍ تتحمل مسؤوليته الدولة "الظالمة للأطراف" على حد تعبير وزير الصناعة حسين الحاج حسن.
مضطرة هذه الأم أن تتجرع المرارة مرارتين: مرارة فقد ولدها ومرارة تأخر الدولة في الاقتصاص من القاتل.
هذا الجانب السوداوي الصغير باتساعه، الثقيل بنتائجه، ليس هو الجانب الوحيد في حياة البقاعيين طيبي الأصل والطينة.
ففي البقاع أيضاً أم ثكلى أخرى هي أم الشهيد المجاهد الذي خرج مدافعاً عن قداسة أرضه وعرضه. وفيها الأم التي تودع صباح كل يوم ابنها الطالب الطموح الذي عليه يومياً السفر من أقصى المنطقة إلى أقصاها من أجل العلم وفي طريقه عقبة التنقل وتكلفته.
في "بعلبك-الهرمل" من يضع الأحذية لتلتهمها نار المدفأة كبديل عن المحروقات المرتفعة الأسعار. في "بعلبك-الهرمل" المواطن الصبور المضحي من أجل قوت عياله.
لا تزال "بعلبك-الهرمل" متسامحة معطاء وهذا ما تثبته المصالحات التي يجريها حزب الله وحركة أمل بين العائلات كمبادرة تحاول التعويض عن غياب الدولة وحصر المشكلات قبل أن تتطور ومن ثم حصر المسؤولية بالفاعل وتسليمه لنيل العقاب.
هاتان الصورتان المتناقضتان عن المنطقة تقولان كأنما "يستشم أن يكون هناك مؤامرة على منطقة البقاع مدروسة في غرف سوداء مظلمة للايقاع بهذه المنطقة المعطاء التي سبقت كل المناطق في مواجهة كل ظلم في لبنان".. هذا ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في حديثه لفعاليات المنطقة قبل أشهر قليلة.. وسماحته كان يدعوهم الى تجديد مواثيق العيش.. العيش الطيب والى رفض لغة الثأر والقتل جذافاً.
نعم.. استمعنا قبل أيام عبر قناة المنار (حلقة يوم الجمعة الماضي من برنامج حديث الساعة.. تناولت قضايا منطقة بعلبك واستضافت شخصيات سياسية واجتماعية وفعاليات من المنطقة) الى بعض صرخات أهل المنطقة وأسئلتهم دائماً: متى ستحضر الدولة بشكل حقيقي؟ متى سنشهد خططاً أمنيه تبسط الهدوء على كافة المنطقة؟ متى ستضع الحكومة سياسة كاملة للمنطقة؟ متى ستحظى بعلبك-الهرمل بحقوقها في الإنماء والتنمية؟
هذا حديث منطقة "بعلبك-الهرمل" ذو الشجون.