ارشيف من :آراء وتحليلات

هل ستكون لوبن... ترامب آخر لفرنسا؟

هل ستكون لوبن... ترامب آخر لفرنسا؟

هل ستكون لوبن... ترامب آخر لفرنسا؟

كل التوقعات مبررة و"مشروعة" في الانتخابات الفرنسية الرئاسية، وكل شيء صار ممكن الحدوث بعد وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض الأميركي،  فما كان صعباً ومستحيلاً من قبل صار اليوم محتملاً وممكناً في فرنسا، وصار وصول رئيسة "الجبھة الوطنية" اليمينية المتطرفة مارين لوبن الى قصر الإليزيه على لائحة الاحتمالات الرئاسية  .
فالعالم  يتغير وكذلك تشدد بعض الأوساط الشعبية إزاء الإسلام والھجرة، ذلك أن علاقة بعض الفرنسيين بالإسلام أفقدتھم التوازن تجاه الجمھور المتشدد. حتى أن آلان جوبيه المرشح الخاسر الثاني في انتخابات الحزب الجمھوري، وھو من الشخصيات السياسية التي تتميز بالاعتدال والتوازن ومعرفة العالم العربي والإسلامي وتعددية الطوائف الفرنسية، استھدف بحملة لقبته بـ"علي جوبيه" لإبعاد الناخبين عنه، كأن الاعتدال إزاء الإسلام خطيئة. ھذه الظاھرة تتزايد وربما توصل مارين لوبن إلى الرئاسة، على غرار ما حدث مع ترامب في الولايات المتحدة.
في فرنسا بشكل خاص تبرز الھواجس الأمنية إثر موجة الھجمات الإرھابية في باريس ونيس ومدن أخرى، ولا يقف الھاجس الأمني عند حدود العمليات الإرھابية، وإنما يتعداھا الى "أمن الضواحي" بعدما أطلّت برأسھا موجة جديدة من التظاھرات الاحتجاجية في ضواحي باريس مصحوبة بأحداث وأعمال عنف وشغب، وھو ما أدى الى أن تصبح قضايا الأمن والضواحي في واجھة الحملة الانتخابية الرئاسية، فالمرشحة لوبن تدافع عن رجال الشرطة لأنھم يدافعون عن أنفسھم، والمرشح فيون حمّل الحكومة المسؤولية لأن عليھا أن تمنع التظاھرات في ظل حالة الطوارئ، وأما الرئيس ھولاند فإنه فضل أن يزور في المستشفى أحد الجرحى من المتظاھرين الذين ضربھم رجال الشرطة.
لوبن أطلقت رسميا حملتھا الانتخابية التي تضمنت شعارات عدة أوصلت دونالد ترامب الى البيت الأبيض. ووعدت بأن تعتمد سياسة "فرنسا أولا" في حال فوزھا بالرئاسة. وھاجمت لوبن في خطاب ألقته خلال مھرجان انتخابي في ليون، سياسة "الھجرة الكثيفة" والعولمة و"التطرف الإسلامي"، قائلة إنھا تريد أن تجعل فرنسا بلدا "لا يدين بشيء لأحد". وأضافت أمام نحو ثلاثة آلاف شخص "لقد فھمتھم، والأحداث الأخيرة قدمت الدليل القاطع ضد يمين المال ويسار المال، وأنا مرشحة فرنسا الشعب". وتابعت:"بعد عقود من الأخطاء والجبن والتسيّب وصلنا الى مفترق طرق". وأشادت ببريطانيا لأنھا اختارت الخروج من الاتحاد الأوروبي وحضت الفرنسيين على اعتماد نموذج ناخبي ترامب الذين "يريدون أن يضعوا مصالحھم الوطنية أولا".

هل ستكون لوبن... ترامب آخر لفرنسا؟
أحد أھداف زيارة لوبن الى بيروت ھو تأمين تأييد أصوات الفرنسيين من أصل لبناني


وضمن سياق حملتها الانتخابية قامت لوبن مؤخرا بزيارة لبنان رغم ارتفاع أصوات معترضة على زيارة رئيسة "الجبھة الوطنية" الفرنسية الى لبنان، ومنددة بھذه الزيارة وداعية المسؤولين اللبنانيين الى مقاطعة لوبن بسبب مواقفھا المؤيدة "لإسرائيل"، إضافة الى سياستھا العنصرية ضد العرب والمسلمين.
زيارة المرشحة الرئاسية الفرنسية رئيسة الجبھة الوطنية مارين لوبن إلى لبنان، وجولتھا على المسؤولين اللبنانيين جميعاً والمرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية، تدل على عقلية الفرنسيين الذين يدعمون الدولة اللبنانية، وھذا يعني أن أي مرشح فرنسي يعلم التركيبة اللبنانية وحساسيتھا، وأن لبنان ما زال في الوجدان الفرنسي، وأن العلاقات الفرنسية - اللبنانية لا تتأثر بھوية سيد الإليزيه، فلبنان يُعتبر محطة مھمة لمرشحي الرئاسة الفرنسية:
 أولا: حيال موقع لبنان بوابة الى الشرق.
 وثانياً: باعتباره موقعا للمسيحيين المشرقيين.
 وثالثاً: لوجود نحو 20 ألف ناخب فرنسي يقترعون في الانتخابات المقبلة.
وأخيراً لأن ملفي اللاجئين الشرق أوسطيين والإرھاب أضحيا بين الاھتمامات الفرنسية وضمن البرامج الانتخابية، نظراً الى تأثيرھما على الوضع الداخلي الفرنسي.
أوساط سياسية قالت في شأن زيارة لوبن إن أحد أھداف الزيارة ھو تأمين تأييد أصوات الفرنسيين من أصل لبناني، حيث إن حجم ھذه الكتلة مؤثر خصوصا أن نسبة فوز المرشحين تصل الى نقطة، أي أن أي صوت مھم في تلك المعركة.
وزيارات المرشحين للرئاسة الفرنسية إلى لبنان متتالية. سبقھا إليه مانويل ماكرون، وكان متوقعاً أن يزور فرنسوا فيون بيروت لكنه اضطر الى إلغاء الزيارة بسبب قضية "بنيلوب غيت" (عمل زوجته بنيلوب المشكوك به كمعاونة له في البرلمان وتقاضيھا أجوراً بلغت 800 ألف يورو لمدة 8 سنوات).
وتعد لوبن نجم الانتخابات الرئاسية الفرنسية بعد تقدمھا في الاستطلاعات بالتوازي مع صعود اليمين المتطرف، بحيث بات فوزھا بالجولة الأولى مؤكداً، على أن تكون جولة الحسم مطلع أيار بمثابة استفتاء للشعب الفرنسي حول البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، لأن برنامج مرشحة اليمين المتطرف يشمل الخروج من اليورو والعودة الى الفرنك الفرنسي.
فكل استطلاعات الرأي تؤكد حتى الآن أن لوبن ستفوز في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية في فرنسا والتي ستجري على دورتين الأولى في شھر نيسان والثانية في شھر أيار، ويتأھل للدورة الثانية المرشحان اللذان يحصلان على أكبر عدد من الأصوات، أي الأول والثاني، وستحل في المرتبة الأولى متقدمة على سائر المرشحين، وتحديدا مرشحي اليمين الوسط والحزب الاشتراكي، أما في الدورة الثانية، فإن معركة لوبن ومھمتھا بالفوز ستكون أصعب، إذ ستتكتل في وجھھا كل القوى والأحزاب من اليمين واليسار لمنع وصولھا الى الإليزيه، ولمنع حصول الانقلاب في فرنسا بطرق سياسية وديمقراطية، ومع ذلك يبقى ھناك متسع للمفاجآت بما فيھا مفاجأة فوز لوبن.
ھذه المفاجأة تستبعدھا مراكز الاستطلاع، ولكن بعد إخفاق الاستطلاعات في بريطانيا، التوقعات كانت في مصلحة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وليس الخروج منه، وفي الولايات المتحدة، التوقعات كانت لمصلحة انتخاب ھيلاري كلينتون وليس ترامب، فإنه لم يعد الاحتكام والركون الى نتائج وأرقام الاستطلاعات أمرا كافيا ومضمونا.

هل ستكون لوبن... ترامب آخر لفرنسا؟
قلق في الأوساط الاقتصادية في فرنسا وخارجھا من احتمال فوز لوبن بالرئاسة


ويبقى السؤال: ماذا لو وصلت لوبن الى قصر الإليزيه وصارت رئيسة لفرنسا؟
تستفيد مارين لوبن من ثلاثة عوامل أساسية من شأنھا أن تحسّن في وضعھا الانتخابي والشعبي وفي فرصھا للفوز، وھي:
1-    ضعف الحزب الاشتراكي الذي وصلت شعبيته الى أدنى مستوى، ما اضطر الرئيس فرنسوا ھولاند الى عدم الترشح لولاية ثانية، وھذه أول مرة في فرنسا يحدث أن رئيس الجمھورية لا يترشح لولاية ثانية، وحتى رئيس الحكومة مانويل فالس الذي أفسح له ھولاند المجال ليترشح بدلا منه، أخفق في الحصول على دعم وتأييد الحزب الاشتراكي وسقط في الانتخابات التمھيدية ليفوز فيھا إيمانويل ماكرون الذي لم يكن على لائحة التوقعات.
2- الاھتزاز العنيف في وضعية مرشح اليمين الوسط فرنسوا فيون بسبب الفضيحة التي أثيرت في وجھه، وھي فضيحة تشغيل زوجته وأولاده كمساعدين برلمانيين له قبل سنوات مقابل رواتب مرتفعة ناھزت المليون يورو، ولكن مقابل أعمال وھمية.
 فيون كان انطلق بقوة في معركته الانتخابية بعدما نجح في إقصاء منافسين قويين له: نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق، وآلان جوبيه وزير الخارجية السابق، ولكن بعد الفضيحة تدھور وضع فيون الذي لم ينجح في إقناع الرأي العام ببراءته، وأصبح 70 % من الفرنسيين يريدون منه أن ينسحب من السباق الرئاسي، وارتفعت أصوات داخل اليمين تطالب فيون بالتنحي بعدما أصبح في المرتبة الثالثة وفرصه بالفوز صارت ضعيفة جدا، ولكن فيون ما زال يعتبر أن برنامجه الانتخابي ھو الوحيد الذي يستطيع إنقاذ فرنسا، وأنه يتعرض لحملة شعواء وافتراء.
3 - ارتفاع شعبية اليمين المتطرف في فرنسا ودول أوروبية عدة، بسبب التحولات العميقة التي تشھدھا والتحديات الكبيرة التي تواجھھا وتتصل بمسائل الھجرة واللجوء والأمن والإرھاب والبطالة، إضافة الى التصدعات التي أصابت الاتحاد الأوروبي واشتداد النزعات القومية والشعبوية.
مارين لوبن مستمرة في الترويج للالتزامات الـ 144 التي تشكل أساس برنامجھا الانتخابي، ومنھا الخروج من الاتحاد الأوروبي والعودة إلى العملة الوطنية، ومحاربة الھجرة الشرعية وغير الشرعية، والتشدد مع التنظيمات الراديكالية، واستعادة "السيادات الأربع" من الاتحاد الأوروبي.
 وقبل 70 يوما من الاستحقاق الرئاسي، بدأ القلق يدب في الأوساط الاقتصادية والمالية في فرنسا وخارجھا من احتمال فوز مارين لوبن بالرئاسة، ومصدر القلق مزدوج: الخروج من الاتحاد على طريقة "البركسيت" البريطانية والتخلي عن اليورو، وفي الحالة الأولى، فإن البناء الأوروبي بكامله سيتداعى باعتبار أن فرنسا، مع ألمانيا، تعد أحد الأعمدة الرئيسية للاتحاد، وبالتالي فإن انسحاب باريس منه سيؤثر على دول أخرى تعرف ھي الأخرى استحقاقات انتخابية ھذا العام.
 أما بشأن اليورو، فمن المؤكد أن تخلي فرنسا عنه سيعني إحداث زلزال اقتصادي ومالي لن يقوى معه اليورو على البقاء، هذا القلق بدأ يخيم على الأوساط المالية التي أخذت تقوم بدراسات لمعرفة تأثيرات خطوة كھذه على مستقبل اليورو، ولكن خصوصا على مستقبل الاقتصاد الفرنسي، لذا نجد في النهاية أن الحذر بات سيد الموقف في فرنسا وأوروبا تخوفا من "مفاجآت" لم تعد مستبعدة تماما.

 

2017-02-28