ارشيف من :آراء وتحليلات
العلاقات المصرية الايرانية...السهل الممتنع!
العلاقات المصرية الإيرانية، تلك الأمنية التي تتمناها جماهير المقاومة والتي من فرط أهميتها أصبحت خطاً من الخطوط الحمراء الدولية لما لها من نتائج وتداعيات تغيّر مجريات التوازن الإقليمي ولا نبالغ إن قلنا الدولي.
والمقصود هنا بالعلاقات هي العلاقات المصرية مع النظام الثوري الإيراني، فقد كانت هناك علاقات وثيقة مع نظام الشاه لم ينتج عنها الا التفريط وخدمة مصالح الغرب والكيان الصهيوني.
بالطبع قمة ما يبتغيه المقاوم أن يرى علاقات وثيقة بين نظام مقاوم وثوري في مصر مثل نظام ثورة يوليو بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر ونظام ثوري إيراني. الا أن المفارقات المحزنة لم تجمع بين الثوريين هنا وهناك، فقد وجد نظام ايراني يعادي مصر الثورة وعندما قامت الثورة الايرانية وجدت نظاما مصريا معاديا لثوريتها!
الا أن مصر بحكم موقعها وبصرف النظر عن نظامها فإن مجرد وجود علاقات بينها وبين ايران الثورة هو أمر خطير جداً على الرجعية العربية ومصالح الغرب والاميركيين والصهاينة.
لا نعتقد إننا نركب متن الشطط عندما نستنتج ان هناك "فيتو" أميركيا صهيونيا على هذه العلاقات وأن هناك مؤامرات واستراتيجيات أُحكمت للحيلولة دون وجود مجرد تقارب!
من الملموس ان عمليات التفريق بين البلدين قامت على أعمدة رئيسية يمكن ان نرصد منها ما يلي:
مجرد وجود علاقات بين مصر وايران هو أمر خطير جداً على الرجعية العربية
أولاً: التفريق الوجداني باستغلال التكفير والثقافة الوهابية التي كفرت الشيعة وبالتزامن مع دمج السياسة بالدين روجّت الدعاية أن إيران "دولة مذهبية شيعية طائفية" لتصبح المحصلة لدى الجماهير أن "ايران كافرة" والهدف هو قطع الطريق على أي تعاطف جماهيري معها.
وبلا شك أصبحت هذه الفزاعة التكفيرية تلاحق كل من يناصر وجود علاقات، حتى مجرد طبيعية مع دولة رئيسية بالإقليم، ولو بدوافع برجماتية.
ثانياً: اختلاق عداء مصالح، عبر استخدام ورقة "القومية العربية" كحق يراد به باطل، وذلك بتشويه القومية عبر الترويج لها بأنها عرقية عربية لا فكرة وحدوية منفتحة على التنوع وتحريف أهدافها النبيلة باعتبارها تكتلا في مواجهة الهيمنة وتحويلها الى عنصرية تخدم أهداف الهيمنة وتضطهد أبناءها ممن لهم مذاهب أو أفكار مخالفة للشكل العنصري المزيف للقومية.
والهدف بالطبع هو زرع عداء قومي مفتعل بين "قومية عربية" و"قومية فارسية" لوضع بعد مضاف وجيه للعداء والتفريق.
بلا شك أن الأوقح من ذلك هو ما ذهب إليه السعوديون عندما صدرت فتاوى مثل "عدم جواز الدعاء لحزب الله" في اطار الصراع والحرب مع العدو الصهيوني باعتباره "حزباً كافراً". ولم يفت الفتاوى وشروحها أن الاميريكيين والصهاينة أهل كتاب، باعتبارهم لم يكفروا أهل الكتاب واعتماداً على الذاكرة المفقودة للجماهير!
ولا شك أن بعض الدعاوى لا تقل وقاحة عن هذه الفتاوى مثل وجود اطروحات بعثية عراقية متطرفة تحت عنوان أن الصراع مع ايران "صراع وجود لا حدود"، على غرار التعبير الشهير الذي استخدمه الزعيم عبد الناصر وصفا للصراع مع الصهاينة.
ثالثاً: اختلاق نظريات لقيطة ومتهافتة للأمن القومي العربي تحذر من "المطامع الاستعمارية التوسعية الفارسية" وخطورة إيران على الأمن القومي العربي، والتمادي في تجزئة نظرية الأمن بتضخيم عناوين مثل "أمن الخليج" وكأن الوطن العربي الكبير قد اختزل في أمن دول الخليج، وهو ليس مستغرباً بعد سيطرتها بالمال على المنظمات العربية مثل جامعة الدول العربية حتى أصبحت مرادفاً لمجلس التعاون الخليجي!
رابعاً: الدعاية المكثفة وشراء الأقلام والصحف والفضائيات للترويج لهذه الفزاعات الدينية والقومية والأمنية.
المحصلة أن هذا الاستهداف للعلاقات وقطع الطريق عليها اخترق بعض النخب من غير التكفيريين أو المرتزقة وأصاب الكثيرين بارتباك وغابت الموضوعية كضحية لهذا التكثيف.
العلاقات المصرية الايرانية هي ضحية أيضاً لغياب الرصانة في التعامل معها سواء من بعض الأطراف المناصرة لها أو من بعض الأطراف الرافضة والمعادية.
فلنكن صريحين ومنصفين عندما نقول إن بعض الجماهير المقاومة أساءت ولو بغير قصد لفرص التقارب ووفرّت بعض الذرائع لأعداء العلاقة، حيث صورت بعض الجماعات وبعض الاقلام أن انتماءاتها ليست لأقطارها وأنها تتلقى أوامرها (وهو غير حقيقي) من طهران، وفيما نتصور أنه اصبح عبئاً على إيران وأنها غير سعيدة بهذا.
كما تصور البعض واقتنع فروّج مناخاً مفاده أنه بمجرد عودة العلاقات المصرية الايرانية ستنخرط مصر في محور المقاومة وسينشب صراع فوري وتعلن الحرب مباشرة على الصهاينة مما أزعج بعض السياسيين وحتى الجماهير التي لا تتصور حرباً وسط ظروف اقتصادية غاية في التدهور، وهو يوفر ايضاً ذرائع للمتملصين من إقامة العلاقات.
من زياراتنا لايران نكاد نجزم بأن المتنفذين هناك يتعاملون مع مصر بغاية الحساسية والحرص وأن الهدف الرئيسي لديهم هو علاقات طبيعية وأن الهدف ليس تنظيماً معيناً أو اسماً بعينه وإنما الدولة والكيان المصري، وهو ما يفسر انفتاح إيران على التقارب منذ عهد الرئيس السابق مبارك مروراً بالاخوان ووصولاً للنظام الحالي.
وما نجزم به أيضا في مصر من خلال مراصد متعددة أن الورقة الطائفية أو الصراع القومي (العربي – الفارسي) المفتعل ليس هو الحائل بين عودة العلاقات، ولكن هناك تخوفات حقيقية لدى بعض الشرفاء من أنصار عودة العلاقات من تناقضات فرعية قد تظهر لا تتجاوز نطاق التحفظ الى نطاق الرفض ولا تتعدى نطاق التنافس الإقليمي الى نطاق الصراع.
ما الذي يمنع عودة العلاقات إذن ولا سيما أن المشتركات بل وضرورات المصالح والمصير أكبر كثيراً من عناصر الخلافات؟
لم نرَ تدخلات ايرانية ضارة كما أضرت بمصر تدخلات الاتراك والقطريين بشكل معلن والسعوديين بشكل مستتر وإن كان مفضوحاً.
لم نرَ إيران منبراً لأعداء النظام ولم نرها حتى وصفت ما حدث بمصر على أنه انقلاب كما تصفه بعض الدول والتي لا توجد محاذير وفزاعات وقيود على المصالحة معها!
الغريب أن البعض استخدم عودة العلاقات كمناورات أو ما يشبه "كيد النساء" او كمحاولات ابتزاز، ثم نراهم يعودون سريعاً الى قواعدهم بعد انقضاء الغرض.
شعبياً ليس هناك اي محاذير برغم تأثرات بعض القطاعات بالدعايات الوهابية الا أن الجماهير المصرية ليست طائفية أو عنصرية وفي وجدانها عدو واحد هو العدو الصهيوني ولا يكاد يخلو بيت مصري من وجود أسير أو شهيد او مصاب او محارب في قائمة الاقارب والمعارف.
إن محاولات شراء المصريين لم تفلح كما لم تفلح محاولات عقابهم.
وإن عودة العلاقات في حد ذاتها ضربة لمصالح الاستعمار، ناهيك عن تطويرها الى تنسيق وتحالف وردع للصهاينة الذين ينتهكون حرمات المصريين في سيناء ونظرائهم وزملائهم من التكفيريين.
إن تجاوز الفيتو الأميركي على هذه العلاقات هو تجاوز للأزمة المصرية. ولو كانت حسابات مصر تصب في أن حمايتها ستكون على يد أعدائها فهي حسابات تقود للانتحار.
ونحن نلمس تقارباً وتصالحاً مع الاتراك فنحن نرفضه مع اردوغان ولكن لا بأس من اي تصالح اقليمي والخط الاحمر الوحيد هو العدو الصهيوني.
ولكن الأولى هو التصالح مع ايران لأن المعنى المباشر لمجرد وجوده وتدشينه هو أن القرار أصبح مستقلاً وكفى بهذا بداية لتجاوز المحنة المصرية.
*كاتب عربي من مصر