ارشيف من :آراء وتحليلات

العقيدة العسكرية الروسية والمعركة السورية

العقيدة العسكرية الروسية والمعركة السورية

العقيدة العسكرية الروسية والمعركة السورية

تقوم العقيدة العسكرية الروسية الجديدة التي تم تبنيها في 2015 على عدة مبادئ أهمها:
السلاح النووي
 أ ـ ان السلاح النووي هو المحور الأساسي للاستراتيجية الروسية بمجملها. وتخضع لهذا المبدأ كل سياسة الدولة والدبلوماسية الخارجية، والسياسة الداخلية، والاقتصاد الوطني، وبالاخص المجمّع الصناعي الحربي، وجميع القوات المسلحة البحرية والبرية والجوية والفضائية، الدفاعية والهجومية، والعلوم الاختبارية، والتنظيم الاهلي والمُدُني، والثقافة البسيكولوجية المجتمعية.
الضربة الأولى... روسية!
ب ـ ان روسيا، شعبا ودولة وجيشا، لن ترتكب مرة اخرى الخطيئة التي ارتكبت في الحرب الوطنية العظمى خلال الحرب العالمية الثانية، وهي انتظار تلقي الضربة الاولى من قبل المعتدي الخارجي كائنا من يكون.
ج ـ ان روسيا لن تكون معتدية على اي دولة او شعب آخرين. ولكنها ستكون جاهزة جهوزية تامة لتوجيه الضربة الاولى للعدو ـ المعتدي الشمولي، المؤكد، بعد التأكد علميا وعمليا من فعل العدوان الموجه اليها، ولسحق المعتدي الشمولي قبل تنفيذ عدوانه.
د ـ ان الضربة الروسية الاولى للعدو ـ المعتدي الشمولي ستكون حتما ضربة نووية، تمحو هذا العدو من الوجود. ولذلك فهي ستكون الضربة الاولى والاخيرة.

العقيدة العسكرية الروسية والمعركة السورية


التحرش الداعشي ـ التركي ــ الاميركي في سوريا
وفي كانون الثاني 2014 دخل تطور جديد وخطير على "الثورة الملونة" الموالية لاميركا والمسماة "الربيع العربي". إذ أعلن عن تجاوز شرعية دول سايكس ـ بيكو وقيام "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش)، وبويع أحد رجال العصابات التكفيرية الملطخة يديه بالدماء والمسمى "ابو بكر البغدادي" بأنه "خليفة المسلمين" في القرن الواحد والعشرين. وسيطر هذا التنظيم فورا على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، واتخذ مدينة الرقة عاصمة له، وسيطر على منابع النفط في تلك المنطقة وشرع في نهبها وبيع النفط بثمن بخس الى تركيا. وهو ما أمّن تمويلا ذاتيا ضخما للتنظيم، وارباحا اضخم للدولة المافياوية التركية. ونتيجة ذلك انخفض سعر برميل النفط الخام الى ما دون الـ40 دولارا مما كان له اثر سلبي كبير على مجمل الاقتصاد والميزانية الروسيتين.
مشروع دولة نازية جديدة
وفي حزيران 2014 سيطرت داعش بشكل خاطف على مدينة ومنطقة الموصل العراقية، وفتحت الحدود التركية مع سوريا والعراق (بطول اكثر من 1150كلم) على مصاريعها، واتصلت (اراضي داعش) في سوريا والعراق ببعضها، ودخل (اراضي داعش) جيش يتألف من عشرات آلاف المقاتلين الداعشيين من مختلف بلدان العالم ولا سيما من الجمهوريات السوفياتية السابقة وبالاخص من مسلمي روسيا الاتحادية، كما دخل الجيش التركي ذاته، بدون اي اتفاق مع الحكومتين العراقية والسورية، بل رغما عنهما. وظهر ان الدواعش يملكون عشرات آلاف السيارات المسلحة والمصفحة رباعية الدفع لاختراق الصحارى الواسعة، والدبابات والمدفعية والصواريخ متوسطة المدى وغيرها من الاسلحة الميدانية التي تمكنها من التغلب على أي قوة تقف بوجهها (باستثناء الطائرات، التي "لم يكن قد حان وقتها بعد!"). وبدأ الدواعش وحلفاؤهم من التنظيمات الارهابية الاخرى حملة واسعة من الهجمات والتفجيرات الارهابية في كافة الاراضي السورية والعراقية، وفي بيروت ولبنان ايضاً. وظهر وكأن سقوط بغداد ودمشق وطرابلس مسألة وقت قصير فقط. وبدأ الارهابيون يطالبون علنا بطرد القاعدة البحرية الروسية في طرطوس.  

العقيدة العسكرية الروسية والمعركة السورية


وفي هذه الاثناء بدأ توزيع الادوار بين اميركا وحلفائها في المنطقة. وأبرز ما جرى في هذا النطاق هو:
التحالف الدولي لحماية ودعم داعش
أ ـ الاعلان عن تشكيل التحالف الدولي بزعامة اميركا لـ"مكافحة الارهاب". وبدون الحصول على اي قرار شرعي دولي، ولا على موافقة الدولتين السورية والعراقية، اصبحت الطائرات الاميركية و"التحالفية" تغطي الاجواء السورية والعراقية، لعرقلة وشل حركة الطيران لهاتين الدولتين، ولتحذير الارهابيين الدواعش وغيرهم من اي خطر يتهددهم من الجو او على الارض. وتحت الشعارات "الانسانوية ــ السلموية" و"الدمقراطية" و"ضد الدكتاتورية" و"ضد التدخل الايراني"، كانت الطائرات الحربية الاميركية والناتوية تلقي المفرقعات التضليلية وقنابل الدخان الكثيف، ولا سيما في الليل، وتحت هذا الغطاء تهبط طائرات النقل الهليكوبترية العملاقة وتفرغ شحناتها من الدبابات والمدفعية الثقيلة وناقلات الجند والذخائر والمؤن والاسلحة الكيماوية وآلاف جديدة من المرتزقة الارهابيين من كل الجنسيات والمستشارين والاختصاصيين العسكريين والجواسيس الاميركيين، وتنقل الجرحى والمرضى الدواعش الى تركيا و"اسرائيل". وكان القادة السياسيون والعسكريون الاميركيون يعلنون ان القضاء على "داعش" يحتاج الى سنوات (!!!).


اضعاف الجيش اللبناني
ب ـ بالرغم من الزيارة الناجحة الى ايران التي قام بها وزير الدفاع اللبناني في وزارة تمام سلام السابقة، قبل انتخاب ميشال عون رئيسا جديدا للجمهورية، تم الى الآن الامتناع عن قبول تنفيذ تسليح ايران للجيش اللبناني لمواجهة خطر العدوان الاسرائيلي والعمليات الارهابية. وفي الوقت ذاته تم أيضا إيقاف الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني. والسبب كما اصبح واضحا هو ان الجيش اللبناني ينسق مع المقاومة بقيادة حزب الله ضد خطر العدوان الاسرائيلي والمنظمات الإرهابية. في حين أن المطلوب من الجيش اللبناني ان يفعل العكس، اي ان ينسق مع أميركا و"اسرائيل" وتركيا والسعودية وقطر لضرب المقاومة واعطاء منفذ بحري على الساحل اللبناني لدولة داعش، وان يرضى بقيام داعش بحل مشكلة العسكريين اللبنانيين لديها بذبحهم شرعا وتسليم جثثهم الى الشيخ سعد الحريري لتسليمها الى ذويهم ودفنها حسب الاصول الدينية المرعية، بالاضافة الى مراسم التكريم العسكرية التقليدية.


غيروا التكتيك
والان، بعد ان فشل تماما سيناريو "الخلافة الداعشية"، بفضل التدخل العسكري والدبلوماسي الروسي، والمواقف الشعبية المعارضة في سوريا والعراق والمعارك البطولية للجيش الوطني والمقاومة الشعبية المسلحة في كل من العراق وسوريا ولبنان، تستغل الدوائر الاميركية المختصة التغيير الذي جرى في اميركا بانتخاب الرئيس الجديد دونالد ترامب وبهلوانياته، من اجل نفض اليد من اسم داعش، واجراء تغيير في الاسماء وبعض فصول المسرحية. ويتم الان فصل العناصر الارهابية الداعشية المحلية عن العناصر الاجنبية. وضم العناصر المحلية الى تنظيمات باسماء اخرى. اما الاجانب فيتم نقلهم الى تركيا و"اسرائيل" واميركا، لاعادة تأهيلهم لادوار اخرى.
وبانتظار ما سترسو عليه الاتجاهات الاستراتيجية الرئيسية للادارة الاميركية الجديدة، أعطت المملكة السعودية نفسها فسحة من الوقت لاعادة النظر في سياستها الاقليمية والدولية هي أيضاً، وذلك بقيام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بجولة خارجية طويلة، قد تشمل أيضا موسكو، وتسليم مهماته خلال ذلك الى ولي العهد الامير محمد بن نايف وزير الداخلية الحالي. وفي الوقت ذاته قام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي هو اميركي أكثر من الاميركيين بزيارة رسمية الى العراق واجتمع مع رئيس الوزراء العراقي السيد حيدر العبادي الذي يعتبر مقرباً من القيادة الايرانية، مما يدل على التوجه السعودي نحو ترطيب الأجواء مع إيران والعراق وسوريا وحزب الله، والشروع في تغيير قواعد اللعبة الاقليمية، للتوصل للأهداف ذاتها، ولكن بأساليب أخرى.
ان كل التغييرات في سوريا والمنطقة) هو نتيجة للتدخل العسكري الروسي الذي بدأ في 30 ايلول 2015، على قاعدة العقيدة العسكرية الروسية. وهو ما سنتناوله بشكل منفصل.

 

 

2017-03-03