ارشيف من :آراء وتحليلات

القرار الغائب للمستضعفين

القرار الغائب للمستضعفين

القرار الغائب للمستضعفين

هل يمكن ان نرى ضوءاً في نهاية نفق الاوضاع الراهنة التي تمر بها الأمة والتي لا يشك احد في ظلمتها وظلاميتها؟
بالتأكيد الاجابة هي نعم.

ليس ذلك من منطلق نشر التفاؤل والأمل.. على الرغم من أن هدف نشر التفاؤل والأمل في حد ذاته فضيلة.
ولكن من منطلق موضوعي علمي وله اكثر من سابقة تاريخية تؤكد امكانيته بل حتميته.
بعيداً عن المنحنيات الحضارية الصاعدة والهابطة وان نقطة القاع تتبعها نقطة صاعدة، فإن هناك منظوراً اخر نراه اوقع وهو افتقاد مصداقية كل القوى الظلامية والرجعية وكل عملاء الاستعمار والذين اعتمدوا في رحلتهم للسيطرة واعتلاء الاداراة وصنع القرار على الخداع، وها هم في مرحلة الانكشاف بعد ان أجبرت المقاومة للمشروع الاستعماري اطرافه الأصيلة والوكيلة على التحالف العلني.
وقبل تخطي نقطة المصداقية لا بد من ذكر قصة قصيرة ذكرها الاعلامي الكبير احمد سعيد قائد إذاعة صوت العرب المصرية والتي قادت التعبئة الشعبية في مرحلة التحرر الوطني والذي تشرفّنا بمقابلته وزيارته في منزله عدة مرات، حكى لنا فيها بعضاً من الأمجاد ومنها ما يتعلق بالمصداقية، حيث روى ان مذيعي صوت العرب كانت توضع امامهم على ميكروفون البث احدث صور الشهداء حتى تكون قراءتهم أو خطاباتهم التعبوية متسمة بالصدق ونابعة من مشاعر حقيقية، وهنا ليس من المستغرب ان تنجح صوت العرب في رسالتها التنويرية والتعبوية ابان مدّ تحرري وزمن مقاوم بامتياز.

القرار الغائب للمستضعفين


وبالعودة لمكامن الأمل، فإن الاستقطاب في الأمة أصبح صريحاً ولم تعد الطبقات الرمادية التي كانت عوناً للمشروع الظلامي منتشرة.
فكل مجتمع مشكل من طبقات والمجتمع العربي تتشابه طبقاته بل وتتحد، فهناك طبقة نخبوية ملتصقة بالسلطات تسعى دوما للحفاظ على مكتسباتها ومصالحها والتي تتناقض مع المقاومة والمناهضة للمشروع الاستعماري والذي يقوم على شرائها وإعطائها دوراً في إمرار أدبيات المشروع، سواء عبر الاقتصاد الحر الخادم للشركات العولمية او عبر الإرتزاق بتزييف الوعي ونشر ثقافة التطبيع مع العدو وعبر نشر الثقافة الامريكية باعتبارها المرادف للتطور، وتارة عبر تشويه المقاومة والتحدي ووسم المشروع بالتخلف وبأنه من بقايا عصور لم تجلب الا الخراب.
وهناك طبقة وسطى كانت تتمتع بالاستقرار، وهي لديها إمكانية الاستقرار المتعدد الاوجه، اي الاستقرار على الوجه المقاوم او المهادن وهي أهم طبقة وازنة، وهي الآن محل تضاؤل يصل لدرجة الاندثار في بعض الاقطار الرئيسية وعلى رأسها مصر.
والطبقة الكبرى المطحونة مجتمعيا وهي لا تستقر الا بالحد الادنى من امكانية العيش واولياته وهي كذلك متعددة الاوجه ويمكن تسكينها ببعض المسكنات.
الان اختفت الخطوط بين الطبقات وتداخلت واصبحت مسكنات الطبقة الكادحة عزيزة وصعبة وأصبحت الطبقات الوسطى خافتة وانتقلت للأسفل من حيث الحراك الاجتماعي لتوسع من شريحة الطبقة الكادحة وهو ما يعمق التضاد بينها وبين المشروع الاستعماري.
ما نراه في اوروبا وامريكا وهم رؤوس المشروع الاستعماري من توجه للشعبوية وتمرد على العولمة هو نذير بان هذا العصر ووفقا للصيرورة مقبل على الخفوت.
اما في منطقتنا التي تشكل قلب الاستهداف ولوحة التنشين فان الاوضاع اكثر حدة حيث لم يتوافر بها حتى الفتات الذي تمتعت به الشعوب الاوروبية والشعب الامريكي.
من هنا لن يجد المشروع الاستعماري حوامل طبقية تستطيع إمراره، كما ان الصواريخ الدينية العابرة للقارات والمتمثلة في بث الوعي الديني الزائف والتي اعتمد عليها الاستعمار باتت فاقدة للمصداقية، كما ان قدرتها على الانفاق والانتشار تضاءلت وسط ازماتها بفضل المقاومة.

ان رد الفعل الطبيعي القادم هو شعبي بامتياز لاستعادة ابجديات الحياة والثورة على المشروع الاستعماري وأدواته المحلية وسماسرته.
هذه الثورة أيضاً لا تجد طريقا ممهدًا لانها تنتظر روافع وحوامل في اطار انطلاقها العكسي للسيطرة على القرار وامتلاك سلطته.
وان كانت الكرة الحديدية الثقيلة من الأسهل لها الانحدار والتدحرج لاسفل من الصعود، وهو ما سهل مهمة زراعة المشروع الاستعماري، الا ان الوضع بعد سقوط النخب اصبح هرمياً، وكل الطبقات في منحدر لا يستطيعون إمرار الكرة الى قمة الهرم، ولكل كرته وبانتظار رافعة لايصال هذا الثقل الى القمة.


ما يدفعنا للامل هو ان روافع المقاومة متوافرة وفرصها هي الافضل لان عدد المضارين وارادتهم والتحامهم يوفر فرصة افضل للدفع من فرص النخب التي باتت مكشوفة والتي اصبحت روافعها غير مضمونة وباهظة الكلفة ناهيك عن انها اصبحت محل استهداف المستضعفين ومحل استهداف الصراعات البينية للنخب ايضا على الجانب الاخر من الهرم.
معسكر المناهضين للاستعمار ليس بحاجة الا للالتحام فقط والتمتع بالارادة واتخاذ قرار دفع الكرة للقمة.

(*) كاتب عربي من مصر

2017-03-08