ارشيف من :آراء وتحليلات
الأزمة السورية من منظور روسي
إدارة ترامب جاھزة لعقد الصفقة على اساس المصالح وليس على "نهج" إدارة أوباما
يبدو أن روسيا أمام مرحلة جديدة في سوريا، وأمام إعادة تموضع. جلوس السفير الأميركي في كازاخستان كضيف شرف يراقب ولا يتكلم في اجتماعات الآستانة أفرح موسكو، ومنحھا شعورًا بالتفرّد والتفوق والإمساك بجميع خيوط اللعبة ھناك. كان واضحاً أن القيادة الروسية تريد أن تبدأ حوارھا مع الإدارة الأميركية الجديدة من منطلق قوة ونفوذ في التعامل مع الملف السوري.
يقول المراقبون إن دعوة الولايات المتحدة إلى المشاركة "بصفة مراقب" في المحادثات السورية في آستانة اتسمت برمزية حتمتھا ظروف الانتقال من إدارة إلى إدارة في واشنطن، وهذا يعني أيضاً أن مؤتمر آستانة لم يحقق أھدافه، أو أنه غير كاف، من دون الحضور الأميركي. ومن أھم مصالح الروس الآن عدم الاصطدام بالرئيس الأميركي دونالد بترامب.
في العلاقات بين روسيا وأميركا، نجد أن موسكو لا تريد من واشنطن المساھمة في رسم معالم التسوية السياسية في سوريا التي تشمل بقاء الرئيس الأسد في السلطة على الأقل حتى العام 2021 .لكنھا تحتاج إلى توقيع أميركا على أية تسوية مستقبلية في مناطق السلطة ومناطق قوى الأمر الواقع المعارضة، لجمع أموال إعادة الإعمار من الجھات الإقليمية المانحة. وإدارة ترامب مستعدة للدخول في شراكة مع موسكو لمكافحة تنظيم "داعش".
ولكن في الحال السورية لا يمكن للقوتين العظميين أن توجدا حلا مشتركا واحدا، فعلى الرغم من أن ترامب يقول إن علاقته جيدة بـ"بوتين"، وعلى الرغم من الإشارات الديبلوماسية التي ترشح بين حين وآخر بين البلدين بإمكان الاتفاق حول الملف السوري، إلا أنه لا أحد يؤمن بإمكان استمرار الشراكة الروسية الأميركية للأبد.
فثمة من يقول إن أميركا ستعود بعد أشھر قليلة وربما أسابيع لمناكفة روسيا في المنطقة .
لكن الواقع يقول أن روسيا ھي اللاعب الأھم في سوريا وإدارة ترامب جاھزة لعقد الصفقة معھا على أساس الأخذ والعطاء طبقا لفن الصفقات والعمليات التجارية وليس استنادا إلى الحجة الأخلاقية كما فعلت إدارة أوباما.
أما أنقرة فهي ترى أن ليس من مصلحتها انسحاب روسيا من سوريا في المدى المنظور، وربما ھذا يفسر إعراب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أمله بإقامة الجيشين التركي والروسي اتصالات مشتركة فيما بينھما بشأن القضية السورية. أبعد من ذلك تعتقد روسيا أن أنقرة قد تقبل ضمنيا بسيطرة جيش النظام على المناطق التي تسيطر عليھا حاليا الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
تخاف تركيا من أن يؤدي الانسحاب الروسي في ظل الوضع القائم إلى زيادة النفوذ الإيراني
كما أن التنسيق الروسي التركي ضروري جدا لمنع عودة آلاف المقاتلين من "داعش" إلى روسيا والدول المجاورة لھا، في المقابل، باتت أنقرة مقتنعة بأنه لا يمكن الوصول إلى حل دون مشاركة موسكو .
ويرجع التغيير في الموقف التركي إلى مخاوف من أن يؤدي الانسحاب الروسي في ظل الوضع القائم إلى زيادة النفوذ الإيراني، وإطلاق يد الولايات المتحدة في تنفيذ سياسات ومخططات تھدد المصالح العليا لتركيا.
وتراھن تركيا بقوة على ترامب وبوتين لتؤسس لمرحلة جديدة متقدمة لوقف النار تطوق فيھا موسكو الدور الإيراني في سوريا على أمل أن تقزّم واشنطن الأحلام الكردية في الشمال. وعندھا فقط يمكن لتركيا أن تواصل حربھا على الإرھاب بكل قدراتھا، وإلا فإن العودة الى الوضع السابق الذي كان قائما قبل التفاھم مع موسكو وطھران واردة وممكنة في أي لحظة.
لكن تطويق موسكو للدور الإيراني في المنطقة ليس بالعمل السهل، فقد أدركت روسيا منذ البداية أن العلاقة مع الإيرانيين لن تكون سھلة، لكنھا سعت الى إدارة توازنات تحالفاتھا بدقة مع الأطراف الإقليمية، خصوصاً عبر التوازن الذي أقامته في علاقتھا مع" إسرائيل" ونظام الرئيس بشار الأسد، وأيضا مع تركيا وإيران.
في المقابل، ثمة من يعتبر أنه من الخطأ الرھان على نتائج نوعية من التنازع على النفوذ بين روسيا وإيران، ليس فقط لأن بينھما قواسم مشتركة عدة وشبكة مصالح ويعرف كلاھما أھمية أحدھما للآخر، وإنما أيضا لأنھما يدركان أن دفع التنازع نحو الاحتدام سوف يفضي إلى خسارة فادحة لمصالحھما، والأھم لأن روسيا لا تريد الغرق في مستنقع حرب لا نھاية له، كما أن إيران لا تريد استنزاف طاقاتھا .
أما الأوربيون فهم يرون أن معركة حلب شكّلت منقلبا استراتيجيا، بمعنى أنھا جعلت الملف السوري، أقله في الوقت الحاضر، من مسؤولية روسيا وإيران وتركيا، وبالتالي يتعيّن على ھذه القوى أن تتحمل مسؤولية ما سيحصل في الحرب السورية.
كما أن مھمة المعارضة لن تكون سھلة بسبب تداخل وتناقض العوامل الإقليمية، والعقدة ستبرز في تمثيل الأكراد.
في النهاية، يصعب الآن التنبؤ بموقف الإدارة الأميركية الجديدة حيال الأزمة في سوريا. المفاوضات الأميركية الروسية لم تبدأ بعد ومن المبكر التدقيق في عناصر الصفقة الكبرى التي قد يريد كل من بوتين وترامب إبرامھا، فالأمر أكثر تعقيدا من مجرد ملف سوريا أو من ملفي سوريا وأوكرانيا معاً، إنھا صفقة المصالح الكبرى ولن تكون بالضرورة سھلة أو قريبة. كما ان قوة الشعب والجيش والمقاومة قادرة على تعديل الموازين وتغيير وجه التاريخ.