ارشيف من :آراء وتحليلات

حروب الحلفاء... تركيا والاتحاد الأوروبي!

 حروب الحلفاء... تركيا والاتحاد الأوروبي!

بدلاً من سياسة الـ"صفر مشاكل"، لا يكاد يمر يوم على تركيا أردوغان دون أن تسبب لنفسها مشكلات جديدة. وللمزيد من السخرية، فإن معظم هذه المشاكل هي عبارة عن مواجهات متفاوتة الخطورة بين تركيا وحلفائها. فبعد واشنطن التي اتهمها أردوغان بأنها وراء حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ووراء الانقلاب الفاشل الذي كاد يؤدي إلى إسقاط نظام أردوغان في تموز/يوليو 2016، فتح الرئيس التركي الباب على مصراعيه أمام أزمة متزايدة الخطورة بين تركيا والعديد من بلدان الاتحاد الأوروبي.

فالرئيس أردوغان، على ما تقوله المصادر، ينظر بالكثير من القلق إلى قوة المعارضة واحتمالات فشل مشروعه للتعديلات الدستورية في الاستفتاء المزمع إجراؤه في 16 نيسان/أبريل المقبل. ويبدو أنه يسعى إلى قلب موازين القوى لصالحه عبر تأجيج المشاعر القومية التركية من خلال نقل المعركة إلى الخارج وتحديداً مع الأوروبيين، مستنداً بذلك إلى الضجيج الأكيد الذي سيحدثه ذلك على خلفية قرون طويلة من الصراع الذي حسمه العثمانيون لصالحهم عندما احتلوا كامل البلقان ووصلوا بجيوشهم إلى أسوار فيينا قبل هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى.

 حروب الحلفاء... تركيا والاتحاد الأوروبي!

 

وعلى ذلك، وقفت تركيا أردوغان وراء تحشيد الجاليات التركية أو ذات الأصول التركية في بلدان الاتحاد الأوروبي في تجمعات وتظاهرات يشارك فيها مسؤولون أتراك بهدف توفير الدعم لمشروع التعديلات الدستورية.

لكن السلطات الأوروبية قامت بمنع إقامة هذه التجمعات بحجة أنها قد تعكر الأمن العام فيما السبب الحقيقي لهذا الرفض هو الخشية الأوروبية من تدخل تركيا في شؤون الجاليات التركية أو ذات الأصول التركية في أوروبا.
وأياً يكن الأمر، اندلعت على خلفية هذه المشكلة أزمة تهدد بتداعيات خطيرة على الطرفين التركي والأوروبي. ولم يتردد الطرفان في اللجوء حتى إلى الأساليب الانتهازية في هذه المواجهة. ففي الوقت الذي تقف فيه كل من هولندا وفرنسا على أعتاب انتخابات رئاسية، عمد عدد لا بأس به من المرشحين إلى استغلال المشكلة لتقوية مواقعهم الانتخابية من خلال العزف، على غرار ما فعله أردوغان، على وتر العنصرية والشعور القومي.
لكن نقطة القوة الرئيسية التي تسلح بها الأوروبيون هي "ديمقراطيتهم" مقابل نزوعات أردوغان الـ "ديكتاتورية": فقد صدرت تصريحات أوروبية تقول بأن الهدف من منع تجمعات الأتراك هو عدم مساعدة أردوغان على أن يصبح ديكتاتوراً، في وقت يعلم فيه الجميع أن العديد من كبار القادة الأوروبيين من يوليوس قيصر إلى بونابرت وموسيليني وفرنكو وهتلر، إنما كانوا رموزاً لا يشق لهم غبار في مضمار الديكتاتورية. وأن جميع القادة الديكتاتوريين في العالم الثالث لم يكن بإمكانهم أن يحكموا وأن يمارسوا ديكتاتوريتهم إلا بقدر ما كانوا يفعلون ذلك بتوجيه ورضا من قبل القادة الأوروبيين.
وجاء الرد التركي على ذلك متشنجاً إلى أبعد الحدود عبر إطلاق صفات "النازية و"الفاشية" على القادة الأوروبيين في ألمانيا والنمسا وهولندا...
وفي غمار المشكلة، قامت السلطات الأوروبية بمنع تجمعات الجاليات التركية، كما منعت وزراء أتراك من دخول الأراض الأوروبية، وهددت بفرض عقوبات على تركيا. وردت أنقرة بالتهديد بعقوبات مضادة وعمدت إلى إقفال سفارات وقنصليات أوروبية... مع ارتفاع ملحوظ، من قبل الطرفين، لنبرة التذكير العدائي بخمسة قرون من حروب تركيا العثمانية وتوغل جيوشها إلى أعماق القارة الأوروبية...
كل ذلك لاحظه المراقبون وتوقفوا عنده طويلاً في معرض مقارباتهم للأزمة المتصاعدة منذ أسابيع بين تركيا إردوغان والعديد من بلدان الاتحاد الأوروبي، من ألمانيا والنمسا، إلى سويسرا وهولندا، مع مؤشرات تدل على بدء اقتراب الأزمة من الحدود السويدية.
وبين خلفيات الأزمة، لم يسع المراقبون إلا أن يلحظوا معضلة اللاجئين التي يسعى الطرفان التركي والأوروبي منذ أكثر من سنتين إلى معالجتها دون تحقيق نجاحات ملموسة، باستثناء النجاح الذي حققه أردوغان بفضل سيف اللجوء الذي يسلطه على رقاب الأوروبيين.. فقد تمكن، العام الماضي، من إجبار الاتحاد الأوروبي على منحه ثلاثة مليارات يورو (حوالي 4,5 مليار دولار) مقابل وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، والذي قد يحققه فيما لو تمكن من تحصيل ثلاثة مليارات أخرى يطالب بها مقابل موافقة تركيا على استقبال ما يزيد عن مليونين ونصف مليون لاجئ تسعى البلدان الأوربية إلى إعادتهم من حيث أتوا.
كما توقف المراقبون طويلاً أمام السبب المباشر والسطحي للأزمة: سعي أردوغان إلى تحشيد دعم الجاليات التركية في أوروبا لتعديلاته الدستورية، وما يقابل هذا السعي من ردود.
لكن أحداً من المراقبين، أو من المسؤولين السياسيين، لم يشر ولو من بعيد، إلى السبب العميق الذي يكمن وراء مشكلة اللاجئين التي تشكل أحد أبرز أسباب هذه الأزمة وغيرها من الأزمات التي تهدد بعواقب اقتصادية وسياسية وخيمة بين بلدان حليفة وأعضاء في حلف الناتو.
ذلك السبب هو الحرب على سوريا. أي تلك الحرب التي كان لصمود سوريا في مواجهتها تداعيات نشهد اليوم كيف بدأت ترتد بأشكال في منتهى السلبية على قوى العدوان الغربي. فتلك الحرب تولدت عنها مشكلة اللاجئين، وهذه المشكلة هي في طليعة أسباب التوتر المتصاعد بين تركيا والاتحاد الأوربي. وهي أيضاً تعبير عن الانتصار الذي بدأ يتحقق على أيدي سوريا وحلفائها.

 

2017-03-13