ارشيف من :آراء وتحليلات

تركيا والاتحاد الأوروبي....إلى أين؟

تركيا والاتحاد الأوروبي....إلى أين؟

تدھور حاد تشھده العلاقات التركية – الأوروبية ھذه الأيام، بعد سلسلة من الفعل وردود الفعل تطورت بشكل  متسارع، على خلفية مواقف دول أوروبية عدة من الحملات الدعائية التي يقوم بھا المسؤولون الأتراك في أوساط الجاليات التركية على أراضيھا، لحشد الدعم وحض الناخبين على التصويت لمصلحة التعديلات على الدستور التركي، في الاستفتاء المقرر إجراؤه منتصف الشھر المقبل.
فمن خلال تعديل الدستور، يريد أردوغان توسيع صلاحياته بتحويل تركيا إلى النظام الرئاسي. وھذا الأمر ليس محل إجماعٍ في البلاد، حيث تتصاعد مخاوف المعارضة التركية من جنوحه نحو الديكتاتورية، ولضمان إقرار التعديلات في الاستفتاء، سيحتاج أردوغان إلى أصوات الأتراك المقيمين في أوروبا، والبالغ عددھم قرابة خمسة ملايين شخص، منھم ثلاثة ملايين في ألمانيا وحدھا، اقترع نصفھم لمصلحة حزبه في الانتخابات البرلمانية العام 2015، وھو يعمل بشتى السبل لكسب أصواتھم في الاستفتاء المقبل.


تركيا والاتحاد الأوروبي....إلى أين؟


لجنة خبراء قانونيين في مجلس أوروبا وصفت التعديلات الدستورية التي تقترحھا تركيا لتوسيع سلطات الرئيس بأنھا خطوة خطيرة الى الوراء.
فالمسؤولون الأوروبيون يدركون حجم الانقسام السياسي وأجواء الاحتقان داخل تركيا، وھم إذ يقيّدون نشاطات أنقرة المتعلقة بالدعاية السياسية في بلدانھم، فھم يتجنبون انتقال مشكلات تركيا السياسية، وتجاذبات وضعھا الداخلي، إلى أوساط مواطنيھم ذوي الأصول التركية.
الحكومة الألمانية تحفّظت على تجمعات انتخابية تركية كان من المزمع عقدھا في مدن ألمانية، ورفضت إعطاء التصاريح اللازمة لذلك، فوجه أردوغان كلاماً لاذعاً للحكومة الألمانية إذ شبّه سلوكھا بـ"الممارسات النازية"، فيما اكتفى الألمان بالتعبير رسمياً عن استيائھم من ھذه التصريحات.
مناخات عدم الثقة بين أنقرة وبرلين، بدأت من رفض ألمانيا إعادة آلاف المطلوبين من قبل أنقرة والموجودين في مختلف المدن الألمانية، وھم من أنصار حزب العمال الكردستاني وجماعة عبدلله غولن، كما بدأت من رفض تركيا مطالبات ألمانيا بتعلم الأتراك اللغة الألمانية كشرط من شروط الاندماج في مجتمعھم الجديد واعتبرت أنه نوع من تذويب الھوية، مرورا بالتوتر حول ما يقال إنه أنشطة استخباراتية يقوم بھا أتراك داخل ألمانيا، إضافة إلى اتھامات تركيا لألمانيا بدعم أنصار حزب العمال الكردستاني.
كرة أزمة الثقة تدحرجت أيضاً إلى ھولندا التي يقيم فيھا نحو نصف مليون تركي، لأن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، استبق زيارته المزمعة إليھا بالتحذير من عواقب إلغاء تجمع كان ينوي حضوره في روتردام الھولندية، حيث أنه لم يقبل بشرط الھولنديين إجراء لقاءاته داخل القنصلية التركية فقط، أي من دون تجمعات شعبية حاشدة لاعتبارات أمنية. ولم يرُقْ تھديد الوزير التركي للحكومة الھولندية، فأعلنت منع طائرته من الھبوط على أراضيھا، ما دفع الأتراك إلى إبلاغ السفير الھولندي بأنه غير مرغوب فيه.
العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي لا تستقر على حال، ومشروع انضمام تركيا الى الاتحاد بات من الماضي، وبالتزامن مع الذكرى المئوية لمذابح الأرمن، تبنّى البرلمان الأوروبي مؤخراً قراراً يطالب تركيا بالاعتراف بأن المذبحة التي قام بھا العثمانيون وراح ضحيتھا نحو مليون ونصف مليون إنسان أرمني، كانت "إبادة جماعية". حينھا، استبق أردوغان تصويت البرلمان الأوروبي على القرار بتصريح قال فيه: "أ يًا كان القرار الذي سيتخذه البرلمان الأوروبي في شأن مزاعم الإبادة الجماعية للأرمن فإنه سيدخل من أذن ويخرج من الأخرى"، وعلّقت الخارجية التركية على القرار رسميا بعد صدوره فوصفته بأنه "مثير للسخرية"، واتھمت البرلمان الأوروبي بـ"التعصب اللغوي والديني".
تبدو الأمور ماضية نحو مزيد من التعقيد، فالأتراك ھددوا باستخدام "ورقة اللاجئين"، التي طالما ابتز أردوغان الأوروبيين بھا، إذ لمح وزير خارجيته إلى إمكانية إعادة النظر في "اتفاقية اللاجئين" مع الاتحاد الأوروبي. ومعلوم أن تركيا تقاضت ثلاثة بلايين يورو بموجب تلك الاتفاقية مقابل الحدّ من تدفق اللاجئين، ما أدى إلى تقلّص عدد اللاجئين والمھاجرين القادمين إلى أوروبا عبر الحدود التركية، من 850 ألفاً العام 2015 إلى 173 ألفاً العام 2016.
وتعد ورقة اللاجئين واحدة من أھم نقاط القوة لدى تركيا في مواجھة الاتحاد الأوروبي، حيث تؤوي تركيا نحو 3 ملايين لاجئ من سوريا والعراق، وفي حال سماحھا بتدفقھم مجددًا عبر اليونان سيضطر الاتحاد الأوروبي للتدخل، وھذا الأمر يشكل ضغطًا على ألمانيا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في أيلول المقبل. وما يزيد قلق برلين أيضاً هو التقارب الأخير بين تركيا وبريطانيا، لأن ألمانيا لا تريد أن تواجه خطر تحول استثماراتھا في تركيا إلى استثمارات بريطانية.

باختصار، يعاود أردوغان توظيف خلافه مع الدول الأوروبية لاستثارة مشاعر الجمھور واستمالته بدغدغة المشاعر الدينية والقومية، فيعتبر أردوغان ما جرى في أوروبا هو "عداء للإسلام، وأنه تطور مرتبط بالإسلاموفوبيا ويكشف الوجه الحقيقي للغرب، فضلا عن العداء للأتراك أنفسھم" لذلك يسعى الى تصعيد ھذه الأزمة وتحويلھا الى فرصة من أجل الدعاية لصالح الاستفتاء الشعبي على تعديلات الدستور لإقرار النظام الرئاسي.

 

2017-03-21