ارشيف من :نقاط على الحروف
بالفان من البقاع إلى بيروت: التجربة ’بنكهة’ أخرى
أن تقصد بيروت من البقاع أمر ليس بالسهل. ضع في حسابك أن الأمر يحمل مشقة مهما حدثك الآخرون عنها تبقى التجربة "بنكهة" أخرى!
أولاً ستقف، ككثيرين أمثالك على امتداد الطريق، منتظراً قدوم المركبة التي ستستقلها لهذا الهدف، هذه المركبة ليست من مركبات الفضاء ولا من مركبات الأرض. الـ "ميني باص" أو "الفان" وسيلة نقل ربما صُنعت خصيصاً من أجل خط النقل رقم 18 بيروت-البقاع.
ما إن يصل إليك "الفان" ستعرفه تلقائياً، فغالباً يُخرج مساعد السائق رأسه منادياً: "زحلة- شتورة – بيروت" أو يبادرك هو بالسؤال عن وجهتك. فلا تتردد حينها بالإلحاح عليه وتأكيد نزولك في بيروت لأنه إن لم يحصل على عدد الركاب المطلوب فلن "ينزل" بك وحيداً. وفي الفان حكايا كثيرة أشبه بالمغامرات.
معاينة من الداخل
هذا "الميني باص" في مساحته الصغيرة من الداخل ستجده غنياً بركاب من جنسيات متعددة وبالتالي لكنات متعددة، ستسمع فيه قصصاً جمّة عن حياة الناس وشجونها. ضجيج وصخب، وحلقات تعارف. كل اثنين منصرفان إلى حديث دون قدرة منهما على التحكم بمستوى صوتهما العالي. وحين يرن هاتف أحدهم لن يخفى عليك أبدا ما وراء الاتصال وستعرف الحوار كاملا. كأنك مجبر هنا على سماع كل تلك السِيَر.
أما إذا ما اصطحبت صديقاً لك يشاركك "الغربة" فذلك أفضل وتستطيعان عندها النأي بنفسيكما عما يدور من حولكما، لكن لا عليك إن كنت وحيداً فغالباً سائق الفان سيضفي على رحلته جواً من الفكاهة، محاولاً أن ينسيك أنه بين الدقيقة وأختها يتوقف لينضم إلى الرحلة راكب او ركاب آخرون.
أكثر من خبر السفر "بالفانات" وأحوال الطريق لا سيما في الشتاء وفي عز البرد والعواصف هم الطلاب الذين يقطنون "ملاجئ" الجامعات في بيروت ويقصدون جامعاتهم بداية كل أسبوع.
من هنا صار التمييز بين الحفر والمطبات يسيراً، فالحفرة هبوط ثم ارتفاع يجعلان الفان يرتجف ارتجافاً. بينما المطب هو عبارة عن قفزة يرتطم خلالها رأسك بالسقف. وإذا كان ذلك يحدث معك لأول مرة فلا تقلق لن تصاب بأكثر من ورم بسيط سرعان ما يزول. واذا استطعت أخذ الموضوع إيجاباً فاعتبر نفسك في إحدى ألعاب "مدينة الملاهي".
مشقات الطريق
المركبة وحدها ليست من "مشوقات" الرحلة بل الطريق المؤدية إلى بيروت هي الأخرى "لم يُخلق مثلها في البلاد".
وعلى هذه الحال مهما كانت السرعة التي يسير بها "الفان" فإن سفرك قد يتعدى –بحسب مؤشرات الطريق- الثلاث ساعات.
أما مؤشرات الطريق هذه فمنها الوقت. لوقت الانطلاق أهمية كبرى. إذا كان انطلاقك باتجاه بيروت مع الفجر وكانت الطريق سالكةً دون زحمة سير ستصل بأقل من ساعتين. أما في وقت آخر كعصر الأحد أو صباح الإثنين (وقت عودة الناس من القرى في نهاية العطلة الأسبوعية) حينها ستنتظر عشر دقائق بين "قلبة دولاب وأخرى".
أحياناً أنت تختار التوقيت الخاطئ وأحياناً أخرى التوقيت الخاطئ يختارك. أي أن حادثاً مثلاً بين شاحنة لا يقل وزنها عن عشرات الأطنان قد اتكأت على سيارة بجانبها مردية من بداخلها بين الحياة والموت. الطريق إذاً غير سالكة بسبب حادث سير ويبقى الحديث عن فتح طريق بديلة قبل ساعة مبكراً. وسلام على أشغالك وأعمالك ومواعيدك في مثل هذه الحالة. وسلام على أوجاعك إن كنت كبيراً في السن أو تعاني من مشاكل صحية. وإن لم تكن كذلك سيضمن لك طول الطريق و"وعورتها" أن تعود بمشكلة صحية ما.
نعم الطريق الضيقة التي تسير عليها السيارات تسير عليها في الوقت نفسه الشاحنات! وإذا ما تجاوزنا مسألة الزحمة وأتينا للحديث عن الطريق نفسها نخبرك حينئذٍ عن أشياء وأشياء وأشياء.
من خبر الطريق من البقاع إلى بيروت حفظ "جورها" ومطباتها التي لا تعد ولا تحصى وخبر أحوالها اللولبية الضيقة. حدة منعطفات الطريق سبب رئيسي في إزهاق أرواح المواطنين، كما حصل في حادث السير الذي وقع مؤخراً على طريق ضهر البيدر والذي أدى إلى سقوط قتيلين وأربعة جرحى.
إلى ذلك، فإن المطبات التي وجدت بحجة منع حوادث السير الناجمة عن السرعة الزائدة تتسبب هي أحياناً بالحوادث. ومن شأن الحفر المختلفة في العمق والاتساع تجميع مياه الأمطار شتاءً ومياه الصرف الصحي في بعض الأماكن، كما من شأنها تحطيم أو تعطيل شيء ما في وسائل النقل المختلفة. ربما هي محاولة لتذكير السائقين بضرورة تفقد مركباتهم بشكل دوري وأحياناً شبه يومي ودفع مبالغ مالية هم بأمس الحاجة إليها.
شتاءً أحوال الطريق تسوء أكثر. ومع تواجد الثلج وتكوّن الجليد على المرتفعات المتميزة أكثر من غيرها بشكل طريقها اللولبي يصبح الأمر أكثر خطورة. ترتفع بذلك احتمالات حوادث السير نتيجة الانزلاق. يستدعي الأمر تجهيز إطارات المركبات بالسلاسل المعدنية للحصول على أمان أكبر. وتضطر القوى الأمنية عند كثافة الثلوج لقطع الطريق أمام كافة السيارات والمركبات وقد تفتح أحياناً أمام السيارات الرباعية الدفع فقط.
عليك إذاً في الطقس العاصف استعلام أحوال الطريق قبل الإنطلاق لكي لا تهدر وقتك من دون فائدة، لأنك قد تصل إلى بلدة جديتا (بين شتورة وضهر البيدر) ثم تعود أدراجك لأن الطريق غير سالكة.
الطريق من البقاع إلى بيروت طريق محفوفة بالمشقات ومليئة بمفاجآت تحملها لك رداءة البنى التحتية. مفاجآت أخرى يحملها لك "فان" النقل العام وليس في اليد حيلة سوى تحملها ريثما تنقضي الساعات الثلاث. أما مفاجآت الطريق فتبقى رهن استجابة المعنيين للصرخات المتعالية من المواطنين. صرخات قد لا تجد مجيباً إلا مع قرب موعد الانتخابات ليتم "ترقيع" الطريق من هنا ثم لتعود الحفريات والأشغال من جديد.