كلنا يذكر الصورة التي نشرت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال استقباله لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (كانون الثاني ٢٠١٥)، وهو ينزل درجات سلم اصطف عليه مجموعة من الرجال الذين يرتدون ألبسة مختلف الامبراطوريات التي مرت على التاريخ التركي وارتبطت بحملات توسع خارجي.
16 إمبراطورية تركية، بدءا من قبائل "الهون" التي احتلت معظم أوروبا قبل 1650 سنة، إلى زمن السلاجقة ثم العثمانيين البائدين في أوائل القرن العشرين.
2200 عام من التاريخ التركي، اصطفت على جانبي السلم، أراد من خلالها أردوغان إظهار "عظمة" تركيا الجديدة، ورأى فيها صحافيون مثل قدري غورسيل ‫(‬الكاتب في صحيفة ميلييت الشهيرة)‬ سيركاً عثمانياً في القصر الرئاسي‫.‬‬‬‬

2200 عام من التاريخ التركي، اصطفت على جانبي السلم

‎وكلنا يذكر كم أثارت هذه الصورة من تعليقات وتحليلات، لكن أكثرنا سلبية لم يكن ليتخيل يوماً، أنه سيأتي يوم على تركيا، يقوم فيه رئيسها بالخروج من دائرة الإيحاءات والاستحضار الدعائي للتاريخ، الى طلب اعادة التاريخ واسقاطه على حاضر تركيا من خلال تحويلها من نظام برلماني الى النظام الرئاسي، مانحاً نفسه صلاحيات واسعة كان قد طبق أغلبها خلال مواجهته للانقلاب الأخير، الذي أمن له تنفيذ حملة تطهير واسعة في صفوف القضاة والعسكر والأكاديميين والناشطين، وزج خلالها بعدد كبير منهم في السجن أو وضعه قيد الاقامة الجبرية‫.‬‬

‎٥٠ ألفاً هي الحصيلة الاجمالية لحملة الاعتقالات والاقالات التي نفذتها السلطات التركية ضد مختلف الجهات والمؤسسات الرسمية في الدولة في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري التي شهدتها تركيا‫، وبلغ عدد المعتقلين أو المقالين بحسب الجهة أو المؤسسة التي يعملون لصالحها:‬‬
‎‫- اعتقال 6038 عسكريا برتب مختلفة‬‬
‎‫- اعتقال 118 جنرالا وأدميرالا في الجيش التركي‬‬
‎‫- إدراج 2745 قاضيا ومدعيا عاما على قائمة المطلوبين للاعتقال ولكن من غير الواضح ما إذا اعتُقل جميعهم‬‬
‎‫- اعتقال 650 مدنيًّا
‎‫- عزل 8777 مسؤولًا في وزارة الداخلية التركية من مناصبهم‬‬
‎‫- إقالة 30 حاكما إقليميا من مناصبهم‬‬
‎‫- إقالة 52 مفتشا مدنيا من مناصبهم‬‬
‎‫- إلغاء رخصة 21 ألف مدرس في مؤسسات تعليمية خاصة‬‬
‎‫- إيقاف 15200 من الموظفين في وزارة التعليم عن العمل وإخضاعهم للتحقيق‬‬
‎‫- إيقاف 370 موظفا عن العمل في هيئة "TRT" للإذاعة والتلفزيون‬‬
‎‫- مطالبة 1577 عميدا بمؤسسات تعليمية عليا بالاستقالة‬‬

‎كل هذا جرى قبل التصويت على الاستفتاء حول التعديلات الدستورية، التي صادق البرلمان التركي عليها ‫(‬خلال كانون الثاني من العام الحالي‫)‬ في الجولة الثانية والأخيرة من التصويت، بأغلبية 339 صوتا ومعارضة 142 من أصل 550 نائبا يشكلون البرلمان‫.‬‬‬‬

‎فماذا تتضمن هذه التعديلات؟
‎نشرت الجريدة الرسمية التركية في الثاني من شباط‫/‬فبراير الفائت، القانون الذي يتيح طرح التعديلات الدستورية الخاصة بالتحول إلى النظام الرئاسي على استفتاء شعبي منتصف أبريل/نيسان المقبل.‬
‎وتنص التعديلات الدستورية على رفع عدد نواب البرلمان التركي من 550 إلى 600 نائب، وخفض سن الترشح لخوض الانتخابات العامة من 25 إلى 18 عاما.
‎كما تقضي بإجراء الانتخابات العامة والرئاسية في اليوم نفسه كل خمس سنوات.
‎وتُتيح التعديلات للبرلمان التركي اتخاذ قرار بإجراء انتخابات جديدة بموافقة ثلاثة أخماس مجموع عدد النواب، كما تقضي بعدم قطع رئيس الدولة صلته بحزبه السياسي.
‎وتسمح للبرلمان بفتح تحقيق مع رئيس الجمهورية استنادا إلى مقترح تطرحه الأغلبية المطلقة من إجمالي أعضاء البرلمان التركي.
‎وبحسب التعديلات، يحق لرئيس الدولة تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم، ولا يمكن للشخص الواحد أن يُنتخب رئيسا للجمهورية التركية أكثر من مرتين.
‎وإذا أُقر التشريع في الاستفتاء فقد يمهد ذلك الطريق أمام أردوغان ليبقى في منصبه حتى 2029.
‎وستسمح التعديلات الدستورية في حال الموافقة على بنود الاستفتاء للرئيس بإصدار المراسيم وإعلان حالة الطوارئ وتعيين الوزراء ونواب الرئيس وكبار المسؤولين في البلاد وعزلهم دون العودة الى أي من المؤسسات الدستورية في البلاد‫.‬‬

‎فماذا ينتظر تركيا بعد الاستفتاء، وما الذي ستقدمه هذه التعديلات لأردوغان، الذي لم تثنه سابقاً لا المحكمة الدستورية ولا سلطات الجيش ونفوذه عن مواصلة مساعيه لقمع كل مخالف واعتقال كل من يشكل خطراً على حزبه ورئاسته؟
‎وهل سيحول "السلطان أردوغان" المقيم في قصر يبلغ عدد غرفه ١٠٠٠ غرفة وتكاليفه ٦٠٠ مليون دولار، الصورة التي التقطها على أدراج قصره الى واقع تركي جديد يعيد تركيا إلى حقبة السلطنة ‫..‬ في عالم سقوط الامبراطوريات؟‫!.‬