ارشيف من :نقاط على الحروف
خان الخياطين في طرابلس: كنز تراثي في ’زمن التكنولوجيا’
تتنوع وتتعدد الاثار في مدينة طرابلس، التي تضم العديد والكثير من المواقع الأثرية والتاريخية، الا ان ما يميزها عن غيرها، هي كثرة الخانات فيها، منها :"خان العسكر، وخان المصريين، وخان الخياطين، خان العطَّارين، وخان الصابون... " . وفي اللغة العربية، تعني كلمة خان "موضع ومكان نزول المسافر الى بلاد المسلمين". حيث كانت تستخدم الطوابق العليا منه لاستقبال المسافرين والطوابق السفلية للتجارة.
خان الخياطين
يصرّ أصحاب المحلات في الخان على الحفاظ على مهنتهم وتوريثها لأبنائهم
يمتلك خان الخياطين، حضورا متميزا في طرابلس، فهو عبارة عن سوق كبير، متخصص بالخياطة والأزياء الطرابلسية والوطنية والعربية، وما يميزه عن تصاميم الخانات الأخرى، شارعه الطويل المسقوف، والذي تتوزع على جانبيه الدكاكين والحوانيت التي تعنى بكل ما يتعلق بمهنة الخياطة تقليداً وتراثاً.
بالرغم من ان اثار طرابلس، حازت مجالاً واسعاً في البحث العلمي، الا أنه لا يوجد أية وثيقة تاريخية تحدد تاريخ بناء هذا الخان، لكن وبحسب مديرية الآثار، وعدد من المؤرخين الطرابلسيين، أشاروا الى ان بناءه يعود الى القرون الوسطى، كذلك وجدوا عند المدخل الغربي "عمودين وتاجين"، يعودان إلى العصر البيزنطي، أو ما يعرف بالعصور القديمة، أي أكثر من ألف سنة تقريباً. وفيما تذكر الروايات، عن بعض المؤرخين الصليبيين أن "طرابلس عندما سقطت في أيدي الصليبيين، كان فيها أكثر من أربعة آلاف عامل يعملون فقط في حياكة النسيج الذي يستخرجونه من دود القز، التي اشتهرت المدينة في صناعته". ومع دخول المماليك الى طرابلس، في القرن الرابع عشر ميلاديا، حرصوا على إيجاد خان خاص للخياطين في المدينة بهدف الحفاظ على الصناعة، لما وجدوا في مهنة الخياطة وصناعة النسيج، من أهمية على الصعيد التجاري والاقتصادي، وهم ارادوا، أي المماليك، ان يكون خان الخياطين مكانا لممارسة مهنة الخياطة والتجارة، فتركزت أعمال الخياطة وعرض الأقمشة والألبسة العربية في الطابق الأرضي، بينما كان يستخدم الطابق العلوي كفندق للنزلاء.
لا يوجد أية وثيقة تاريخية تحدد تاريخ بناء هذا الخان
صمم خان الخياطين ليتسع ويستوعب أكبر عدد عدد ممكن من التجار والزوار، فأنشئ له مدخلان رئيسيان لهما بابان من الخشب، وتعلوه قناطر بيضاء اللون، ولا تزال الأبواب الخشبية تزين كل محلاته وحوانيته، التي تصطف بطريقة منتظمة داخل ممر طويل من الحجر الأثري. وهو لا يزال حتى اليوم يجمع بين حرفة الخياطة، وبيع الأقمشة والملابس العربية القديمة (كالشراويل - والطرابيش - والزنانير)، ونظراً لجودة أنواع الأقمشة والالبسة المميزة التي نادراً ما تجدها خارج هذا الخان، أصبح يحتل مركزاً ممتازاً ورئيسياً في جولات السائحين والباحثين الذين يتوافدون الى طرابلس للتعرف إلى تاريخها وتراثها وحضارتها.
في الوقت نفسه، يصر أصحاب المحلات في الخان، على الحفاظ على مهنتهم وتوريثها لأبنائهم، بالرغم أنها لم تعد كالسابق، ولا تؤمن قوت العيش، بحسب محمود الحموي "ويعرف بـ" أبو علي" الذي يروي "للعهد" :" كيف واكب خان الخياطين مختلف الاحداث والأزمنة، وهو اليوم كما العديد من خانات طرابلس فقد الكثير من خصوصيته، التي شهدت دخول التكنولوجيا الحديثة، وبعض الصناعات التي أفقدته ميزته القديمة".
شكل الخان عامل جذب لمختلف التجار العرب والأوروبيين
ويتابع أبو علي:"لخان الخياطين فضل كبير في شهرة طرابلس العربية والعالمية، فهو شكل عامل جذب لمختلف التجار العرب والأوروبيين الذين كانوا يقصدون الخان ويحملون الى بلادهم الأقمشة والألبسة العربية التقليدية، مما ساهم في إزدهار هذه المهنة التي إستمرت منذ ذاك التاريخ حتى السبعينيات من القرن الماضي، ومن ثم بدأت هذه المهنة بالتراجع، مقابل المصانع المعدة لبيع الألبسة الجاهزة والمستوردة، ما ادى الى تراجع عملنا بشكل كبير، لذلك نلجأ الى صنع ألبسة ذات طابع اثري، لبيعها الى جانب عملنا في الخياطة لكي نستطيع ان نوفر لقمة لنا ولعائلاتنا".
لخان الخياطين فضل كبير في شهرة طرابلس العربية والعالمية
خان الخياطين قيمة تراثية وطنية
منذ انشاء خان الخياطين، وحتى اليوم بقي هذا الكنز الاثري، شاهدا على معظم تفاصيل الحياة اليومية لاهالي مدينة طرابلس، ومعلما من معالمها الاثرية والتراثية، ولكنه يخشى عليه اليوم من الاندثار، أكثر من أي وقت مضى. حيث باتت التكنولوجيا والمصانع الحديثة أقوى من القذائف الصاروخية التي أدت الى تصدع عقوده وجدرانه، جراء الاحداث الامنية الاخيرة. ورغم مبادرة بلدية طرابلس الى إعادة تأهيله، عبر هبات محلية ودولية.. يبقى هذا السوق بحاجة الى دعم على مختلف المستويات لتسويق منتجاته وتشجيع العاملين فيه بما يضمن استمرار السوق كقيمة تراثية وطنية.
شاهد على معظم تفاصيل الحياة اليومية لاهالي مدينة طرابلس والجوار