ارشيف من :نقاط على الحروف
’اكتمل النقل بالزعرور’ والعبيد الخمسة الصغار - فيصل الاشمر
علمتنا زواريب السياسة اللبنانية أن لا شيء يبعث على العجب، وأن لا جديد تحت شمس هذه السياسة، ولا يوجد ما يبعث على الدهشة أو الاستغراب. فهذا البلد مر عليه من السياسيين الصالح والطالح، والمفسد والمسيء، والوطني والعميل، على اختلاف مناصب هؤلاء السياسيين، من زعيم الزاروب إلى زعيم الدولة. وكم من زعيم زاروب صار سياسياً كبيراً، أو نائباً أو وزيراً.
وبعض هؤلاء السياسيين انتقل إلى العمل السياسي بعد أن ملأ جيبه من حلال أو حرام، وبعضهم صار سياسياً بالوراثة، لأن والده كان من أهل السياسة، ومن غير اللائق إقفال هذا البيت السياسي بعد وفاة سيده، فليكن النجل سياسياً، وإن كان أحياناً لا فهم لديه ولا سياسة.
وبعض هؤلاء صار سياسياً بالصدفة، حين وقعت على رأسه تفاحة زعيم سياسي محلي أو إقليمي، واقتضت الظروف أن يكون هذا الشخص من أهل السياسة.
أرَتنا الحياة السياسية في لبنان كل هذا، وأرَتنا أيضاً كيف يصل سياسي لبناني إلى رئاسة الجمهورية على ظهر دبابةِ عدوٍ للوطن، وكيف يقتل زعيم حزب رئيس حكومة ثم يصبح هذا القاتل فيما بعد بطلاً قومياً في شارع القتيل الشهيد، يستقبله زعماؤها ومفتوها بالأحضان والقبلات.
كما أرتنا هذه الحياة أيضاً كيف يسرق زعماء كبار أموال المواطنين في صفقات سوداء دون أن يتحرك أحد لمحاسبتهم وإعادة الحقوق إلى أصحابها.
مع كل هذا، أرتنا الحياة السياسية زعماء وسياسيين شرفاء، لم تغرهم أموال ولا مناصب، كانوا أمام الناس وخلف الناس وإلى جانب الناس، لأنهم لم ينسوا يوماً أنهم من هؤلاء الناس.
هؤلاء الزعماء والسياسيون الشرفاء وقفوا في وجه العدو الإسرائيلي يوم كانت المراكب تنقل السلاح إلى بعض اللبنانيين، ووقفوا في المجلس النيابي ومجلس الوزراء وعلى المنابر رافضين أي اتفاق عارٍ مع العدو، ووقفوا في وجه الفساد المالي والمفسدين لاقتصاد البلد، والناهبين اللصوص، ووقفوا مع المقاومة اللبنانية، الوطنية والإسلامية، في أصعب الظروف والأوقات، وما تزال أصواتهم تعلو في كل مناسبة دفاعاً عن المواطنين والمقاومة.
لماذا هذه المقدمة كلها؟ ربما لتذكير القراء بـ"الكوكتيل" السياسي في هذا البلد، وبأن بعض سياسييه لا يمكن أن يعمل لأجله، لأن مصلحته مرتبطة دائماً بالخارج، وهذا الخارج هو "إسرائيل" لدى بعضهم، وما تسمى "دول الاعتدال العربي" لدى آخرين. وربما لا فرق بين مصلحة مع "إسرائيل" وأخرى مع "دول الاعتدال العربي"، فالحقد على المقاومة الإسلامية وعلى سوريا والمقاومين والشرفاء في المنطقة وحّد بين "إسرائيل" وهذه الدول، ولم يعد كثير من الزعماء العرب يخجل من إظهار حبه وعاطفته نحو العدو الإسرائيلي.
هذا الحلف الطويل العريض من المتآمرين ضاق ذرعاً منذ فترة بمديح الرئيس اللبناني للمقاومة، ومن تصريحه عن حاجة لبنان لها، وكونها رديفة للجيش اللبناني في رد أي عدوان إسرائيلي أو إرهابي. ولم يكتفِ زعماء "الاعتدال العربي" بذلك، فها هم يشحذون حقدهم لإدانة حزب الله في القمة العربية – يرجى عدم الضحك – في العاصمة الأردنية عمان.
ولكن المهزلة " الاعتدالية العربية" لم تكتمل، فكانت الحاجة لأن «يكتمل النقل بالزعرور» كما يقول المثل اللبناني، وهذا الزعرور هو الرسالة التي بعث بها رئيسا جمهورية وثلاثة رؤساء حكومات سابقون إلى رئيس القمة العربية، تتضمن مواقف سلبية من حزب الله.
أما أحد هؤلاء، وهو رئيس جمهورية سابق، فالعجب من تصرفه لا داعي له، ولا نفاجأ بما يقوم به، يشهد على ذلك تاريخ العائلة الموغل في العلاقات غير الشرعية مع العدو، وأما الرئيس السابق الآخر، فيعلم الجميع كيف وصل إلى قيادة الجيش ثم إلى رئاسة الجمهورية، قبل أن يصبح صاحب معرض للسيارات والتصاريح الخشبية.
كما لا عجب ولا تفاجؤ من تصرف ربيب الفساد المالي والاقتصادي في لبنان، ومعلم المفسدين واللصوص الأكبر، بعد ذلك، الذي أُعيد من باب السجن ليصبح بقدرة قادر رئيساً للحكومة اللبنانية.
أما العجب الذي لا ينتهي فهو من موقف آخر رئيسَي حكومة سابقَين، رمزَي الاعتدال الوطني كما قيل عنهما يوماً، ورمزا الوحدة الوطنية، صديقَي كل الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان، كما رويَ يوماً.
لكن لنكن حسني النية، فالمصالح التجارية لبعض الناس أهم من المواقف السياسية، وتعلو عليها، وربما المصالح الانتخابية لها دورها أيضاً، ثم من قال إن كل السياسيين في البلد يجب أن يكونوا شرفاء كالرئيس السابق إميل لحود ورئيس الحكومة السابق سليم الحص؟