ارشيف من :ترجمات ودراسات
وسائل الإعلام تخفي المعلومات حول الحرب في سوريا
الكاتب : Darius Shahtahmasebi
عن موقع le Grand Soir الالكتروني
عندما يقدم لكم ساحر من السحرة عرضاً سحرياً بيده اليمنى، يكون عليكم أن تلاحظوا ما يفعله بيده اليسرى. وعندما ينشب نزاع مسلح، يكون عليكم أن تلتزموا جانب الحذر إزاء حكومة تقرع طبول الحرب ضد حكومة أخرى أو كيان آخر. عليكم دائماً أن تتساءلوا: لماذا الآن، ولماذا هذه الحكومة، ولأية رهانات؟
مثال جيد على ذلك هو إفريقيا. فمنذ العام 1998، قتل ما يقرب من 6 ملايين إنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية في الصراع من أجل السيطرة على الثروات المعدنية التي يستخدم أكثرها في صناعة الهواتف الخليوية في أنحاء العالم. وعملياً، لا تتحدث وسائل الإعلام الكبرى عن هذا الموضوع. وبالمقابل، قالت لنا وسائل الإعلام نفسها أن ليبيا - التي كان مستوى المعيشة فيها هو الأفضل في القارة الإفريقية - يجب أن تقصف في إطار "تدخل إنساني" لمنع حدوث مجزرة قد ترتكب، وقد لا ترتكب. وبالرغم من وجود اختلافات أكيدة بين طبيعة هذين الخلافين، فإن حكومة الولايات المتحدة ووسائل الإعلام قد أعطت الأولوية لأحدهما على الآخر، وذلك تبعاً لاهتمامات جيوسياسية.
على سبيل المثال، فإن رسائل هيلاري كلينتون الالكترونية تدلل على أن ليبيا قد دمرت عام 2011 لا بسبب اندفاعة إنسانية، بل جزئياً لأن القائد الليبي السابق معمر القذافي كان ينوي ربط تجارة النفط الليبي بمخزونها من الذهب، وإيجاد عملة إفريقية موحدة، الأمر الذي كان من شأنه أن يشكل تغييراً كبيراً في سلطة البنية الحالية للأسواق المالية.
ويمكننا أن نقول الشيء نفسه عن سوريا. فعلى ما يؤكده موقع AlterNet الالكتروني، فإن وسائل الإعلام قد تعمدت عدم نشر عدد من الوثائق والتصريحات الحكومية الأميركية المتعلقة بالصراع في سوريا. وبهذا الخصوص، كتب آيان سينكلير ما يلي:
"خلال نظره في التقارير الغربية حول الحرب في سوريا، ذكر المراسل لفترة طويلة في الشرق الأوسط، باتريك كوكبيرن، مؤخراً أن "الأخبار الملفقة والتقارير المنحازة حول الصراع في سوريا، هيمنت على الأخبار الحقيقية إلى درجة من المرجح أنها غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الأولى".
أما بييرس روبنسون، وهو بروفيسور محاضر في جامعة شيفيلد البريطانية، فيقول أن "علينا من الآن فصاعداً أن نتوقع إمكانية أن تكون الحرب في سوريا قد عرفت مستويات من التلاعب والبروباغندا شبيهين، أو حتى أعلى بكثير، من تلك التي شهدتها الحرب في العراق عام 2003".
وهناك مثال على تسريب المعلومات كان من شأنه أن يحتل الصفحات الأولى من جميع الصحف في العالم (ولكن ذلك لم يحدث). وهذا المثال هو تسجيل صوتي لوزير الخارجية السابق، جون كيري، خلال اجتماع جرى مع فصائل المعارضة السورية في أيلول سبتمبر من العام الماضي. فقد اعترف كيري يومها بأن الولايات المتحدة تعلم أن داعش تحقق تقدماً في سوريا، وأن الولايات المتحدة تأمل في أن يجبر ذلك الرئيس السوري، بشار الأسد، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ومع هذا، كانت إدارة أوباما قد قالت، عام 2014، بأنها تقوم بتنفيذ عمليات في سوريا بهدف "إجبار داعش على التراجع وتدميره" وأنها لا تستخدم الجماعات الإرهابية ضد الرئيس السوري الذي تسعى واشنطن إلى إسقطه منذ زمن طويل".
ومع هذا أيضاً، يقول كيري، الخطط الأميركية ذات الصلة بداعش والحكومة السورية قد أفشلت من قبل روسيا التي تدخلت، عام 2015، في الصراع السوري بشكل مكشوف لدعم الأسد.
وفي العام 2012، كان تقرير صادر عن وكالة استخبارات الدفاع في الولايات المتحدة قد تنبأ بصعود داعش، الأمر الذي تم تشجيعه بفاعلية من قبل االمؤسسة الأميركية الحاكمة.
يقول التقرير المذكور:"إذا تطور الوضع، هنالك إمكانية لإقامة إمارة سلفية معلنة وغير معلنة في شرقي سوريا... وهذا بالضبط ما تريده القوى التي تدعم المعارضة، وذلك بهدف عزل النظام السوري".
وفي تشرين الأول / أكتوبر 2012، كتبت نيويورك تايمز "بحسب مسؤولين أميركيين وديبلوماسيين من الشرق الأوسط، فإن القسم الأكبر من الأسلحة التي ترسل بناء على طلب السعودية وقطر إلى جماعات المتمردين الذين يحاربون حكومة بشار الأسد يتم استلامها من قبل الجناح الجهادي الأكثر تشدداً...".
وفوق ذلك كله، يتبين من الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون أن هذه الإمدادات بالأسلحة تصل مباشرة إلى داعش. ونقرأ في إحدى وثائق وزيرة الخارجية الأميركية السابقة:"علينا أن نستخدم جميع وسائلنا الديبلوماسية والاستخباراتية التقليدية للضغط على حكومتي قطر والسعودية اللتين تقدمان دعماً مالياً ولوجستياً سرياً إلى داعش وجماعات سنية متشددة في المنطقة".
وبحسب الجنرال ذي الأربع نجوم، ويسلي كلارك، القائد السابق للناتو، فإنه قد تلقى، بشكل سري، مذكرة من البنتاغون تم إقرارها بعد 11 أيلول / سبتمبر بفترة قصيرة، وهي تنص على إسقاط الحكومات في سبعة بلدان منها سوريا.
وتقول وثائق أخرى من التي نشرت من قبل ويكيليكس أن المؤسسة الأميركية تسعى إلى استفزاز الأسد بهدف دفعه إلى الرد بشكل مبالغ فيه على خطر المتطرفين الذين يعبرون الحدود السورية، وذلك بشكل مشابه لما جرى مع روسيا في أفغانستان خلال فترة الثمانينات.
ويقول تقرير صاغه ويليام روبوك، المكلف بشؤون سفارة الولايات المتحدة في دمشق، وهو من منشورات ويكيليكس لكانون الأول / ديسمبر 2006 :
"نحن نعتقد بأن نقاط ضعف بشار الأسد هي في الطريقة التي يختارها للرد على رهانات واقعية أو منظور إليها على أنها كذلك، من نوع التضاد بين إجراءات الإصلاح الاقتصادي (مع كل محدوديته) وبين قوى الفساد. وهي أيضاً في المسألة الكردية والتهديد الممكن للنظام من قبل التواجد المتعاظم للمتطرفين الإسلاميين. ويلخص هذا التقرير تقييمنا لنقاط الضعف هذه ويقترح القيام بأنشطة والإدلاء بتصريحات وإرسال إشارات من قبل الولايات المتحدة، وذلك لتعزيز حصول مثل هذه الفرص".
ومن المهم أيضاً أن نذكر تقريراً سرياً صدر عن جهاز الاستخبارات وكشف عن كون الولايات المتحدة قد أهابت بصدام حسين، عام 1983، بأن يفتح حرباً مع حافظ الأسد، والد الرئيس بشار، بسبب خلاف حول خط أنابيب لنقل النفط.
إذا كانت وسائل الإعلام التقليدية تريد فعلاً أن تنقل الحقيقة حول الصراع في سوريا، فإن عليها أن تنقل الوقائع الفعلية بدلاً من أن ترشقنا بالقصة التبسيطية القائلة: "الأسد + روسيا = الخبيثون؛ المتمردون السوريون = الطيبون" الذين يخدموننا منذ العام 2011.
إن قسماً من الجمهور يعرف الحقيقة بفضل وسائل الإعلام البديلة والتسريبات، لأن الإعلام المستقل يميل نحو إعطاء الأولوية للوقائع الحقيقية بدلاً من المرور عليها بشكل عابر.
عن موقع le Grand Soir الالكتروني
3 آذار / مارس 2017