ارشيف من :آراء وتحليلات

استشهاد فقهاء... أبعد من اغتيال قيادي مقاوم

استشهاد فقهاء... أبعد من اغتيال قيادي مقاوم

تتجاوز خطورة عملية اغتيال القيادي في كتائب القسام، مازن فقهاء، الاعتداءات المماثلة التي تعرض لها مقاومون فلسطينيون في الفترة الاخيرة. فهذه العملية أدت الى استشهاد أحد القادة الناشطين الذين أربكوا العدو بفعل ما يتمتعون به من حزم وتصميم. وتهدف ايضا الى فرض سقف جديد في معادلة الصراع مع فصائل المقاومة الفلسطينية.
تستند "اسرائيل" في هذا التوجه الى تقدير يستبعد امكانية أن ترد حركة حماس على هذا الاعتداء نتيجة عدة عوامل، منها الحصار المحكم الذي يتعرض له قطاع غزة، ونتيجة مفاعيل الحرب الاخيرة على القطاع.

استشهاد فقهاء... أبعد من اغتيال قيادي مقاوم


تكشف عملية الاغتيال أيضاً، عن أن "اسرائيل" لا تكتفي بحالة الهدوء النسبي التي تسود الوضع مع قطاع غزة.. وانما تحاول أن تستغلها أيضا باتجاه إضعاف المقاومة وتقييدها وفرض سقف جديد ضمن الصراع تنتزع في ضوئه "حق" الاستهداف لمن ترى الاجهزة الامنية والعسكرية أن المطلوب تحييده عن الساحة.
مع ذلك، يكشف اختيار "اسرائيل" اسلوب الاغتيال الامني في استهداف الشهيد فقهاء، عن مجموعة اعتبارات حضرت في وعي وحسابات صانع القرار السياسي الامني في تل ابيب. برز ذلك في امتناعه في تنفيذ العملية عن اعتماد أساليب تقليدية سبق أن اتبعها في مواجهة قادة وكوادر المقاومة في قطاع غزة، الذين استشهد أكثرهم عبر سلاح الطيران. ويبدو أنه تجنب هذا الخيار نتيجة ادراكه وتقديره بأن حركة حماس سترد بطريقة صاخبة وربما عبر صليات صاروخية تستهدف العمق الاسرائيلي، ما سيؤدي حكما الى الدفع نحو مواجهة واسعة، لا يريدها العدو في هذه المرحلة، لعدة عوامل من ضمنها أنها ستحشر القيادة السياسية والعسكرية لتبني خيار الرد الواسع الامر سيعيد سيناريو مواجهة الجرف الصامد وربما بصورة أشد..
الملاحظة الثانية، أن العدو التزم الصمت إزاء تبني المسؤولية عن عملية الاغتيال. وهو ما يهدف الى محاولة عدم استفزاز الحركة بما يدفعها ايضا الى الرد الذي سيساهم في حشره. وايضا بهدف توسيع دائرة الاحتمالات حول الجهة التي نفذت العملية. وربما ايضا، الرهان على امكانية نظرية بأن تبادر حركة حماس على عدم تحميله المسؤولية وبالتالي التنصل من الرد على الاسرائيلي عبر اتهام جهات اخرى.. لكن هذا الرهان الاخير باء بفشل ذريع.
وفي محاولة للجمع بين التهديد العلني بالرد.. وتجنب تحمل المسؤولية عن العملية، نشر العدو في وسائله الاعلامية قائمة بأسماء كوادر وقيادات هي على لائحة الاغتيال الاسرائيلي. وهدَف الاسرائيلي من وراء ذلك للقول بأن أي رد من قبل حركة حماس سيواجه برد صاخب ومباشر يستهدف قادة القسام.. وبذلك يكون العدو قد أوصل رسالة التهديد، وفي الوقت نفسه لم يتورط في الاعلان عن مسؤوليته.
خيارات المقاومة
قد تكون "اسرائيل" تقدر أنها فاجأت المقاومة بأصل عملية الاغتيال، وتحديدا في أسلوبها، في ظل حالة الهدوء النسبي التي تسود الوضع مع القطاع. لكن الواقع أن هذا التقدير ستتضح معالمه في ضوء الخيار الذي ستنتهجه الحركة ردا على هذا الاعتداء. وتتراوح خيارات الحركة بين الامتناع عن الرد تجنبا لمواجهة في هذا التوقيت.. وصولا الى الرد الصاخب المؤلم.
لعل أحد أهم العوامل التي سيكون لها دور حاسم في بلورة قرار الرد، أن السكوت على الاغتيال سيُعزِّز الانطباع لدى الاسرائيلي أنه استطاع أن يفرض عليها سقفاً جديداً في معادلة الردع.. تماماً كما حصل في ردودها غير التناسبية على الصواريخ الفردية والعشوائية التي تتساقط في جنوب "اسرائيل" من فترة الى اخرى. ولكن ما يميز المعادلة الجديدة المفترضة أنها أكثر خطورة من معادلة الرد على الصواريخ. باعتبار أن "اسرائيل" تحرص في ردودها غير التناسبية على تجنب سقوط شهداء في صفوف الفلسطينيين، في الغالب، تجنبا لردود من فصائل المقاومة. اما في المعادلة الجديدة التي تسعى "اسرائيل" الى فرضها وتكريسها تكون قد استطاعت انتزاع شرعنة استهداف كوادر المقاومة بأساليب غير مباشرة وغير صاخبة، مع التنازل عن حق الرد (وفق الرهان الاسرائيلي).
أما في حال الرد، وهو المتوقع. تكون المقاومة قد ثأرت لاستهداف هذا القيادي الذي وصفه إعلام العدو بالناشط والفعال في مواجهة العدو. وثانيا تكون قد أحبطت محاولة العدو فرض معادلة جديدة تمنحه هامشا واسعا من المبادرة وبدون أثمان.. وثالثا، أي رد سيترك أثره على صناع القرار في تل ابيب في الداخل الاسرائيلي. كونهم سيكونون مسؤولين عن الدماء الاسرائيلية التي ستسقط بفعل قرار وتقدير خاطئين. والاهم، أن "اسرائيل" لن تستسهل اتخاذ مثل هذا القرار في المرة المقبلة، باستهداف قيادي آخر.

 

2017-03-29