ارشيف من :آراء وتحليلات

ما بين جنوب غرب حلب وشمال حماه.. كيف تتشابه معركة الجيش العربي السوري

 ما بين جنوب غرب حلب وشمال حماه.. كيف تتشابه معركة الجيش العربي السوري

 لا يخلو العلم العسكري بشكل عام من معارك كثيرة تتشابه في المعطيات والوقائع والأهداف، على الرغم من التفاوت والاختلاف في التاريخ والجغرافيا والجيوش وما إلى ذلك، ولكن تبقى فكرة المناورة هي التي تميز كل معركة عن الأخرى، حيث على أساسها تتشكل خصوصية الاخيرة و نقاط الانتصار او الهزيمة.
في الحقيقة، تأخذ الحرب الدائرة في سوريا وعليها أبعادا ومقاييس واسعة وشاملة، فتبدو وكأنها تختصر التاريخ العسكري بما راكم من خبرات ومناورات وتكتيكات ووسائل قتال، وتسمح بما تقدمه من وقائع لأغلب الباحثين والمتابعين، بتكوين أفكار ومعطيات تشكّل مرجعا يمكن اعتماده لناحية العلم العسكري والعقيدة القتالية، ويمكن لمعركتي ريف حلب الجنوبي الغربي وريف حماه الشمالي، من بين الكثير من المعارك، ان تكون نموذجاً يتوجب دراسته، لناحية المعطيات العسكرية والأهداف والمناورة، وذلك على الشكل التالي:

 ما بين جنوب غرب حلب وشمال حماه.. كيف تتشابه معركة الجيش العربي السوري

الأهداف والمعطيات العسكرية

ـ يخوض الجيش العربي السوري مدعوما من حلفائه معركة شرسة بمواجهة خليط واسع من المجموعات المسلحة والإرهابية التي تستفيد من دعم واسع وضخم في الإعلام والأموال والعتاد والأسلحة والمعلومات، وهي بأغلبها، وكونها تقاتل عن دول إقليمية وغربية معروفة، تضاهي بعض الجيوش المعروفة في مستوى القتال والوسائل الموضوعة بتصرفها.

ـ تلعب مدينة حلب بما تمثله من اهمية اقتصادية وشعبية وجغرافية وميدانية، دوراً استرايجيا أساسياً في المعركة، وكانت دائما خلال الحرب على سوريا، وما زالت، هدفاً حيوياً للمجموعات المسلحة الارهابية، حاولوا المستحيل للسيطرة عليها وانتزاع غربها من سيطرة الجيش العربي السوري، ونفّذوا العشرات من المهاجمات الشرسة عبر أغلب محاورها، مع تشديدهم الدائم على المحور الجنوبي الغربي انطلاقا من خان طومان والراشدين باتجاه مجمع الكليات العسكرية ومعبر الراموسة، وذلك لما يتمتع به هذا المحور من امتداد سهل ومناسب يربط نقاط ومواقع تمركزهم وانتشارهم الاكثر جهوزية وفعالية ما بين ادلب وريف حلب الغربي، والمرتبط لوجستيا بشكل مباشر مع الداخل التركي وما قدمه ويقدمه لهؤلاء من دعم ومساندة غير محدودة.

ـ تشكل محافظة حماه بأريافها الأربعة نقطة استراتيجية، تربط الساحل السوري مع ما يحويه من مطارات ومرافئ حيوية مع الوسط السوري في حمص وامتدادا نحو الشرق او جنوبا نحو العاصمة دمشق، وأيضا تؤمن مدينة حماه وأريافها طرقا رديفة توازي وتواكب مداخل حلب واريافها الاستراتيجية، وتشكل بذلك كمحافظة، محور الميدان الحيوي لأغلب معارك الجيش العربي السوري وحلفائه هجوما أو دفاعا.

 ما بين جنوب غرب حلب وشمال حماه.. كيف تتشابه معركة الجيش العربي السوري
خارطة سيطرة الجيش السوري في ريف حلب

 

 لناحية المناورة

شكلت المناورة المشتركة بين معركتي جنوب غرب حلب وشمال حماه بعناصرها ووسائلها وتكتيكاتها النقطة الاكثر تأثيرا في تشابه المعركتين، لناحية طريقة قتال الارهابيين وأسلوب اختراقهم، ولناحية مدافعة الجيش العربي السوري وطريقة استيعابه الهجوم وتنفيذ الهجوم المعاكس، وذلك على الشكل التالي:
ـ لعبت المناورة الهجومية التي نفذها المسلحون عبر الانتحاريين والانغماسيين دورا اساسيا في نجاحهم في اختراق مواقع الجيش العربي السوري، وذلك في كل من ريف حلب الجنوبي الغربي على مجمع الكليات العسكرية او في ريف حماه الشمالي ما بين صوران وخطاب والمجدل، وحيث كانت الصدمة الصاعقة التي تحدثها العمليات الانتحارية على الخطوط والمواقع الامامية كفيلة لاحداث تصدع في جهازية المدافعة للوهلة الاولى، وامام التدفق المباشر لجحافل الارهابيين الذي يلي مباشرة عملية الخرق المذكورة، كان المدافعون يتراجعون ليعيدوا انتشارهم عبر خط مدافعة متأخر، كانوا ييجهدون لتثبيته في النقاط الحيوية التي لا يمكن التخلي عنها.
ـ كل ذلك كان يحدث عبر ضخ عدد هائل من الاف الارهابيين، والذين كانوا يغطون كافة المحاور والمنافذ التي تؤدي الى مواقع الجيش العربي السوري وحلفائه المتواضعة العدد، بسبب توزع الجهود لتغطية المئات من الجبهات المفتوحة على هذا الجيش، وبسبب الامكانية المتاحة دائما للارهابيين للاستفادة من المعابر التركية التي لم تغلق يوما امام تدفقهم رغم الكثير من الادعاءات التركية الكاذبة بعكس ذلك.
- امام هذا الاسلوب الاستثنائي في المهاجمة، عبر الانتحاريين والانغماسيين، وامام هذا العدد الكبير من المسلحين الارهابيين، والذين كانوا دائما يستفيدون من تجهيزات كاملة في العديد والأسلحة والمعلومات الدقيقة، كان يعمد الجيش العربي السوري الى امتصاص صدمة تلك المهاجمات الصاعقة التي استهدفته في ريف حلب الجنوبي الغربي او في ريف حماه الشمالي، من خلال استيعاب الصدمة الاولى والانسحاب المتقن وتوجيه تدفق الارهابيين واستدراجهم الى بقعة مفتوحة، يعتقدون انها هدف مهم او حيوي، لتصبح بقعة روع وقتل، يصب عليها الجيش المذكور براكين الصواريخ والمدفعية وقنابل الطيران الموجهة، فتحترق الارض تحت اقدام الارهابيين المهاجمين وفوق رؤوسهم، ويسقط لهم العدد الهائل من القتلى والمصابين الذين يجدون انفسهم عاجزين عن الخروج من بقعة الروع هذه.

 ما بين جنوب غرب حلب وشمال حماه.. كيف تتشابه معركة الجيش العربي السوري
الجيش السوري يتقدم

 

واخيرا... هذه المناورة اللافتة التي ينفذها الجيش العربي السوري في معاركه المفتوحة على كامل الجغرافيا السورية، بمواجهة الحرب الكونية التي تشن ضده وعلى مدى تجاوز الست سنوات، سوف تفرض نفسها في العلم العسكري، وستكون صالحة وبامتياز لتُدَرّس في معاهد ومدارس اكثر الجيوش تطورا وقدرة، وسيقدم هذا الجيش الذي صمد بطريقة فاقت التوقعات عبرة لكافة الجيوش والدول عن قدرة الجيش الذي يريد ويصبر ويقاتل وينتصر.

 

2017-03-30