ارشيف من :نقاط على الحروف
أول أيام الربيع في لبنان: الى الحياة در...
ضحك الربيع فبانت لَآلِئُه، زهراً ملوناً وبتائل ورد وشذاً وشدوَ عصافير ووريقاتٍ خضر على شجون الشجر الغضّة. ولّى القرّ ومدت الشمس أكفها باعثة الحياة من جديد، والدفء يدبّ متغلغلاً في كل التفاصيل.. قد عادت الروح إلى جسد الطبيعة بعد طول شتاء.
رحلة للتلاميذ في أحضان الطبيعة
ربيع التجدد
الربيع فصل جديد من فصول الحياة لكل من وهبه الله الحياة.
يتميز بالطقس المعتدل، متوسطاً برودةَ الشتاء وحر الصيف. وتكتسب التربة في الربيع رائحة خاصة بعدما أشبعت بمياه الأمطار شتاءً، وبعد وصولها لدرجة حرارة تساعد في بدء ظهور النباتات الصغيرة. فيختص الربيع بمظاهر طبيعية جمالية قشيبة، كازدهار مجموعة من الفصائل النباتية التي تعلن بظهورها عن قدومه، وفي أعالي الجبال يبدأ الثلج بالذوبان ويعلو الخرير في السواقي والأنهار بفعل ماء الثلج المذاب.
جرود بلدة نحلة - شرقي بعلبك
كما يمكن الاستدلال على قدوم الربيع مع وصول أول طائر من طيور السنونو. السماء الصافية تزدحم بالطيور العائدة من هجرتها والتي تصفّ أجنحتها بين خيوط الشمس الذهبية. وبعد عودتها تباشر بناء أعشاشها من طين وقش وأغصان صغيرة في كل مكان تستشعر فيه الأمان وتجد فيه قوتها اليومي.
وتنتشر مع انقشاع الضباب الفراشات والنحل والحشرات هنا وهناك متنقلة بين الورد والأفنان بحثاً عن الرحيق..
متنزه رأس العين في مدينة بعلبك
الناس.. إلى الحياة مجدداً
الحياة في الربيع لا تعود إلى الأرض فحسب بل تجدد الفرح في قلوب الناس وتمنح أيامهم نمطاً جديداً. تعود الشمس لتطل من النوافذ وتدغدغ الوجوه صباحاً وتوقظها إلى ساعات يوم طويل وتبعث في النفوس الأمل.
إن تناسيت الفصل الذي نحن فيه يدلك على ذلك السجاد المتدلي من شرفات وأسطح المنازل. حيث تستغل النسوة الطقس "للعزيل" وغسل السجاد وتوضيبه، إنما يعني ذلك عودة الدفء. كأن البيوت تصبح غضة أو شفافة تمر عبرها الحرارة إلى الداخل بلطف. إذاً لا حاجة للسجاد أو المدافئ.
فرصة الجو المعتدل والمناظر الطبيعية الخلابة لا تفوّت لاستقبال بهجة ونور الشمس، فتستغل العائلات هذا الطقس لنزهات تختلف من مكان لآخر وتتنوع بتنوع التضاريس.
زهور الاشجار المثمرة.. فرح الربيع
ولا يضيّع سكان المدن فرصتهم في ذلك، فيقصدون الأرياف للتمتع بلطافة الجو الذي "يشرح القلب" بعيداً عن "صمم" الإسمنت والأبنية وضيق المسكن. ويكثر حضور "التبولة" في الجلسات كأنما هو موسمها، فهي تكتسب نكهة خاصة مع تسرب رائحة تراب الربيع. وإلى جانب "التبولة" نباتات -بأسماء مختلفة وغريبة- جُمعت في رحلة "سليق" بين خضرة الحقول.
الأطفال هم أكثر المستأنسين والمنتعشين في الجو الربيعي، يلهون بين الأزهار البرية المتفتحة بلون خدودهم، وينظمون بمفردهم رحلات استكشافية. وغالباً عند عودتهم يخبئون خلف ظهورهم باقات من الزهر والحب يقدمونها لأمهاتهم فالربيع بأكمله بعيونهم هو عيد الأم.
كذلك تخص المدارس طلابها برحلات ترفيهية لتجديد نشاطهم، وبعث الحيوية في نفوسهم، فتكاد الشوارع لا تخلو يوماً من باصات مدرسية تقصد الطبيعة في رحلة متنوعة البرامج.
الزهور البرية... مشهد ربيعي في كل لبنان
والأعمال أيضاً تتجدد
مناخ لبنان المتميز الذي يظهر في الربيع يعيد إليه الانتعاش والحيوية. أشهر الربيع فترة رائعة للسياحة، فكنوز لبنان تكون مفتوحة أمام الزوار وتزدان الآثار بالزهور الزاهية المنتشرة بينها، وفي خلفيتها قمم الجبال المكسوة بالثلج.
في حين يتفقد الفلاح أشجاره المتنوعة معتنياً بالزهر حتى يصبح ثمراً. وينصرف لرش البساتين والمزروعات بالمبيدات الحشرية، ووضع دفعة جديدة من الأسمدة. وينشغل في زراعة أنواع النباتات التي يحين موعد قطاف ثمارها صيفاً. ويبدأ بالري بعد انقطاع المطر. ويتم غرس شتول البندورة والباذنجان. فيما يزخر الربيع بفواكه وخضراوات متنوعة من الفريز والجنارك واللوز الأخضر الى أنواع من الخضراوات كالفول الأخضر والبازلاء والسبانخ والسلق.
الأخضر يلون البلدات والقرى
إلى ذلك، يكون فصل الربيع دائماً أفضل مواسم صيد السمك لأن البحر في هذا الوقت ينضح بكل أنواع الأسماك.
ومع ازدياد ساعات النهار تستأنف هوايات ورياضات عديدة، كركوب الدراجات الهوائية واكتشاف الكهوف وركوب قوارب الأنهار الصغيرة للتجديف، إلى جانب الركض والمشي على بساط الربيع الملون.
لوحة الربيع هذه، في اختلاف المناطق، غنية بما يجذب هواة التصوير لشهر "كاميراتهم" والتقاط الصور لطير عاد من هجرته هنا أو حملٍ صغير يلهو هناك أو لحركة الناس وعناصر الطبيعة في مراحلها المختلفة من بداية الفصل حتى نهايته.
ساحة عامة على طريق دورس عند مدخل مدينة بعلبك الجنوبي
ضحك الربيعُ إذاً، وبقي عليه أن يتكلم. عساه يتكلم نصراً كما في أيار عام 2000. فعلى الباب استحقاقات لبنانية تنتظر من يتكلم فيها كلاماً فصلاً.