ارشيف من :ترجمات ودراسات
الاتحاد الاوروبي الاستعماري ... بداية النهاية!!!(1/3)
أوروبا... من أنتِ؟
لقد اعطتنا الحياة مفهومان لتعبيري: اميركا واوروبا. المفهوم الجغرافي والمفهوم السياسي. فحينما نقول: اميركا، بالمعنى الجغرافي البسيط، نقصد القارة الاميركية بقسميها الجنوبي (اللاتيني) والشمالي الذي يشمل الولايات المتحدة الاميركية وكندا. ولكننا حينما نتكلم سياسيا، ونقول: اميركا، او الامبريالية الاميركية، او الأمركة، او العولمة الاميركية، فإننا لا نقصد كل القارة الاميركية، بل بالتحديد الولايات المتحدة الاميركية. وحينما يرفع شعار: تسقط اميركا. فالمقصود هو الاستعمار الاميركي، او استعمار الولايات المتحدة الاميركية.
والشيء ذاته تقريبا ينسحب على اوروبا. فهي، بالمعنى الجغرافي البسيط احدى القارات الرئيسية في الكرة الارضية، وبهذا المعنى الجغرافي فهي تشمل اوروبا الشرقية ودول البلقان (التي كانت في مرحلة تاريخية سابقة تتمحور حول بيزنطية وتدخل في العالم الهيليني الكبير الذي امتد من شمالي افريقيا حتى اوروبا الشرقية. كما تشمل اوروبا الشرقية بالمعنى الجغرافي، وخصوصا روسيا، التي يحتل جزءها الاوروبي 40% من اجمالي مساحة القارة الاوروبية. وهناك قول مأثور هو: ان اوروبا مع روسيا هي كل شيء؛ ولكن اوروبا بدون روسيا هي لا شيء.
وما ينطبق على اميركا ينطبق بشكل مشابه على اوروبا. فحينما نقول اوروبا، سياسيا، فهذا يعني اوتوماتيكيا: اوروبا بدون روسيا، بل اوروبا الضد روسيا. ومنذ ايام روما القديمة حتى الازمنة الحديثة اتسمت اوروبا (بدون روسيا) بالنزعة والطابع الاستعماريين. واصبحت كلمتا اوروبا والاستعمار الاوروبي تعنيان: اوروبا الغربية. والتصقت الصفة الاستعمارية بأوروبا الغربية، كما التصقت بالولايات المتحدة الاميركية. والان حين نقول "اوروبا" سياسيا، فنعني دول اوروبا الغربية، الاستعمارية، والدول الاوروبية التابعة لها ولو لم تكن هي بحد ذاتها استعمارية كسويسرا او لوكسمبورغ او موناكو، او الدول السكندينافية، التي هي دول غير استعمارية، انما تعيش على "نِعم" الاستعمار الذي مارسته ولا تزال تمارسه الدول الاوروبية الغربية الكبيرة والمتوسطة. ونأخذ مثالا سويسرا، التي هي مضرب مثل كدولة مسالمة ومحايدة وتحافظ على القوانين وحقوق الانسان والاتنيات والاديان الخ. فإن الدعامة الاولى للاقتصاد الوطني لهذه الدولة اللطيفة والظريفة هو الصناعة البنكية، حيث تودع فيها الاموال من شتى انحاء العالم، فتستفيد هي من الفائدة "الضئيلة". وحتى الان كل شيء طبيعي وفي مكانه الصحيح ولا غبار عليه. ولكن حقيقة الامور ليست بهذه البراءة. فغالبية الاموال التي تودع في البنوك السويسرية هي اموال مشبوهة وقذرة وجرائمية: اموال الدكتاتوريين المتوحشين امثال صدام حسين وعيدي امين وجوزف موبوتو، وجميع اصناف عملاء الاستعمار العالميين والخونة والنازيين واليهود والمافيات وعصابات الجريمة المنظمة وكبار اللصوص والمرتشين الخ الخ. وسويسرا هي اكبر ماكينة لغسيل الاموال القذرة في العالم. ونظرا لان غالبية مودعي الحسابات السرية في سويسرا لا يذكرون اي وريث لهم، وهم يموتون او يقتلون بنسب اعلى من المعتاد، فبعد موت المودع بوقت محدد، ولعدم وجود مطالب بتلك الودائع، فإنها تعود بشكل شرعي وقانوني تماما الى البنوك والحكومة السويسرية. ولهذا يمكن القول ان كل لقمة خبز يأكلها اي مواطن سويسري بريء هي مغمسة بدماء مئات ملايين العرب والمسلمين والافارقة والاسيويين والاميركيين اللاتينيين والشرق اوروبيين الخ. واذا كان هذا المواطن السويسري البريء يدري فتلك مصيبة، واذا كان لا يدري فالمصيبة اعظم.
هذه هي اذن اوروبا، سياسيا. فحينما نقول اوروبا، في غير معرض البحث الجغرافي، فإننا نعني اوروبا الغربية، الاستعماية، الامبريالية، الاجرامية، الصليبية، مصاصة دماء شعوب الشرق، والعدوة التاريخية لروسيا.
وحينما نقول "الاتحاد الاوروبي" فإننا نعني تلك المنظمة التي اسستها فيما بينها هذه الدول الاوروبية الغربية اللصوصية الاستعمارية.
الجزء الاوروبي من الدولة الروسية يشغل 40% من كامل المساحة الاوروبية
روسيا تنقذ اوروبا مرتين وتلقى الجحود
تبلغ مساحة اوروبا 10.180.000كلم2 ـ
في حين تبلغ مساحة روسيا 17,075,4000كلم2 ـ اي انها تبلغ حوالى 170% من كل مساحة اوروبا. والجزء الاوروبي من الدولة الروسية يشغل 40% من كامل المساحة الاوروبية، اي ان هذا الجزء هو اكبر مساحة من اي بلد اوروبي اخر.
وفي الحرب العالمية الثانية فإن روسيا، وبتضحيات بشرية ومادية لا توصف، هي التي حررت كل اوروبا (واميركا والعالم بأسره) من نير النازية والفاشية.
ومع ذلك، ما إن وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها، حتى عادت اوروبا (اي الغربية) الى ممارسة سياستها الاستعمارية السابقة، حيال شعوب الشرق، وبالطبع سياسة الجحود ونكران الجميل والعداء لروسيا.
وهنا لا بد من الاضاءة بشدة على نقطة في غاية الاهمية، تغيب عن بال جميع المحللين الغربيين (والشرقيين!)، اليمينيين واليساريين، وهي انه بسبب الخوف من روسيا واحتمالات الثورة الاشتراكية في اي بلد اوروبي، فإن اوروبا التصقت بأميركا التصاق الكلب بصاحبه. ومن جهتها فإن اميركا انتهجت حيال اوروبا سياسة التتبيع المطلق، في كل الحقول. وكانت كل الظروف مؤاتية كي تتحول اوروبا (الغربية) الى اميركا لاتينية ثانية، اي الى "جمهوريات موز" اميركية، يتم فيها القضاء على الصناعة والزراعة والسياحة والاقتصاد المتطور وانظمة التعليم، وتقام فيها علنا مزارع الكوكا والخشخاش والماريجوانا والحشيش و"مدن" كاملة للقمار والدعارة "الراقية" و"الشعبية" والشذوذ. والذي انقذ اوروبا (الغربية) من هذا المصير الاسود هو وجود روسيا والاتحاد السوفياتي السابق. ذلك ان اميركا كانت تخشى من ان الاضعاف التام لاوروبا يمكن ان تستفيد منه روسيا بهذا الشكل او ذاك.
تأسيس "السوق الاوروبية المشتركة"
ومن ضمن استراتيجية معاداة روسيا والتبعية لاميركا، انتسبت دول اوروبا الى حلف الناتو العسكري، كما عمدت سنة 1957 لتشكيل ما سمي في حينه "السوق الاوروبية المشتركة"، لتنسيق العلاقات التجارية والمالية والاقتصادية فيما بين الدول الاوروبية، على قاعدة متابعة النهج الاستعماري في التعامل مع الدول الشرقية (المستعمرة سابقا)، ومعاداة الاتحاد السوفياتي وروسيا، والتبعية لاميركا.
وينبغي هنا الاعتراف بأن "السوق الاوروبية المشتركة" حققت نجاحات على صعيد حرية تنقل الرأسمال والسلع والافراد، وتحولت اوروبا من جديد الى كتلة كبرى على صعيد حركة الرأسمال العالمي. ولكن ذلك حصل ليس لمصلحة التقدم الحضاري للعالم، بل لمصلحة تقدم الرأسمالية. ففي الظروف التي اوجدتها "السوق الاوروبية المشتركة"، كحرية الانتقال بدون فيزا لكل بلد من بلدان السوق، ورفع الحواجز الجمركية ونظام الحماية، وتخفيض الضرائب المباشرة على الرأسمال الكبير وتخفيض الرقابة على شروط العمل والانتاج وغير ذلك من التدابير المشجعة لنمو الرأسمال، أدت الى زيادة "أمركة" الانتاج بشكل محموم، اي تعميم وتسريع وتيرة عمل "كل شيء من اجل الربح السريع والكبير".