ارشيف من :آراء وتحليلات

’ضربة الشعيرات’ والأهداف الضائعة في صحراء الصراع

’ضربة الشعيرات’ والأهداف الضائعة في صحراء الصراع

لا ينكر أحدٌ على أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم قدرتها على الضرب أنَّى شاءت على امتداد جغرافيا الكرة الأرضية، ولا يمكن لقارئ في السياسة أن ينكر على الرئيس الأميركي "الغريب الأطوار" دونالد ترامب تفوّقه على نفسه وتمكّنه من مغادرة مرحلة الإستعراض الإنتخابي المفرط إلى مرحلة جديدة تعيد أميركا إلى سيرتها الأولى ما قبل حقبة باراك أوباما الإنكفائية بعد مرحلة إخفاقية لجورج بوش الإبن.

’ضربة الشعيرات’ والأهداف الضائعة في صحراء الصراع


ولكن ماذا بعد الرسالة العابرة لستاتيكو المواجهة العالمية القائمة في سوريا؟ وإذا كان ترامب باغت العالم على حين غرّة وضرب شعرة الوهن الأميركي بـ"ضربة الشعيرات" وفتح باب التحليلات على عدد شعر رأسه الأحمر من الاستنتاجات، فأي الإستنتاجات أولى بالأخذ بها؟، وما هو مدى استشعار مآل التطورات بعد الشعيرات؟، وهل وصلت الرسالة كما أرادها المُرسل، أم أن المتلقي سيردها بالمباشر أو بغير المباشر أو بالإحتواء؟.
جُلّ ما حققه ترامب هو القول للعالم، ولحلفائه المحبَطين في الحلف الأطلسي والعربي، إن بلاده ما زالت موجودة وهذا، أيضاً، ما لا ينكره عليه أحد، والأكثر أنه أراد أن يقول أنا أضرب في سوريا إذاً أنا موجود في الواجهة العالمية ومن باب المواجهة السورية الأكثر إشتعالاً وتعقيداً وتقاطعاً في راهن الصراعات. والوجود هذا ليس على أحدٍ من متابعي سيرورة الحرب السورية بجديد، فالأذرع الإستخبارية الأميركية حاضرة منذ اليوم الأول لبداية العبث الخارجي بالداخل السوري، ومنذ قيادة السفير الأميركي روبرت فورد، بشكل ميداني مباشر ومعلن، التظاهرات الشهيرة في حماة وحمص في العام 2011. وأيضاً لم يعد من شك في عقل عاقل أن الأميركي هو اللاعب الأساس في تخريب سوريا، والأدهى في محاولته فدرلتها وتقسيمها عبر الحضور العسكري المباشر من بوابة عين العرب وصولاً إلى منبج ومنها نحو الشرق السوري باتجاه الرقة وربما أبعد من ذلك.
الرسالة الأساس هي إذاً لشد عصب الحلفاء من دول إقليمية وجماعات إرهابية مسلحة تعرضت في الأشهر الأخيرة لهزائم قاسية في حلب ودمشق وحماة، وحتى هزيمة داعش في تدمر ليست عن رسالة الشعيرات القريبة جغرافياً ببعيدة. وربما تستطيع واشنطن أن تسوق عند حلفائها أنها أعادت رسم خطوط حمراء تتعلق باستخدام الكيماوي الذي لأجل استخدامه المفبرك السابق في الغوطة كادت إدارة باراك اوباما تشن حرباً مدمرة ضد سوريا في العام 2012، لكن الكيماوي المزعوم ما كان ولن يكون سلاحاً فعالاً في تغيير معادلة الميدان السوري، وهو لن يكون سوى ذريعة عليها تبني واشنطن مبررات تدخلها تلويحاً كما حصل مع اوباما أو تصريحاً كما حصل مع ترامب بعد المشهد التراجيدي في خان شيخون المُنتَج بخبرات هوليودية عالية الدقة.
عسكرياً لا قيمة فعلية للضربة في تغيير موازين القوى، وسوريا التي خسرت عدداً من مطاراتها العسكرية بفعل إجتياحات جحافل الإنغماسيين والإنتحاريين من الطبقة إلى منغ وأبو الضهور والجرّاح وتفتناز، لن يعيقها كثيراً، بالمعنى العسكري المجرد، خروج مطار إضافي من الخدمة مؤقتاً. أما معنوياً وسيادياً فموقفها إزاء عدوَّي الداخل والخارج تتجاذبه أولوية الرد على من يطعن في الظهر ويغرز سكينه باتجاه القلب السوري، أم على من يأتي من الخارج معتدياً أو راشقاً بالحجارة بين فينة وأخرى عبر غارة إسرائيلية تارة أو صلية من صواريخ أميركية جوالة تارة أخرى.

’ضربة الشعيرات’ والأهداف الضائعة في صحراء الصراع
مطار الشعيرات

قد يرى البعض في ضربة ترامب ضربة معلم، وقد يبني عليها الكثيرون أحلاماً وأوهاماً مفترِضين أنها حققت أهدافها في لجم اندفاعة السوري وحلفائه في الميدان، لكن الأمور دائماً بخواتيمها، فكما النتائج المعلقة بانتظار جديد الميدان السوري وتطوراته، ستبقى الكثير من التوقعات معلقة لأن من تعرضت له واشنطن لن يُعرِضَ عن هدفه باستمرار سحق الإرهاب، وأهداف ترامب في رسالته الإستعراضية لن يتحقق جزءُها الأكبر، وحالها حال الصواريخ ال 59 التي وصل منها إلى الشعيرات 23 صاروخاً، بينما 36 صاروخاً آخر، أي أكثر من النصف، تاهت مع الأهداف في بادية حمص كما الأوهام التائهة في صحراء الصراع المفتوح في سوريا.

 

2017-04-07