ارشيف من :نقاط على الحروف
الرصيف لِكلّ شيء ... ما عدا المارّة
تصوير: عصام قبيسي
من المعروف عالمياً أن الرصيف مساحة على جانبي الطريق، إنما وجدت كممر آمن للمشاة، من صغار وكبار وعجزة ومكفوفين ومقعدين.. وعادة ما يكون الرصيف مفصولاً عن الطريق المخصص للمركبات بارتفاعه عنها (من 10 إلى 20 سم) لتأمين الحماية للمارّة من خطر الدهس بالسيارات والمركبات ولتفادي تأذيهم بحوادث السير. وللهدف ذاته تُغرس بعض الأشجار على طرف الرصيف لتكون حائلاً بين المارة والطريق. كما يُعبِّر اتساع الرصيف عن الاستخدامات التي أُنشئ من أجلها، فيخصص جزء من الرصيف أيضاً للدراجات الهوائية وجزء للافتات هكذا إلى أن يصل الرصيف في بعض الأماكن إلى عشرين متراً يمكن حينها استغلاله لبعض الأعمال التجارية. ومن الملاحظ أن الرصيف يتواجد في المناطق المكتظة سكنياً.
في لبنان...الرصيف رهن المفهوم
نظرة على استخدامات الرصيف في لبنان، توجب هذه المرة لوم المواطن قبل رمي العتب على الدولة التي من شأنها هنا بعد إنشاء الرصيف أن تزيل التعديات عنه. التعديات الناتجة عن اختلاط مفهوم الرصيف عند البعض بين كونه حقاً عاماً أو خاصاً.
المتفق عليه أن الرصيف في لبنان يتقلص في الأماكن المكتظة _ حيث الحاجة إليه ملحة _ ويتسع في الأماكن "الراقية" غالباً. الرصيف موجود إذاً إلا أن الاستفادة منه متوقفة على مفهوم الناس للرصيف في المنطقة التي تعبرها.
الرصيف... مساحة تجارية
بينما تتقدم على الرصيف بأمان الله تفاجئك "كومة" من هياكل السيارات الصدئة. حدق جيداً! انتهى الرصيف وصرت في "صالة" لعرض كسر السيارات وقطع الغيار. ليس هذا وحسب. بل ثمة مصالح جمة يستفيد أصحابها من الرصيف دون وجه حق في معظم الأحيان. يصبح الرصيف بسطة كتب ومختلف أنواع البضائع، أو قِسماً من "سوبرماركت" رأى صاحبها - جذباً للزبائن- أن يضع الخضروات وبعض "ستاندات" السكاكر وبعض الأدوات المنزلية خارجاً.
كما يصبح صالة خارجية في مطعم لا سيما صيفاً توزع فيها الطاولات والكراسي ويستمتع الزبون فيها بالطقس المنعش مع النارجيلة. وأفضل من استغل الرصيف هم أصحاب معارض بيع أو تأجير السيارات فينشرون سياراتهم محتلين طريق المارّة دون أن يرف لهم جفن.
يقول الطفل أحمد ممسكاً بيد والدته: "منجي من المدرسة بالغصب ماشيين من التعب، منتعركش بالأغراض، كراسي هون وألعاب وقفاص خُضرة، في من كل شي عالرصيف".
في هذه الحالات عليك الاستغناء عن الرصيف والاتكال على الله والسير بالتوازي مع السيارات، لكن سرعان ما يؤشر لك سائقوها للتنحي جانباً لأنك تضيق عليهم الطريق. هنا عليك بالطيران كحل أفضل من أن تحشر نفسك بين رصيف "مشغول" وطريق ضيّق.
الرصيف جزء من الشارع.. وموقف
"إجا من ورايي مستعجل وضرب فيي، ما قدرت أهرب لأن من جهة الحيط ومن جهة الشارع والسيارات". هذا ما حصل مع رولا المتوجهة إلى جامعتها في منطقة الليلكي. كلام يختصر المشهد في مدن لبنان عموماً. الرصيف الضيق يتحول إلى جزء من الشارع، مع وجود الزحمة تستغله الدراجات النارية لتجاوز المركبات ولتفادي طول الانتظار بسبب الإشارات الضوئية.
سائق دراجة "الدليفري" أيضاً من أبرز محولي ممر المشاة إلى ممر "للطلبات" من النارجيلة إلى المأكولات.
ولا يتوقف الأمر على الدراجات النارية الصغيرة الحجم، "تضطر" أحياناً إحدى السيارات الرباعية الدفع أن تهرب من "العجقة" . يحصل ذلك مرات ومرات حيث لا تواجد لشرطي السير.
وفي ظل هذا الغياب أيضاً يُستغل الرصيف كموقف يتخذه فلان لسيارته لعدم امتلاكه موقفاً في مكان سكنه، أو يستغله آخر للتهرب من الدفع مقابل ركن مركبته في موقف مخصص لذلك.
معوقات أخرى
يا له من منظر جميل أن يُزين الرصيفُ بأحواض الزهور، لكن الأجمل من هذا أن يتمكن المارّ من العبور بسلام دون أن يُحشر بين الحائط والحوض أو بين الحائط وشجرة عملاقة رغم إفادتها وجمالها إلا أنها يجب أن لا تخفي معالم الرصيف.
تأخذ بعض اللافتات أيضاً جزءاً هاماً من الممر، وتكون أحياناً أكبر من الرصيف، يجعلك ذلك تمر من تحتها إن أمكن مع انحناءة بسيطة، كأنما هي قنطرة تنقلك من عالم إلى آخر!!
وعليك أن تفتح عينيك جيداً لكي لا تنزلق رجلك فليس كل رصيف جديدا. ثمة أرصفة أكل عليها الدهر وشرب وصارت حجارتها المرصوفة مكسرة ومتعرجة . "تباً لها لِمَ لا تجدد نفسها بنفسها" هكذا يقول أحد المارّة ساخراً. تجدر هنا الإشارة إلى أن هذا النوع من الأرصفة يعرض الكفيف والعجوز للخطر، وقد يجد صعوبة في المرور من يتنقل بالكرسي المتحرك أو الأم التي تجر عربة طفلها.
زد على ذلك، أنه استُحدِث في زمن أزمة النفايات نوع جديد من الأرصفة مخصص لها. الحاويات تفيض منها النفايات وتتبعثر إلى أن تصل ما بين السيارات. هنا عليك "العدول" عن هذا الرصيف إلى الرصيف المقابل. قد يفيدك ذلك للمرور ، لكن عبثاً تهرب من الروائح.
هذا هو حال الرصيف في مدن لبنان. يبقى أن الهدف الذي من أجله أُنشئ الرصيف غير محقق. والمشاة -الذين يعتبر الرصيف مساحة أمان لمرورهم- هم في خطر، وغالباً يجازفون بالسير في الشارع العام إلى جانب المركبات. أما في القرى فحضور الأرصفة خجول في حين أن الحاجة إليها هناك ليست بأقل إلحاحاً من الحاجة إليها في المدن.