ارشيف من :آراء وتحليلات
ما وراء الاحتجاجات الأخيرة في تونس
عادت بعض المدن التونسية الداخلية إلى التحرك للمطالبة بالتنمية بعد أن مضت 6 سنوات على سقوط ابن علي دون أن يتغير مستوى معيشة هؤلاء. بل أن غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار مقارنة بالسابق هو الذي بات طاغياً وجعل المواطن البسيط في هذه المناطق المحرومة في حيرة من أمره في عملية بحثه اليومية عن مخارج وحلول لمشاكل لا وجود لها في بلدان أخرى وتم تجاوزها منذ عقود.
ويبدو أن حرية التعبير التي تحصلت عليها النخبة التونسية والتصويت في انتخابات حرة ونزيهة الذي احتفلت به المناطق التي تعتبر محظوظة ومرفهة، لا تعني أبناء المناطق المهمشة في شيء. وتعتقد هذه المناطق المنكوبة أن ثورتها قد سرقت منها من قبل النخبة التي حولت مطالبها الاجتماعية بالتشغيل والعيش بكرامة إلى أخرى سياسية لا علاقة لها بها. ذلك أن هذه الجهات المحرومة لم تطالب بإسقاط النظام ولا بالديمقراطية التي كانت بالأساس مطلب أطراف خارجية استغلت الحراك الاجتماعي بالتعاون مع بعض النخب لقلب نظام الحكم دون أن تعير اهتماما للمطالب الاجتماعية.
من التحركات الشعبية في القيروان
القيروان تنتفض
ولعل اللافت في الاحتجاجات الجديدة أنها شملت هذه المرة مدناً عرفت بانخراطها عبر التاريخ في مشروع الدولة الوطنية وعدم نزوع أهلها إلى التمرد والعصيان على غرار حاضرة الإسلام الأولى في بلاد المغرب وعاصمته التاريخية العربية الإسلامية، مدينة القيروان. حيث تشهد هذه المدينة الهادئة ذات المكانة الروحية في قلوب التونسيين تحركات اجتماعية لافتة غير معتادة باعتبارها قد همشت منذ عقود وتراجع دورها التاريخي والحضاري منذ غزو بني هلال لإفريقية وحرقهم وتخريبهم للمدينة المقدسة.
ويطالب أهالي القيروان بالتنمية ولديهم قناعة راسخة بأن المدن والجهات التي تتمرد على الدولة هي التي يتم الالتفات إليها وتنال نصيبها من ميزانية التنمية المخصصة للجهات. ولهذه القناعة أسبابها فقد تحركت الحكومة منذ أيام وقدمت جملة من الإجراءات لولاية تطاوين أقصى جنوب البلاد والتي انتفض أهلها وأغلقوا الطرقات احتجاجا على أوضاعهم المعيشية المتردية ومثلهم فعلت جهات أخرى ووجدت استجابة من الدولة.
انتشار الفساد
والحقيقة أن لهذه الاحتجاجات ما يبررها باعتبار أن تونس ليست بلدا فقيرا ولها من الموارد ما يجعل شعبها المحدود من حيث عدد السكان بفعل سياسة تحديد النسل التي انتهجها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، يعيش في مستوى لائق ومرموق. لكن الفساد الذي ازداد بعد "الثورة"، وأقنع التونسيين أن الثوريين الجدد ليسوا أفضل حالا ممن سبقهم في حكم هذه البلاد وأن نهبهم للمال العام أتى على الأخضر واليابس، هو الذي يجعل التونسيين ينتفضون في كل مرة.
وفي هذا الإطار يعتبر مروان السراي الباحث في المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق في حديثه لـ"موقع العهد الإخباري" بأن تونس لو كانت بلدا فقيرا من حيث الموارد ما كان الشعب التونسي لينتفض باستمرار وبهذه الوتيرة اللافتة، لكن هناك قناعة بأن الأموال تذهب إلى جيوب المسؤولين السياسيين، ما يؤجج هذه التحركات الاجتماعية. فتونس برأي السراي "تمتلك موارد طاقة، وموارد منجمية ولديها فلاحة متطورة وتأكل مما تنتج ولديها سياحة وخدمات وصناعات كيميائية وتكنولوجية ونسيج وغيره، أي أن الاقتصاد متنوع ولا يتوقف على قطاع دون آخر وبالتالي فإن الخلل هو في هذا الفساد الذي استشرى أكثر بعد الثورة وفي التوزيع غير العادل للثروة بين الجهات".