ارشيف من :آراء وتحليلات

السباق الرئاسي الفرنسي إلى... المجهول

السباق الرئاسي الفرنسي إلى... المجهول

قبل الدورة الأولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة في 23 نيسان المقبل، تتباين نسب تأييد المرشحين في الاستطلاعات، لكنھا تجمع على أن الدورة الانتخابية الثانية ستنحصر بين مرشح الوسط الشاب إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. إذ تؤكد أرقام استطلاعات الرأي  تغيّر مزاج الناخبين الفرنسيين عبر ابتعادھم عن مرشحي القوى التقليدية التي تناوبت على الحكم في العقود الماضية.
ومرد ھذا التحول إلى الفشل المزري لليمين واليسار في معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد .

السباق الرئاسي الفرنسي إلى... المجهول


كذلك نجد تناقضاً بين وعود مرشحي الرئاسة تتراوح ما بين الدعوة إلى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي ("فريكزيت" على غرار "بريكزيت" البريطاني)، والدعوة إلى النقيض بمزيد من الانخراط الاقتصادي في أوروبا.
مثلا، تدعو مرشحة أقصى اليمين مارين لوبان صراحة إلى الانفصال وإلى مراجعة الاتفاقيات الأوروبية، ولدى لوبان خطط ترمي الى إخراج فرنسا من كافة دول الاتحاد الأوروبي بأسرع وقت ممكن. وبالنسبة الى اليورو تريد ھجره والعودة الى الفرنك الفرنسي بعد مرور ستة شھور حدا أقصى على تولي زمام الرئاسة. ويثير ذلك مخاوف لدى المستثمرين في القارة الأوروبية ولعالم المال والأعمال، نظرا لأن فرنسا تعتبر دولة حيوية في دعم استقرار الاتحاد واليورو معاً.
أيضا، اختار ميلونشون موقفا يدعم الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بينما يرغب ھامون في البقاء داخل الاتحاد الأوروبي في ظل شروط لن تقبل أي دولة أخرى عضو في الاتحاد بمنحھا لفرنسا. أما فيون، فيبقى موقفه غامضا حيال ھذا الأمر، لكنه يدعو لتوطيد العلاقات مع روسيا وإيران، ما يعني التحرك بعيدا عن الاتحاد الأوروبي...
على خلافهم  ماكرون يبدي حماسا كبيرا تجاه الاتحاد الأوروبي، ويقترح إنشاء حكومة أوروبية مشتركة تضم جميع الدول الأعضاء تتمتع بميزانية خاصة بھا، إضافة إلى برلمان أوروبي تشارك فيه دول منطقة اليورو فقط وھي 19 دولة، إضافة إلى العمل على توحيد السياسات الضريبية والاجتماعية.
والسؤال الأھم هنا، والذي سيحدد بشكل كبير مسار مستقبل الاقتصاد ھو من الذي سيحكم فرنسا في النصف الثاني من العام الحالي؟  
  أظهرت استطلاعات الرأي مؤخراً أنها تمنح مرشح اليمين فرنسوا فيون المركز الثالث بنسبة تأييد 17 %، ومن الصعب عليه أن يستعيد قواه مجددا، ومشكلة اليمين أنه لم يعد في استطاعته أن يراھن على مرشح آخر لأن فترة الترشح قد انتھت، فيما تراجع مرشح الحزب الاشتراكي بونوا ھامون إلى المركز الخامس بنسبة تأييد لا تتجاوز 12 %، وھو ما استفاد منه مرشح اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون الذي ارتفعت نسبة مؤيديه إلى 13.5 %.  
فيما يستمر مرشح الوسط إيمانويل ماكرون في التقدم. إذ تشير استطلاعات الرأي إلى تفوقه الكاسح على لوبن في الجولة الثانية بـ 64 % من الأصوات، وھذا يدل أن الشاب يحظى بدعم واسع سياسيا وإعلاميا وماليا ومرشح لأن يكون الرئيس القادم والأصغر سنا للجمھورية الفرنسية.
الخريطة الانتخابية الفرنسية لم تقف هنا، وإنما تمتد من التوجھات الرأسمالية إلى الاشتراكية، ومن مزيد من الانفتاح الخارجي إلى التركيز على الشعبوية والحمائية. فھذه المرة، يجري الترويج للشعبوية، إذ يعمد جميع المرشحين الرئيسيين إلى تبني مواقف مناھضة لحلف الناتو والولايات المتحدة مغلفة في إطار مناھض لترامب تحديدا. ويبدي كل من فيون ولوبان وميلونشون تأييدا علنيا لروسيا ويعدون بالتعاون بصورة أوثق مع الرئيس فلاديمير بوتين بخصوص جميع القضايا الدولية الكبرى. أما ماكرون، فإنه الوحيد الذي أعلن أنه لن يتعاون مع بوتين، بينما عارض ھامون سياسة موسكو القائمة على توجيه دعم غير مشروط للرئيس السوري بشار الأسد.
والرئيس الروسي فلاديمير بوتين  ظهر على شاشة الانتخابات الرئاسية الفرنسية ودخل على المشھد السياسي الفرنسي مرتين:
الأولى: كانت في معرض فضيجة جديدة أثيرت في وجه مرشح اليمين فرنسوا فيون، وھي قضية توسط فيون لتأمين لقاء على ھامش منتدى الأعمال الدولي في سان بطرسبرغ صيف 2015، بين بوتين ورجل الأعمال اللبناني فؤاد مخزومي مقابل مبلغ 50 ألف دولار. وبعدما تفاعلت ھذه القضية إعلاميا اضطر الكرملين الى التوضيح والقول إن بوتين لا يحتاج الى وسيط للقاء رجل أعمال.
والثانية، عندما التقى في الكرملين المرشحة الرئاسية زعيمة"الجبھة الوطنية" مارين لوبان التي تعتبر من السياسيين الأوروبيين الداعين الى التقارب مع بوتين الذي توجه إليھا بالقول: "من المھم تبادل وجھات النظر معك حول طريقة تطوير علاقاتنا الثنائية والوضع في أوروبا. أعلم أنكم تمثلون طيفا سياسيا أوروبيا يشھد تطورا سريعا".
الانتخابات الرئاسية الفرنسية تحولت إلى صراع بين مرشحين يمثلون مزيجا متنوعا من الآيديولوجيات بدءا من الماركسية التروتسكية وصولا إلى القومية الفاشية السرية، وفيما بينھا صور متنوعة من الأطياف الديمقراطية والليبرالية والكلاسيكية والمحافظة. كما أن الشعبوية أصبحت الصيحة السائدة في الديمقراطيات الغربية في الوقت الحاضر، حيث يحرص جميع مرشحي الانتخابات الرئاسية الفرنسية على أن ينھلوا من ھذا المعين.

 

2017-04-15