ارشيف من :أخبار عالمية
من قانا إلى كفريا والفوعة.. أطفالنا.. الأكثر معاناةً من الإرهاب
أطفال من كفريا والفوعا قبل الاستهداف الاجرامي
يلعلع صوت الرصاص والقذائف ثانيةً، فتلوذ بحضن والدتها وتظل ترتجف، تكاد تقضي فزعاً رغم أنها قابضة على منديل أمها المصبوغ ناحية الكبد بلون دم قانٍ، لونٌ بالكاد رأته من قبل، حين همست لها شقاوتها أن تفتح بمفردها علبة "سردين" صغيرة، وكانت الوالدة يومها هي المسعف. كان ذلك قبل أعوامٍ خمسة، وكانت لم تصل الطفلة بعد لسنتها الثالثة.
اليوم، هي لا تعرف عن إخوتها الثلاثة شيئاً، ولا عن والدها الذي عاد من منتصف الطريق، عندما فروا ليجلب النقود التي نسيَها في البيت. سمعت عن إخوتها أنهم ماتوا في أحد التفجيرات، والتفجيرات كثيرة، لم تقتنع بذلك فالجثث التي رأتها لا تشبه وجوه إخوتها بتاتاً. نادتهم مراراً بأعلى صوتها وبحثت عنهم في خيم النازحين دون جدوى.. أرادت إخبارهم -وهم الذين يكبرونها سناً- بأن على منديل أمهم لوناً غريباً، لا يشبه لون الجثث ولا لون جرح "علبة السردين"....
دائماً للأطفال الحصة الأكبر من المعاناة
هذه ليست قصة افتراضية، بل هي واقع يعيشه أطفال كثر في بلداننا العربية، أطفال أذهلت الحرب عيونهم وأخمدت وميض البراءة فيها. ولبدّت على ألعابهم غباراً كثيفاً، وراكمت على أحلامهم هموماً وهم لم يتجاوزوا عمر زهر الربيع.
في اليمن، سوريا، العراق، فلسطين، ليبيا.. لبنان وغيرها بلدان كثيرة يدفع الأطفال فاتورة إجرام الإرهابيين وثمن "ثوراتهم" العبثية وأخبارها المفبركة.
قانا.. لا تغيب عن الذاكرة
في هذه البلاد الغارقة في الحرب، دائماً للأطفال الحصة الأكبر من المعاناة. الإحصاءات دائماً تشير إلى أعدادهم المضاعفة مقابل أعداد الفئات العمرية الأخرى الأكثر وعياً لما يجري. يُقتل الأطفال، يَفتقدون أهلهم أو يُفتقَدون هم، يُشردون، يُختطفون، يُحاصرون، يُمنع عنهم الغذاء والرعاية الطبية، يعيشون على مناظر القتل والجثث، ويشهدون رغماً عنهم تفاصيل أعمال عدوانية إرهابية. وتنتهك لائحة حقوقهم "الطويلة والعريضة" التي تعترف بها الأمم جمعاء، في محضر صمتها المخزي.
أطفال .. الحرب
ويصل الأمر حين يتعرضون إلى غسل أدمغتهم إلى أن يصبحوا جزءاً من الحرب في صفوف الإرهاب. ويُستغلون لأهداف قتالية. إنهم في هذه الحالة ضحايا من نوع آخر.. يودعون طفولتهم، يرتدون الزي العسكري، ويحملون السلاح في الجبهات، أو يصيرون جواسيس أو يُستخدمون في العمليات الانتحارية أو كدروع بشرية.
هذه الظروف الإنسانية الصعبة يعيشها حوالي 15 مليون طفل عربي، حسب تقارير أعدتها منظمة اليونيسف، وهي حسب قولها معدلات مستمرة في الارتفاع.
أكثر ضحايا مجزرة قانا من الأطفال
واحد وعشرون عاماً ولم يتوقف نزيف دم الشهداء الأطفال في قانا جنوب لبنان، ولم تمح من ذاكرة من كُتب لهم البقاء على قيد الحياة أي من صور المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيوني في مقر للأمم المتحدة لجأ إليه الأهالي حينذاك. وما بين عناقيد الحقد الصهيوني والتكفيري أوجه شبه كثيرة. كأنما اليد واحدة والحقد واحد. أطفال كفريا والفوعة واسوا بالأمس أطفال قانا وباتوا بدمائهم البريئة شهوداً على الحقد الأعمى والهمجية والضغائن الدفينة في قلوب متوحشة. انتظر أطفال الفوعتين بفارغ الصبر وصولهم إلى الحافلات التي ستقلهم خارج حصار السنوات التي أنهكت أعمارهم، إلا أن الإرهابيين أبوا أن يخرجوهم إلا أشلاء ...
وكان على الأطفال في خان شيخون في سوريا أن يصدقوا أن هؤلاء الرجال جاءوا لخلاصهم من ويلات الحرب، وبالفعل هم خلصوهم، لكن على طريقتهم الوحشية. فبدل نقلهم إلى مكان آمن، تم القضاء على الأطفال بجرع زائدة من المخدر، وذلك وفق ما كشفته منظمة "أطباء سويديون لحقوق الإنسان". وتم تصويرهم على أنهم ضحايا هجوم بالكيماوي نفذه النظام في سوريا. بينما بالفعل كانت عملية قتل مصورة على أنها عملية إنقاذ.
في اليمن جوع وقتل وحصار
وفيما تتصدر السعودية –التي فرضت الحرب على اليمن- لائحة الدول الأكثر هدراً للطعام متجاوزةً ضعف المعدل العالمي لذلك، بحسب مركز "باريلا" للتغذية، يعاني آلاف الأطفال اليمنيين من المجاعة. الوضع الغذائي يقترب من نقطة الانهيار. يتسابق اليمنيون مع الزمن لإنقاذ أرواح أطفالهم ممن لم تقض عليهم الحرب بعد أن خسروا أرواحاً كثيرة.
السبت الأسود بحق أطفال واهالي كفريا والفوعا
أمثلة معاناة الأطفال لا تعد ولا تحصى، أطفال العراق أيضاً عانوا أكثر مما ينبغي ولا يزالون يرزحون تحت خطر الجماعات الارهابية حيث الخطف "دارج" بشكل أكبر. ويومياً نشاهد من خلف الشاشات كيف يواجه أطفال فلسطين غطرسة الصهاينة المدججين بالسلاح. ونسمع آلاف الآهات من الأمهات ممن سيق أطفالهن إلى السجون أو اتهموا بعمليات ضد الجيش المحتل.
شراسة الحرب أفسدت أجيالاً برمتها.. لم تبق من أمل في عيون أطفالنا الذين عكرت مستقبلهم وشوهت في عيونهم القيم الجمالية وهم يشاهدون هول المجازر. والأكثر إيلاماً أن تنطبع في ذاكرتهم آثار الدم، فيشبون في حرب تعلمهم التمييز بين أصوات الأسلحة المتنوعة بدل الاستمتاع مع ذويهم بأيام البراءة التي إن انقضت لا تعود.
لكم من المؤلم أن تنظر إلى وجوه الأطفال الجامدة، وضحكاتهم المثبتة خلف زجاج داخل إطار، وترى عيونهم التي كانت تتراقص في أبهى لحظات أعمارهم وفي لحظات سكبت ما سكبت من الفرح في قلوب الآباء والأمهات. أطفال كانوا الحلم لآبائهم فباتوا طيوراً في الجنة بإذن الله...