ارشيف من :نقاط على الحروف
عن أغراضنا الضائعة في الحافلات..’لا زالت الدنيا بخير’
من منا لم يسهُ يوماً للحظات ثم يهبّ باحثاً عن هاتفه الجوال فيجده في يده. حوادث النسيان كثيرة بكثرة همومنا والأفكار المختلطة في رؤوسنا. هذه هي أبسط الحالات التي تحدث في يومياتنا. لكن ماذا حين ينسى أحدنا هاتفه في سيارة الأجرة مثلاً أو يضيع منه شيء ثمين. لا شك أنه يستعر غضباً فالهاتف هذه الأيام لم تعد قيمته مقتصرة على القيمة المادية. يحشو الفرد منا هاتفه بالصور الخاصة والذكريات والملاحظات المهمة، ما يجعل فقدانه خسارة حقيقية.
لكن وبالرغم من الحديث عن زمن اللا أمان، لا زال هناك "أوادم" يثبتون بأمانتهم أن الحياة "إذا خليت خربت".
نسيان متكرر... وإحراج
لا تذكر حنان المرات التي نسيت فيها أغراضها هنا وهناك.. في أحد محلات الألبسة في السوق تنسى ما اشترته من المحل السابق، وعند "الدكنجي" تنسى دفتر الجامعة، وعند جارتها تترك سهواً معطفها.. وهكذا تعيد الجولة ململة "مخلفاتها". وما أسعدها حين يحالفها الحظ فيكون صاحب المحل قد احتفظ بأغراضها على أمل أن تعود.
آخر ما حصل معها كان منذ أيام. ضاع هاتفها الجوال ثم وُجد وهي لم تدرِ أبداً. علمت فيما بعد -بعد أن عادت إلى المنزل- أن سيدةً عثرت على هاتف في وسط الطريق. السيدة الأمينة أخرجت شريحة الهاتف (الخط) منه ووضعتها في هاتفها وأخرجت منه رقم هاتف أهل حنان المدون "البيت"، واتصلت لتعلمهم أنها وجدت هاتفاً. ثم اتفقت مع الأهل على مكان اللقاء وسلمتهم الهاتف. اكتشفت حنان حينها أن جوالها الذي ظنت أنها وضعته في محفظتها كان في حجرها وعندما نزلت من السيارة لشراء باقة ورد لصديقتها العائدة من السفر سقط الهاتف ولم تنتبه له. لم يقلق ذوو حنان على ابنتهم لأنها لم تكن المرة الأولى على حادثة كهذه.
حنان جربت كثيراً "مغامرة" فَقْد أغراضها، بينما كانت تجربة "أم جواد" مريرة. كان في الحقيبة التي تحملها أم جواد مبلغاً من المال هو قسط مدرسة ابنيها وكانت متوجهة مشياً إلى المدرسة لدفعه. وعندما وصلت وأرادت إخراج محفظة النقود من الحقيبة لم تجدها. أُحرِجت جداً أمام المدير ثم عادت أدراجها وهي في غاية الأسف والغضب. ما أسعف المرأة أن في الحقيبة فاتورة اشتراك "الانترنت". الرجل الذي وجد الحقيبة على الرصيف لم يفتحها بل سلمها لخادم أحد المساجد الذي بدوره فتح المحفظة ورأى المال الذي تحتويه، وعثر على "فاتورة الانترنت" فاستدل على "محل الانترنت" الذي أرشده إلى منزل أم جواد. لتكون خاتمة هذه القصة سعيدة مع عودة المال لصاحبته.
تحت المقعد الأخير
"يحدث أن ينسى الناس بعض الأشياء معي في الفان، لكن تلك المرة كانت فريدة من نوعها" بهذه الكلمات يحث محمد سائق الفان على خط بيروت-البقاع فضولنا لمعرفة ما جرى. وإليكم ذلك. وَضّبَ شاب من قاطني السكن الجامعي، يقصد البقاع، أغراضه تحت المقعد الأخير في الفان لنهاية العام الدراسي. من بين تلك الأغراض جهاز كومبيوتر محمول وأكياس كتب وطاولة صغيرة وحقيبة كبيرة. ثم صعد الشاب إلى جانب السائق، لكنه انزعج من السائق لتأخره في الانطلاق بغية استقطاب مزيد من الركاب، فنزل مستقلاً فاناً آخر ونسي كل أغراضه مع محمد. كأن جميع من حضر ذلك المشهد كانوا مخدّرين لم يذكر أحد أن للشاب "كومة" حاجيات لم يأخذها. ولانفعاله لم يذكر ذلك محمد إلا بعد أن وصل إلى بيته في البقاع. وعندما وقعت عينه على الأغراض اعترته الصدمة. وأخذ يجري اتصالات مع زملائه السائقين ومن كان معه من ركابٍ يعرفهم للتوصل إلى رأس خيط يوصله إلى الشاب "المستعجل". ولأن الشاب كان يبحث هو الآخر عن محمد عثرا على بعضهما من خلال المسؤول عن إدارة أدوار السائقين في موقف المشرفية (موقف لسائقي الحافلات في الضاحية الجنوبية) وذلك بعد أسبوع من الحادثة وكان كل شيء على حاله تحت المقعد الأخير.
لا شيء يعادل الخير وتأدية الأمانة وما يفوح من النفوس من طيبة وصفاء.. يثبت أمثال هؤلاء أن زرع الخير لا بد أن يؤتي أُكله وأن إعادة البسمة إلى الوجوه المتلهفة أمر غير صعب.. هذه القصص تبعث على التفاؤل والقول، رغم كل ما يمر علينا هذه الأيام: "إي بعدها الدنيا بخير"...