ارشيف من :آراء وتحليلات
تجاوزات اردوغان .. حماقات ومراهنات بائسة
قبل ما يقارب اربعة أشهر، توقع البعض في بغداد وانقرة، ان تفضي زيارة رئيس الوزراء التركي علي بن يلدريم للعراق، الى تحقيق انفراجات مهمة في مسيرة العلاقات المتأزمة بين البلدين منذ خمسة اعوام.
ولم تكن تلك التوقعات مبنية على معطيات دقيقة، ومؤشرات واضحة، بل كان يمكن وضعها في خانة التمنيات، او مايعرف بـ"التفكير الرغبي wishful thinking، لانه لا قبل الزيارة ولا خلالها، ولابعدها، برزت او لاحت في الافق رغبات او نوايا تركية حقيقية لمراجعة المواقف الخاطئة والسلبية حيال العراق.
توقع البعض ان تفضي زيارة رئيس الوزراء التركي للعراق، الى تحقيق انفراجات مهمة في مسيرة العلاقات المتأزمة
وفي ذلك الحين كتبنا في هذه المساحة مقالا تحت عنوان (بغداد وانقرة.. الى الوراء در)، خلصنا فيه الى ان تركيا غير جادة في تصحيح مسارات العلاقات مع العراق، لانها تجنبت الخوض في جوهر المشكلة، المتمثل بالتواجد العسكري التركي في الاراضي العراقية، وبدلا من ذلك راحت تتحدث في عموميات وشعارات لاوجود لها على ارض الواقع.
ولم يمر وقت طويل حتى ثبت بالدليل القاطع خطأ التوقعات المتفائلة التي خلقتها زيارة بن يلدريم، وصحة القراءات القائلة بأن المواقف والتوجهات التركية التأزيمية حيال العراق لم تتغير بعد، وليس هناك في الافق ما يؤشر الى انها ستتغير خلال وقت قريب.
ولعل تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لقناة "الجزيرة القطرية" في العشرين من شهر نيسان-ابريل الماضي، التي وصف فيها الحشد الشعبي بانه "منظمة ارهابية"، هي ذلك الدليل القاطع.
فأردوغان يعرف قبل غيره، واكثر من غيره، كيف تأسس الحشد الشعبي، ولماذا، وما هي ادواره ومهامه منذ تأسيسه قبل مايقارب الثلاثة اعوام وحتى الان.
ويعرف قبل غيره، واكثر من غيره، ان الحشد الشعبي كان من ابرز عناصر وأد الفتنة الطائفية في العراق، التي أججتها اطراف اقليمية ودولية ومحلية، كانت ومازلت تركيا احدها.
ويعرف اردوغان قبل غيره، واكثر من غيره، ان الحشد الشعبي هو الذي حاصر القوات التركية في معسكر زليكان بمدينة بعشيقة التابعة لمحافظة نينوى، ومنع انتشار وتمدد تلك القوات، مثلما كان مرسوما ومخططا لها داخل الدوائر السياسية والعسكرية في اسطنبول وانقرة.
من الخطأ ان ننظر الى تصريحات الرئيس التركي بحق الحشد الشعبي على انها مفاجئة، لانه في واقع الامر لم يأت بجديد، وانما كانت تلك التصريحات عبارة عن استمرار للنهج الخاطئ والمنحرف لسياسات انقرة، القائمة على اساس تكريس النزعات الطائفية، وبث الفتن، وشق الصفوف، ليس في العراق فحسب، بل في سوريا ومصر ودول اخرى، حيثما تمكنت تركيا من مد ايديها ووضع اقدامها.
تصريحات الرئيس التركي بحق الحشد الشعبي استمرار للنهج الخاطئ لسياسات انقرة
وكان من الطبيعي، بل من الواجب، ان ترد الحكومة العراقية بقوة على اردوغان، سواء من خلال البيانات الرسمية، او باستدعاء السفير التركي من قبل وزارة الخارجية، او البحث في اتخاذ اجراءات وخطوات مقابلة.
كيف يمكن اصلاح واقع العلاقات العراقية-التركية، بينما لا تتوقف انقرة عن ارتكاب الحماقات، الواحدة تلو الاخرى، وكأنها تريد ان تدفع بالامور الى الحافات الحرجة والنقاط الخطرة؟.
وقبل تصريحات اردوغان ضد الحشد الشعبي، كانت الطائرات التركية قد اخترقت الاجواء العراقية، وقصفت مواقع كردية بمنطقة الزاب، في الرابع عشر من الشهر الماضي، تحت ذريعة حماية امنها القومي من تهديدات حزب العمال الكردستاني(P.K.K)، ولم تعر انقرة اهتماما لردود الفعل العراقية الرسمية والشعبية الغاضبة. وهذا يعني انها تتحرك لتكريس نفوذها وهيمنتها وتمددها بعناوين طائفية وقومية، من غير الممكن ان تؤسس لارضيات ومناخات مناسبة للامن والاستقرار والتعايش، وانما من شأنها ان تفتح المزيد من الابواب للفوضى والاضطراب والحرب الداخلية.
في الواقع، تعكس السياسات التركية تجاه العراق ودول اخرى، ضعفا وارتباكا، اكثر منه قوة وتماسكا. فأردوغان وكبار رجال السياسة والعسكر في تركيا يدركون قوة الحشد الشعبي في معادلات الميدان، ويدركون انه بوجود الحشد لايمكن لهم تمرير اجنداتهم ومشاريعهم الطائفية، ولا فرض وجودهم العسكري.
بيد انهم ربما لايدركون ان التصعيد وفتح ملفات التأزيم، بدلا من البحث عن حلول وتفاهمات حقيقية وواقعية، سيفقدهم الكثير، لانه لن يرغم العراقيون على التنازل والخضوع والاذعان.
انتصارات الحشد الشعبي على تنظيم "داعش" الارهابي موضع ترحيب مكونات المجتمع العراقي
فالحشد الشعبي بات، بعد ما حققه من انتصارات على تنظيم "داعش" الارهابي، وما قدمه من تضحيات، وما سجله من مواقف، موضع ترحيب وقبول واحترام مختلف مكونات المجتمع العراقي بشتى عناوينهم وتوجهاتهم ومشاربهم، حتى تلك التي كان –ومازال-يراهن عليها اردوغان ومن يسايره ويدعمه ويسانده في اجنداته ومشاريعه الطائفية البائسة.