ارشيف من :نقاط على الحروف
بين خضرة وعين ماء: هذا مقام النبي يوشع(ع) في رسم الحدث البقاعية
تغدق عيناها دمعاً... تكفكفه لتكمل الدعاء ويعلو منها صوت أنين.. تتوسل وتناجي معتصمةً بكتاب الله بين يديها، تدعو بقلب يملؤه اليقين، وفي سريرتها حاجة لو لم تكن مؤمنة بتحققها هنا لما لجأت إلى هذا المكان... الى هنا حيث مقام نبي الله يوشع(ع) في بلدة رسم الحدث البقاعية جاءت أم عباس مؤملة شفاء ابنها المريض: "دائماً آتي للدعاء في هذا المقام وأدعو للجميع. اليوم جئت بحاجة خاصة علّها تقضى بإذن الله، فقد حصلت كرامات عديدة هنا وشفي مرضى من البلدة بعد زيارة النبي يوشع".
هذه الكرامات تشكل دافعاً أساسياً للحضور هنا لا سيما من العلماء.. وكأم عباس يحضر آخرون مصطحبين أطفالهم، تلك التي جاءت تبارك وليدها، وذاك الذي ينحني على الضريح مفرغاً ما يحمل في قلبه من كدر الحياة.
مقام النبي يوشع في رسم الحدث (شمالي بعلبك)
ويصف أحد علماء المنطقة الشيخ ماهر أمهز إيمان الناس بالمقام وصاحبه إيمانًا شديدًا، فهم "يوفون نذورهم فيه، يتعبدون الله متوسلين بنبيّه قضاء حوائجهم، ويعتبرونه ملجأهم، خاصة بما يلحظونه من استجابة للدعاء وقضاء للحوائج". ويشهد على ترسخ الإيمان بوجود نبي لله في المكان، الحضور الذي لا يُفتقد أبداً. حضور يزداد في المناسبات الدينية من ليلة الجمعة التي يُقرأ فيها دعاء كميل، إلى ليلة النصف من شعبان، وليالي القدر العظيمة التي يستمر إحياؤها حتى مطلع الفجر.
جمعية قبس لحفظ الآثار الدينية في لبنان بدروها دونت في تحقيقها حول مقام النبي يوشع كرامات "لا تعدّ ولا تحصى"، منها شفاء امرأة من آل العطار من بلدة شعت، سمعت صوت النبي يوشع طلب إليها وضع الماء في مكان الألم ومن ثم شفيت وعادت إلى الحركة بعد أن كانت عاجزة عن ذلك.
سهل البقاع وسلسلة جبال لبنان الغربية كما تبدو من المقام
في قلب سهل البقاع
على مقربة من بلدة شعت البقاعية، في بلدة تدعى رسم الحدث، وبين أكف طبيعة مفروشة بغطاء أخضر فتان، تتبرك المنطقة بوجود مقام، تؤكد الأخبار الواردة عنه أنه مقام نبي الله يوشع بن نون بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
وفيما أبدع الله من جمال، ترتفع عن المقام وإلى الشرق منه عين ماء جارية، تعد هي الأخرى بعد زيارة نبي الله(ع) مقصداً للناس للتنزه، فيصيبون بذلك تقربًا إلى الله بزيارة أحد أوليائه وترويحًا عن النفس قرب عين الماء.
وما بين العين والمقام بعض الحجارة المرصوفة فوق بعضها، تدل على سكن قريب جداً من المقام كان في زمن قديم. بينما في الوقت الحاضر جيران المقام يبتعدون عنه أكثر من 500م.
المقام تحول الى مقصد المؤمنين
الشيخ ماهر أمهز
بناء ومستلزمات متواضعة
يعبق المكان بالسكون والوقار وكل شيء فيه باعث على الطمأنينة. وإن كانت حاجة الحاضر هنا لم تأخذه على البكاء، لكن العبرة حتماً ستأخذه خشوعاً، وسيقشعر بدنه لرؤية الضريح الذي يصل طوله إلى أربعة أمتار. ذلك ما يترك في النفس علامات استفهام وانطباعاً حول حجم الإنسان وطوله في القدم.
المكان هنا يتسع للعشرات من الزائرين، فإلى جانب الغرفة الرئيسية التي تحوي الضريح الشريف، غرفة تطل على الضريح من خلال نافذة صغيرة، وغرفة ثالثة هي المدخل إلى الغرفتين.
مناجاة قرب الضريح الشريف
البناء المتواضع على ما هو عليه اليوم هو نتيجة عمل الخيرين الذين جمعوا التبرعات لترميم وتوسعة المقام بعد أن كان غرفة واحدة متواضعة البناء.
ولا تخفى على الزائر لمسات اهتمام موزعة في المكان. لوحات إسلامية منتشرة على جدران الغرف، طاولات للسجود للعاجزين عن السجود على الأرض، مدفئة، بطانيات وفرش أحضرت للقاصدين من مكان بعيد للإحياء والتعبد. ويساهم من يتردد إلى المقام في أعمال التنظيف والترتيب وإضافة شيء من الزينة في المناسبات الدينية. وفي المقام صندوق لجمع التبرعات لتحسين البناء كلما لزم الأمر. في حين أن المقام يحتاج إلى المزيد من الخدمات التي ستجعله أفضل حالاً لاستقبال الزائرين.
مقام يوشع بإثباتات شعبية ودينية
إلى مئات السنين يعود وجود مقام النبي يوشع (ع) بحسب الروايات الشعبية. الشيخ ماهر أمهز، ينقل "إجماع أخبار المعمرين أن القبر الشريف يعود لوصي النبي موسى (ع) وهو يوشع (ع)، إلا أن هذه الأخبار لا تحدد بالدقة الحقبة التي اكتشف فيها القبر"، ويشير الشيخ ماهر إلى أن "روايات دينية تذكر أن في سهل البقاع ضريحاً للنبي يوشع، ومن الكتب التي تورد ذلك كتاب للعلامة الشيخ عباس القمي".
روايات عدة أخبرها الزوار، منها أن اكتشاف القبر كان بعد أن رأى صاحب الأرض حينذاك وهو من آل العطار في منامه شخصاً يدله على الضريح ويطلب منه بناء مقام عليه، وعند البحث وجدت صخرة كتب عليها "هذا قبر يوشع بن نون"، وقد تم نبش القبر والعثور على جثة كانت لا تزال كما هي، وتضيف إحدى الزائرات من آل الحاج حسن أن أجدادها كانوا ممن ساهموا في اكتشاف القبر وأن "الشخص الذي وجد فيه كان مذبوحاً وكان لا يزال نحره يقطر دماً" (والله العالم). ومما يُنقل أيضاً أن كواكب وأنوارًا تسطع باستمرار حول الضريح، وأن الكثيرين من أهل البلدة شاهدوا ذلك بأم أعينهم لا سيما في ليالي الجمعة.
عين ماء جارية على مسافة قريبة من المقام
من هو يوشع بن نون (ع)؟
هو نبي الله يوشع بن نون بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعاً سلام الله. ويوشع هو وصي نبي الله موسى بن عمران (ع)، وحسب تحقيقات جمعية قبس فإن يوشع هو أيضاً ابن أخت النبي موسى.
وبحسب الروايات الدينية فإن يوشع هو أحد الرجلين اللذين أشارا على النبي موسى بدخول قرية الجبارين، حينما رفض الناس ذلك، كما تورد الآية 23 من سورة المائدة. ويوشع هو فتى موسى في قصته مع الخضر المذكورة في سورة الكهف الآية 60. وتذكر جمعية قبس أن النبي يوشع عبر مع موسى إلى فلسطين وشارك في حروبه. وبعد موت موسى حارب يوشع(ع) الكنعانيين في منطقة الجليل عند مياه "ميروم" فانتصر عليهم ولاحقهم إلى بلدة الصرفند.