ارشيف من :آراء وتحليلات
كيف تختلف النظرة حول فكرة المناطق الآمنة في سوريا؟
ليست المرة الأولى التي تتقدم فيها روسيا بمشاريع عملية بهدف حل الازمة السورية، وذلك من خلال وقف الحرب والدمار والدخول ضمن تسوية سلمية عبر مفاوضات واسعة وصريحة، وبعد كل جولة من المعارك التي يخوضها الجيش العربي السوري وحلفاؤه بمواجهة المسلحين (الارهابيين او شبه الارهابيين او المعتدلين)، وبدعم فاعل من القوات الجوية الروسية، كان الرئيس فلاديمير بوتين يتقدم باقتراحات ترمي للعودة، وفي ظل مناطق آمنة او مناطق يشملها وقف اطلاق النار او يشملها وقف الاعمال العسكرية، الى الهدوء والتفاوض والسير بتسوية سياسية بموافقة واشراك جميع الاطراف دون الارهابية منها، وكان التباين دائما ما يظهر في النظرة لهذه المناطق بين مختلف اطراف الصراع، حول التسمية والمفاعيل والمميزات والشروط وغيرها ...
من هنا جاءت التسمية في الاقتراح الاخير للرئيس الروسي بتحديد "مناطق تخفيض التوتر" بدلا من "مناطق آمنة"، وذلك بهدف إبعاد الاختلاف بالاساس حول مفاهيم التسمية، والتي طالما رأت فيها الاطراف المختلفة وكل حسب ما يريده منها، فرصة او مساحة لتنفيذ مخططات او اهداف او مآرب خاصة بها، وذلك على الشكل التالي:
بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية
كان الاميركيون يجدون في المناطق الآمنة، وحسب ما كانوا يشترطون للموافقة عليها، منطقة حظر جوي، تُمنع فيها الطلعات الجوية الروسية والسورية، وطبعا حسب ما ادعوه، بحجة حماية المدنيين، ولكن عمليا كانت ترى فيها الولايات المتحدة الاميركية فرصة لحماية المسلحين وتوفير الظروف المناسبة لهم عسكريا وميدانيا للتقدم وتوسيع سيطرتهم على حساب الجيش العربي السوري، الامر الذي سيفقد الاخير الكثير من نقاطه الايجابية ونفوذَه في المعركة الواسعة التي تشن ضده، والتي تلعب الولايات المتحدة الاميركية الدور الاساس فيها، خاصة وان العدد الضخم من المسلحين الذين كانوا يهاجمون وفي غير جبهة او عبر أحد مواقع الجيش العربي السوري، كان من الصعوبة مواجهتهم بفعالية من دون الدعم والتغطية الجوية المناسبة .
بالنسبة لتركيا
كانت تركيا ترى دائما في المنطقة الآمنة بقعة لشبه امارة مستقلة محمية لجميع المسلحين الذين يحظون برعايتها، والذين دعمتهم لتشكيل كتلة ضخمة للضغط على الدولة السورية، وهدفها طبعا هو إسقاط النظام والدولة وتنصيب رئيس وحكومة تدين لها بالولاء وتهيمن عبرها على سوريا حسب ما كانت تحلم دائما، وحجتها ايضا كانت بادعائها انه في وقف العمليات الجوية فوق تلك المنطقة الآمنة - والتي كانت لا تنادي الا بها فقط - والتي تلامس حدودها مع سوريا بعرض اكثر من مئة كلم وعمق يتجاوز خمسين كلم، سوف يفسح ذلك المجال بايواء المهجرين السوريين الهاربين من الحرب الداخلية، وسيتوقف اللجوء الى اوروبا، ودائما كانت تركيا تحاول اشراك نفسها في ادارة هذه المنطقة المقترحة من قبلها، بهدف ضمني يتعلق بالتحكّم عليها لمنع الاكراد من الحصول على كيان مستقل عبر التمدد بين شرق الفرات في عين العرب وتل ابيض والتواصل مع عفرين شمال غرب سوريا .
بالنسبة لسوريا وحلفائها
كانت نظرة الدولة السورية دائما لفكرة المناطق الامنة، وطبعا اشتركت ايران معها وحزب الله ايضا في هذه النظرة، ان المناطق الآمنة يجب ان تكون فرصة هدوء ووقف اطلاق النار، وكمرحلة اولى يجب ان تؤمن نقطة انطلاق للمفاوضات وللتسوية السياسية مع اشاعة جو من الثقة المتبادلة، وتؤسس للمرحلة الثانية والاساسية المفترضة، والتي يجب ان تسهم في عودة سلطة الدولة على كامل اراضيها وانسحاب جميع المعتدين الذين دخلوا لمحاربة سوريا، وتسليم الاسلحة واعادة الاعمار واطلاق عجلة الادارة والحياة من جديد، حسب التسوية السياسية والتغييرات الديمقراطية، والتي كانت دائما الدولة السورية جاهزة للسير بها بمعزل عن اي تدخل خارجي مهما كان شعاره او مصدره .
بالنسبة لروسيا
قد تكون روسيا ومن بين هذه الاطراف المذكورة اعلاه، في نظرتها للمناطق الآمنة، الاكثر توسعا فيما تهدف من ورائها، فهي، وكما تراها طبعا فرصة للسير بالتسوية السلمية التي تؤسس لاستعادة سيادة الدولة السورية على كامل اراضيها، بعد اشاعة اجواء الهدوء ووقف اطلاق النار وتعميم الثقة بين مختلف الاطراف، فهي تراها ايضا مساحة تصل عبرها الى مصالحها المتداخلة مع الاتراك ومع الايرانيين في الاستراتيجيا والاقتصاد المتبادل وفي الجغرافيا والثقافات المؤثرة عليها، وفي مصالحها المتداخلة الى حد الصدام الحساس مع الولايات المتحدة الاميركية في الحرب الباردة وفي السباق على النفوذ والسيطرة عبر العالم، وفي مواجهة الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي في تثبيت المواقف وفرض المواقع وتوجيه الرسائل.
واخيرا ... هل سيسلك مشروع هذه المناطق المقترحة بمختلف تسمياتها للتنفيذ، ان كانت مناطق آمنة او تخفيض توتر او تخفيض تصعيد، في ظل هذا التباعد بين الاطراف الرئيسية في الصراع على الارض السورية وفي الحرب عليها، ام ان التداخل في المصالح وفي النظرة وفي الاهداف وفي الميدان الملتهب بالمجموعات المختلفة في المناطق المقترحة سوف يعيق ويبدد امكانية سلوك ونجاح هذا المشروع، ويعود كل طرف الى المشروع الذي يرى فيه ما هو مناسب لاهدافه ومصالحه وتعود لغة الميدان تفرض نفسها، والتي قد تكون الانسب في حسم المواجهة وفرض الحلول وانهاء "الازمة - الحرب" في سوريا؟