ارشيف من :آراء وتحليلات
الاصطفاف الإقليمي يصل محطته الأخيرة
في رحلة الحرب الأمريكية على الدول "المارقة" وفقا للتعريف الأمريكي، اعتمدت أميركا سبلا متعددة ناعمة وخشنة لتحويل هذه الدول الى دول "معتدلة" صديقة، أو عبر السعي لتغيير أنظمتها بشكل كلي واستبدالها بنظم عميلة صراحة أو عميلة مواربة عبر ثورات ملونة.
ويبدو أن أميركا تصورت أن سوريا هي الحلقة الأضعف في سلسلة "الدول المارقة" وأنها عندما تغير النظام في سوريا فإنها تحقق عدة نجاحات وتصطاد غير عصفور بحجر واحد.
فلربما تصورت أميركا أن سوريا عندما تسقط فإنها بذلك تضعف "حلقة مارقة" أخرى هي إيران وبفقد التناغم السوري الايراني فإن حلقة أخرى سيضعف نفوذها وتتأثر مصالحها هي روسيا، وهكذا دواليك في مسلسل الحلقات "المارقة" وصولا للصين وكوريا الشمالية.
والمراقب للأوضاع الجيوسياسية العالمية يلمح توزيعاً للأدوار في حلبات الصراع الدولي المتعددة.
كما يلمح ايضاً أن روسيا لا تتصارع على الحلبة الكورية الشمالية مباشرة على غرار عدم تصارع الصين على الحلبة السورية مباشرة، فهناك ايضا توزيع للادوار في "الحلقة المارقة"، بحيث تدافع الصين عن محيطها الحيوي والروس عن محيطهم، فيما تترك المحيطات البعيدة لوكلاء وتصبح محلا للتنافس اكثر منه للصراع.
والشاهد ان منطقتنا هي حلبة صراع رئيسية وهي تشهد أيضا صراعا وتنافسا.
لا شك وان هناك تمايزات داخل كل معسكر من المعسكرين المتصارعين، وكلما ازدادت التفاصيل كلما ظهر هذا التمايز، فمعسكر المقاومة للمشروع الأميركي متمايز عن "معسكر المقاومة" اذا قيل إن المصطلح مجرد، وإن الروس والصينيين اطراف في معسكر المقاومة العام، اما المعسكر المقاوم للصهاينة فهو معسكر المقاومة الذي نعرفه والخلط بين المعسكرين يوقع الكثيرين في التباسات وحسابات خاطئة وربما ممارسات خاطئة.
من ضمن المراكز التي لم تعلن حسمها رسميا للانخراط في معسكر اميركا والمضي لنهاية الشوط به حتى اللحظة هي مصر.
وعندما نقول رسميا نعني انها لم تعلن ارتباطات واتفاقات تجعلها شريكة رسمية في الحرب على المقاومة.
وبصرف النظر عن شواهد كثيرة تدعو للاسف والادانة الا ان هناك شواهد اخرى تقول ان الحرب عليها ومن الاطراف ذاتها التي تحارب المقاومة تقول انها لم تنفذ حرفيا ما هو مطلوب منها وان هناك اشياء وراء الكواليس تجعل الصورة لا تزال ضبابية.
من يرى تسريبات جلسات الكونغرس الاخيرة، والتي من ابرزها تصريحات كاشفة تقول ان مصر لم تعد مهمة لاميركا بالأهمية التي كانت عليها أثناء عقد اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة، والتهديدات الصادرة بالكونغرس لتقليص المعونات لمصر والنقد اللاذع الموجه على خلفية اقتصادية وخلفيات حقوق الانسان، لا بد وان يستنتج جيدا انه رغم النوايا الاميركية وتوجيه انتقاداتها لاهداف بعينها الا ان الامور لا تخلو من حقائق كاشفة.
وليس مجال مقالنا هنا هو تقييم اداء النظام المصري اقتصاديا وحقوقيا، فهو حديث منفصل وله مجال آخر.
اما الشاهد أن أهمية مصر في المنطقة ودورها تراجع كثيرًا، وعلى حد قول الأصوات المنطلقة في الكونغرس، لم تعد مؤثرة لا في الصراع باليمن ولا سوريا والعراق ولا حتى في القضية الفلسطينية!
لا شك وان مهادنة مصر للسعودية في ملفات المنطقة جعلت من دورها دوراً ثانوياً وتكميلياً، أضعف فرصها حتى في معونات الغرب والتي دشنها السادات عندما راهن على دعم الغرب مقابل التنازل عن قضايا مصر العربية.
كل ما نود قوله وقبل المؤتمر الاميركي السعودي وإعادة احياء "الحلف الإسلامي" وتشكيل ناتو "عربي/سني" بالتعاون مع الصهاينة للحرب على المقاومة، ان مصر لا ينبغي لها ان تكون طرفا في هذا الحلف، لأن الحلف هذه المرة جاد ولا تجدي معه المناورات والمراوغات.
فلربما وضع "الاسم" في حلف العدوان على اليمن تختلف متطلباته عن حلف امريكي بقيادة رجل أعمال لا ينفق دون انتظار أرباح.
ولن يجدي مع ترامب وابن سلمان وكل المؤتمرين في الرياض مجرد توقيع بالحضور، وانما هم وهذه المرة منتظرون لأفعال حتما ستتناقض مع عقيدة مصر العسكرية والسياسية والدينية ايضاً.
ما نقوله صراحة هذه المرة هو أن ساعة الحقيقة قد حانت وحان وقت الاعلان الصريح عن التوجه وعن المعسكر دون مواربة، وان كان هامش التلاعب في معسكر المقاومة للامريكيين الكبير والشامل والذي يضم روسيا والصين وكوريا الشمالية وفنزويلا ومن معهم في امريكا اللاتينية يسمح ببعض المواقف الرمادية الى حين، فإن الهامش مع معسكر المقاومة للصهاينة لم يعد يسمح بشيء لان المواجهة على الارض وشيكة.
المطلوب من مصر هو ما يتطلع له الشرفاء والغيورون عليها وعلى دورها وهو نداء اقرب لنداء الفرصة الأخيرة لإنقاذها من التوريط المراد لها.. ونأمل باسم جميع الشرفاء أن يكون هناك من هو عاقل ورشيد ويستجيب لنداء انقاذها.. أما المقاومة فهي تعرف طريقها وتعرف كيف تنقذ نفسها.
(*) كاتب عربي من مصر