ارشيف من :نقاط على الحروف
بأيّ حال عدتَ يا رمضان
مرت أعوام طويلة جداً، ربما منذ تحوّل الخلافة الأموية في الأندلس إلى ولايات ودويلات، قبل أن يشهد شهر رمضان ما يشهده اليوم من تشرذم وتفرّق الأمة، وتحوّل معظم دولها إلى أتباع للأميركي الذي لم تر منه هذه الأمة سوى أشكال العدوان وسياسات التقسيم والتفرقة، وزرع بذور الفتنة والخلاف السياسي والعقائدي والثقافي فيما بينها.
لو وضعنا خارطة الدول العربية أمامنا وتأمّلناها، "من بغدان إلى الشام" وأبعد، و"من المحيط إلى الخليج" وما بعد بعد، لأوجع القلب ما تشهده هذه الدول من تدخل خارجي سافر، ومن ظلم داخلي رسمي واضح، ومن تدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، تدهور هذه الأوضاع كلها في بعض الدول، وبعض هذه الأوضاع في دول أخرى. فتونس ما تزال تحاول لملمة أوضاعها بعد الثورة على الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وليبيا قد تصبح "ليبيات، والميليشيات تتصارع فيما بينها، وتتصارع مع الجيش الرسمي، والنفط عنوان واضح حيناً ومستور حيناً آخر في هذه الصراعات الليبية، والدول الغربية تعمل على حجز مناطق وميليشيات لها، ومصر تعاني من الإرهاب في سيناء، والقتل والإرهاب يستنزف طاقة الجيش المصري، الذي يستشهد ضباطه وعناصره يومياً في المعركة مع الإرهاب التكفيري، بينما تشهد الدولة مشاكل سياسية واقتصادية كبرى، والسودان الذي كنا نعهده داعماً للمقاومات العربية صار سودانَين، ويشارك القسم العربي منه في قصف المدنيين في اليمن، بعد أن كان ممراً للسلاح إلى المجاهدين الفلسطينيين في غزة.
أما سورية، فلها الله وشعبها وجيشها وحلفاؤها القليلون، بعد أن تكالبت دول العالم، عرباً وأجانب، ضدها، وبعد أن حشدت هذه الدول كل إرهابيي العالم وأرسلتهم "للجهاد" فيها. في وقت يتعرض فيه اليمن لكل أنواع الإرهاب الوهابي الأميركي الإسرائيلي العربي الغربي منذ أكثر من سنتين، ويُقصف شعبه بالسلاح المحرم وغير المحرم، وفق المصطلح الدولي، وكأن قتل الإنسان بسلاح غير محرم عمل جائز، فلم يبقَ بناء على حاله ولا مستشفى ولا مسجد ولا مدرسة، كما لم يبقَ ضمير عالمي يطلب من الدول المعتدية وقف إرهابها وقتلها للمدنيين العزّل.
أما فلسطين، فمنذ زمن ليس بالقريب تخلى عنها الكثيرون من الزعماء العرب، وها هم معتقلوها بعد 41 يوما من الاضراب لا يسأل عن أخبارهم أحد من الزعماء والمسؤولين العرب، المشغولين بلقاء الأحمق الأميركي المشغولين بلقاء الأحمق الأميركي ترامب ومتابعة أخباره، وتقديم أشكال الرضوخ له، في سلوك دنيء حقير لم يفعله أي زعيم آخر في التاريخ، تجاه أكثر رؤساء الولايات المتحدة كرهاً للعرب والمسلمين وحباً للعدو الصهيوني.
على هذه الحال يطل علينا شهر رمضان المبارك هذا العام، حال الذل والخنوع الرسمي العربي، أما الشرفاء من أبناء الأمة، من مواطنين ومقاومين، فهم صنّاع العيد المشرق الذي لا شك آتٍ، وإن طال هذا الليل البهيم.