ارشيف من :آراء وتحليلات
أين تكمن خطورة سيطرة ’داعش’ على ’النصرة’ في جرود عرسال؟
بالمبدأ، لا تختلف جبهة النصرة عن داعش لناحية السلوك الإرهابي بشكل عام، أو لناحية العداء الكامل للدولتين السورية واللبنانية وما اقترفتا من جرائم إرهابية على العسكريين والمدنيين على السواء، او لناحية النظرة المشتركة للتنظيمين حول القتال المستميت عقائدياً واستراتيجياً ضد حزب الله، أو ضد غيره من المكونات الحليفة لسوريا والمناهضة للارهاب والتكفير، ولكن ما الذي يجعل من سيطرة داعش على النصرة أكثر خطورة من العكس، وذلك في الجرود الشرقية للبنان والمتاخمة للحدود مع سوريا في قارة والجراجير وغيرها من مواقع ما زالت في تلك المنطقة خارج سيطرة كل من الدولتين السورية او اللبنانية؟
ميدانياً
بعد ان خسر تنظيم داعش أغلب مواقعه في الداخل السوري، شرق دمشق باتجاه الحدود العراقية، أو ما بين طريق دمشق - حمص وباتجاه البادية شرقاً، وحيث ابتعدت مواقع سيطرته الحالية الاقرب في شرق تدمر مئات الكيلومترات عن الجرود الفاصلة بين الحدود اللبناية - السورية، و باتت مواقعه في تلك الجرود مفصولة بالكامل ومنعزلة، فهو بحاجة ماسة لتوسيع اماكن سيطرته غربا وامتلاك نقاط تربطه مع مخيمات اللاجئين السوريين في جرود عرسال، والهدف طبعاً، بالاضافة للحاجات اللوجستية الضرورية، هو تأمين تواصل أقوى وأسرع مع خلاياه النائمة أو الناشطة في عرسال وفي المخيمات المذكورة، وربما في الداخل اللبناني حيث لا شك انه ما زال يملك بعضا من هذه الخلايا، والتي تظهر من وقت لوقت في سياق تحقيقات وتوقيفات دائمة يقوم بها الجيش اللبناني او الاجهزة الامنية الاخرى، الامر الذي لا يشكل هدفاً حيوياً بالنسبة لجبهة النصرة حيث تواصلها مع الداخل اللبناني غرباً مؤمناً تقريبا بشكل اقوى من داعش، وانتشارها موجود عمليا بشكل أوسع لاعتبارات داخلية لبنانية معروفة .
عقائدياً
نظرا لطبيعة تركيبة تنظيم داعش العقائدية، والتي أظهرت أغلب حركات المبايعة او تغيير الانتماء لدى مجموعات المسلحين التكفيريين، ان "تنظيم الدولة" هو الأثبت تقريبا في هيكليته التنظيمية، وفي التزام عناصره العقائدي، وفي قدرته الأوسع على استيعاب الارهابيين، وهذا ما يعطيه القدرة على استقطاب الكثير من تابعي التنظيمات الاخرى ومنها النصرة في لبنان او في سوريا، و خاصة في جرود عرسال فيما لو سيطر ميدانياً، الامر الذي سيؤدي حتما الى نجاحه في استقطاب واستيعاب الكثير من عناصر جبهة النصرة والذين يقاتلونه حالياً في تلك الجرود، وبالتالي سيصبح أقوى ميدانياً وعددياً.
سياسيا
من خلال ما يدور الحديث عنه حاليا حول مشروع تسوية يقضي بانسحاب عناصر جبهة النصرة الى الداخل السوري، إسوة بالعديد من التسويات التي حصلت بين المجموعات المسلحة والدولة السورية، على كامل خط ريف دمشق الشمالي الغربي حتى الحدود مع لبنان، وحيث من الواضح ان حزب الله يضغط باتجاهها مقدما التسهيلات الممكنة في ذلك مع الجيش العربي السوري، بشكل يؤدي الى توسيع سيطرة كل من الدولتين اللبنانية او السورية في تلك الجرود شرق عرسال، مع ما يمكن ان يستتبع ذلك من حلول لعودة قسم مهم من اللاجئين السوريين في جرودنا الشرقية الى قراهم في سوريا، فان مشاريع الحلول هذه ستكون غير واردة بتاتا في ظل سيطرة عناصر داعش على مواقع ومراكز النصرة كما ذُكر اعلاه .
من هنا، ربما يمكن استنتاج و فهم خلفيات وابعاد قرار الجيش اللبناني السماح بإخلاء مصابي جبهة النصرة الى الداخل، ومعالجتهم في مستشفيات لبنانية بقاعية، أولا، طبعا لان الجيش اللبناني يتقيد بقوانين الحرب وبالقانون الدولي الانساني، وثانيا لانه في عدم السماح بذلك ربما رأى ان هذا قد يساعد على سيطرة داعش على النصرة، او على حصول شيء من استسلام عناصر الاخيرة للتنظيم الارهابي داعش، في ظل عجزها عن معالجة العدد الكبير من مصابيها، ومواجهة داعش المستقتل للسيطرة على مواقعها في نفس الوقت، بالاضافة لنقطة مهمة واساسية تأخذ الطابع الامني والاستعلامي والقضائي، وتقوم على القرار الواضح لدى الجيش اللبناني بضرورة متابعة جرحى النصرة، خلال او بعد الانتهاء من معالجتهم، وذلك من الناحية الامنية والمعلوماتية، والتحقيق معهم وتوقيف من يجب توقيفه منهم، استنادا للمعطيات الامنية والعسكرية التي تملكها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني.