ارشيف من :آراء وتحليلات
’نصف تونس’ وراء القضبان: هل يكمل الشاهد الحرب على الفساد؟
لا حديث في تونس هذه الأيام إلا عن الحرب على الفساد التي يخوضها رئيس الحكومة يوسف الشاهد، والتي أطاحت ببعض الرؤوس دون أن تطيح بأخرى. فقد لقي الشاهد تأييداً شعبياً منقطع النظير، لكنه تأييد مشروط بالمواصلة في هذا النهج الذي فاجأ التونسيين باعتبار أن الشعور الغالب هو أن الدولة في تونس باتت ضعيفة ولا قدرة لها على محاربة الفاسدين والقطط السمان.
و لعل اللافت أن الحملة استهدفت شخصيات من الحجم الثقيل على غرار أحد رجال الأعمال المقربين من نجل رئيس الجمهورية، والذي يحتفظ أيضا بعلاقات وطيدة مع القيادي في فجر ليبيا وتنظيم القاعدة سابقا عبد الحكيم بلحاج. و لم يتصور أحد أن يتم القبض على رجل الأعمال شفيق جراية باعتبار علاقاته في الداخل والخارج وسعة نفوذه وتغلغل أعوانه في شتى مؤسسات الدولة.
الوضع الليبي
ويربط بعض المحللين بين هذا السقوط المدوي لشفيق جراية، الذي اعتقد في السابق أنه يملك نصف تونس، باعتبار ارتباطاته بالحزبين الحاكمين النداء والنهضة ولديه نواب ووزراء موالون له، و بين ما يحصل في ليبيا من انحسار لنفوذ التحالف الإخواني مع تنظيم القاعدة تحت مسمى فجر ليبيا باعتبار العلاقات الوطيدة بين شفيق جراية وعبد الحكيم بلحاج. فالأخير على ما يبدو قد أصيب في المعارك الأخيرة مع قوات حفتر والتي شهدتها العاصمة طرابلس، كما يرجح أن بلحاج فر إلى تركيا للعلاج وأنه وضع تحت الإقامة الجبرية.
وللإشارة فإن قائمة المقبوض عليهم ضمت أسماء أخرى من الحجم الثقيل أيضا على غرار أباطرة التهريب وقيادات من الصف الأول للديوانة (الجمارك). وينتظر أن يتم رفع الحصانة على نواب في البرلمان ليتم تتبعهم من قبل النيابة العسكرية باعتبار وأن القضاء العسكري هو الذي يتولى مهمة ملاحقة هؤلاء.
لقي الشاهد تأييداً شعبياً منقطع النظير
هيبة الدولة
ويرى آخرون أن السبب الكامن وراء هذه الحملة غير المسبوقة في تاريخ تونس الحديث هو استفزاز جراية لرموز الدولة التونسية ومؤسساتها. حيث صرح في وقت سابق في إحدى القنوات الخاصة الأكثر مشاهدة في ربوع الخضراء أنه لا يخشى أحدا في هذه البلاد بمن في ذلك رئيسا الجمهورية والحكومة والقضاء، وهو ما استدعى، بحسب البعض، تدخل الدولة العميقة للحفاظ على هيبتها.
وتؤكد التهم الخطيرة التي تم على أساسها القبض على شفيق جراية هذه الفرضية و منها استهداف أمن الدولة والتخابر مع جيوش أجنبية وغيرها وهي تهم إن ثبتت قد تؤدي بصاحبها إلى المقصلة. لكن استهداف آخرين من الحجم الثقيل مع جراية لم يستهدفوا هيبة الدولة يعطي الإنطباع بأن الأمر يتعلق فعلا بمحاربة فساد وبسعي جدي في هذا الإطار خاصة وأنه تمت مصادرة أملاك من تم القبض عليهم في هذه الحرب غير المسبوقة التي يقودها رئيس الحكومة الشاب يوسف الشاهد.
اعتقد جراية أنه يملك "نصف تونس" باعتبار ارتباطاته بالحزبين الحاكمين النداء والنهضة ولديه نواب ووزراء
صندوق النقد الدولي
و يرى محللون بأن الشاهد مكره ومضطر لملاحقة الفساد والفاسدين باعتبار الحالة المزرية التي وصل إليها الاقتصاد التونسي بعد ما تسمى "الثورة". فصندوق النقد الدولي ربط دعمه للاقتصاد التونسي بمحاربة الفساد وأكد في تقاريره أن لا مجال لنهوض تونس مجددا دون حرب حقيقية على الفساد ودون إصلاحات حقيقية للإدارة والقوانين تقضي على البيروقراطية والإجراءات الإدارية المعقدة التي تعيق الاستثمار المحلي والأجنبي على حد سواء.
و يلقى الشاهد في هذه الحرب دعماً داخلياً واسعاً من قبل كثير من الأحزاب السياسية (باستثناء الحزبين الحاكمين النداء والنهضة وهي مفارقة عجيبة)، وتشترط كثير من الأطراف على الشاهد ملاحقة المتورطين في إرسال الشباب التونسي للقتال في سوريا مع الجماعات الإرهابية وأيضا ملاحقة الأحزاب السياسية التي لديها تمويلات خارجية مشبوهة لمواصلة دعمه في هذه المهمة الصعبة والشاقة غير المسبوقة في تونس وربما في بلاد العرب.