ارشيف من :آراء وتحليلات
مصر والإرهاب والمعركة المنقوصة!
يد الإرهاب الدنسة التي تتحين كل فرصة سانحة للنيل من مصر ووحدة شعبها هي يد لا تتحرك بمفردها وانما بإشارات ودعم ومعلومات وهي لا تنفصل عن منظومة الارهاب الذي يضرب استقرار سوريا والعراق ولأهداف واحدة قوامها الدولة القومية الجامعة للتنوعات والعمل على تفتيت السلطة المركزية (ايا كان توجهها) لصالح سلطات متناثرة بهدف التقسيم وهو الهدف الذي يصب في النهاية لصالح "شرق أوسط" مفتت يسمح بقبول "اسرائيل" كدولة طبيعية وككيان ديني او طائفي او قومي الى جانب الكيانات الاخرى الناتجة عن التقسيم على اسس دينية وطائفية وقومية.
فلسفة مشروع التقسيم ليست غائبة والعمل الدؤوب عليها خرج من منظومة السر والطرق الملتوية والممهدات الى منظومة العلن والطرق العسكرية الصريحة والمتممات.
ولولا المقاومة لكان الشرق الأوسط المراد اميركيا وصهيونيا رأى النور واتم نجاحاته، وهو ما يفسر حدة الهجمة على المقاومة.
العملية الاخيرة بمصر والتي شهدت هجوما مأساويا على مدنيين عزل في رحلة حج دينية بالمنيا، وما تبعها من اجتماع امني مصري، وتحرك عسكري لضرب معسكرات ارهابية في ليبيا يحمل بشارات للأمل وفي ذات الوقت يحمل اشارات عليها علامات للاستفهام تلقي ببعض الشكوك والريب او على الاقل تجعل المعركة منقوصة!
ولعل الحديث لا بد وان يحمل كثيرا من الصراحة وعدم التحسس لان منطق المرحلة وخطورتها لا يتحمل صورا ضبابية او مزيدا من الالعاب البهلوانية.
ولنبدأ بالخير وبشائره والعلامات المضيئة:
فقد افرزت كلمة مصر في القمة الامريكية السعودية والتي اشتهرت على غير الواقع بالقمة الامريكية العربية الاسلامية، رؤية مصرية واضحة ومتمايزة، اهم ما جاء بها ان محاربة الارهاب لا يجب ان تقتصر على تنظيم دون اخر، وان محاربة الارهاب تشمل منظومة متكاملة فكرية ودينية الى جانب المواجهة العسكرية، وكذلك لا يصح تجاهل القضية الفلسطينية اثناء الحديث عن الحرب على الارهاب.
ما جاء بالرؤية وفقا للعناوين فهو محل اجماع واتفاق طالما لم تذكر تفاصيل تحمل في طياتها بذور تناقض مع العناوين .
كذلك التحرك العسكري المصري لضرب معسكرات الارهاب هو تحرك محمود على طول الخط طالما استهدفت الطائرات المصرية معسكرات حقيقية للارهاب، وطالما كان ذلك التحرك ممنهجا ومخططا داخل اطار عام يحمي الامن القومي المصري والعربي.
اما بوادر الريبة وعلامات الاستفهام التي نقصدها فهي متمثلة فيما يلي:
التنسيق مع السعودية وامريكا والامارات وهي دول راعية وممولة للارهاب لا يتسق مع حرب معلنة ومفتوحة على الارهاب يراد للشعب الاصطفاف بها ولا سيما مع غياب اي نوع من التنسيق مع القوى الحقيقية التي تحارب الارهاب.
كذلك التزامن مع الخلاف الذي خرج للعلن بين قطر والسعودية، وهو خلاف بيّن لكل المتابعين سبقه اقتتال بين الفصائل الارهابية الموالية لكل من قطر من جهة وللسعودية والامارات من جهة اخرى، ولكن تزامن اعلان الخلاف وفجائيته وعلامات اخرى تظهر ان له اصداء في واشنطن بتزامن حملة امريكية موازية على قطر، ثم حدوث العملية الارهابية في مصر، يقول ان هناك ما يشي بانها انتقام مباشر من المحور الاخر، ولعل خروج الطائرات المصرية لضرب اهداف في ليبيا معروف انها موالية لقطر يؤكد هذا.
وما يقلقنا هنا ان تكون الضربات تنفيذا لاستراتيجية جديدة مفادها مجرد تصفية قطر وفصائلها لصالح تربع المملكة السعودية على عرش المنطقة وجعل الفصائل الارهابية مملوكة لها حصرا!
وللتوضيح ولابراز دقة ما نطرحه، فاننا لا نقول ان مصر وجيشها يقومان بحرب بالوكالة عن السعودية، ولكن ما نخشاه ان يكون هامش التحرك المصري المتاح هو هذا الهامش الذي لا يمس مباشرة بفصائل السعودية وامريكا، وانما يتقاطع مع استراتيجية تصفية قطر للصالح السعودي فقط!
ومما يقلقنا داخليا في مصر ان الارهاب والتحرك المصري المضاد له يراد توظيفه اعلاميا من بعض الجهات ومن المنافقين لترميم شعبية الرئيس دون التفات لاصلاح حقيقي للاوضاع التي تآكلت معها هذه الشعبية بفعل سياسة الاقتراض من الصندوق الدولي وشروطه المجحفة، وبفعل سياسات اقتصادية يبدو النظام مصرا عليها برغم المعاناة الشعبية، وايضا بفعل فراغ سياسي ناتج عن تجريف للحياة السياسية المصرية.
كل ما نوده ونرجوه هو ان نستغل الحرب الحقيقية المعلنة على مصر لتوحيد الصف المصري وللتنسيق والتوحد مع القوى المقاومة الحقيقية، وان تستغل المعركة للاصطفاف واقامة اقتصاد حرب واعلان سياسة مستقلة عن المحور الامريكي السعودي، وهو ما سيخلق تعبئة حقيقية تنقذ مصر من ازمتها.
اما وان تستمر سياسات مهادنة للامريكان وللسعودية وسياسات الاقتراض من البنك الدولي الحامي والراعي للرأسمالية العالمية التي توظف الإرهاب لمصالحها، فهي حرب فاقدة للمصداقية وغير مكتملة للعدة واهمها عدة الوحدة لمواجهة المشروع الاستعماري.
ان حديث ترامب عن "أطفال" المنيا واطفاء برج ايفل لانواره تضامنا، واستخدام جوجل لشارة حداد من اجل المنيا وتلوين مبنى بلدية "تل ابيب" بلون العلم المصري كلها اشارات بغيضة تشي بنوايا مشاركة ومتدخلة وربما لهدف عنوانه حماية مسيحيي مصر، وهو تدخل مرفوض من كل وطني مصري، وربما اعلان مصر الدائم عن الثقة في ترامب وانه جاد في محاربة الارهاب يساعد امريكا وقوى الغرب والصهاينة على تحركات كهذه ويزيد من اطماعها، وعلى مصر ان تحذر في تصريحاتها وان تلتزم الدقة فيما تعلنه وان تعيد صياغة مشروعها المقاوم على اسس راسخة خالية من التناقضات قبل فوات الأوان.
(*) كاتب عربي من مصر