ارشيف من :آراء وتحليلات
معركة الحلف السعودي ضد قطر.. إرهاصات شرق أوسط ترامب الجديد
"اشتدي يا أزمة تنفرجي".. هكذا يقال، تفاؤلاً بأن تصاعد الأزمات وتراكم المصائب ما هو إلا مؤشر على قرب الحلّ والانفراج وزوال المشاكل، ولكن هذا المثل لا ينطبق على ما يجري من خلاف وتناحر بين الشقيقتين اللدودتين السعودية وقطر، وقد لا تتناسب قاعدة "إن مع العسر يسراً" مع المجريات المتدحرجة على صعيد الخلافات المتنامية بين الجارين الغريمين والتي تستعرّ توتّراً يوماً بعد يوماً.
السعودية جاهزة لتكون بوابة تحقيق مشروع ترامب
لا تظهر الأجواء الراهنة أملاً في أي تقدّم بشأن تغيير إيجابي أو حصول هدنة في الخلاف السعودي - القطري المتجدّد، ودخلت الإمارات العربية المتحدة دائرة الخلاف بشكل مباشر على خط تأييد السعودية ضد قطر، كما لا يبعد أيضاً أن يتم إقحام مصر في خضم الأزمة، لا سيما أن الشرارة التي يعتمد عليها السعوديون في عناوين الحملة على قطر كانت قد وردت على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال كلمته في قمة ترامب بالرياض، حيث دعا إلى اقتلاع جذور الإرهاب الذي يتمثل في الأخوان المسلمين وضرب داعميهم، دون أن يسمّيهم، وفُهم من كلام السيسي أنه يقصد كلاً من تركيا وقطر بشكل رئيس ومباشر.
ولا بد من الملاحظة بأن الحرب الإعلامية الراهنة بين السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة ثانية ليست كسابقاتها أبداً، فهي تتنامى كل يوم بوتيرة مستعرّة، ووصلت الاتهامات، ولا سيما السعودية منها الموجّهة لقطر، إلى حد التخوين والسعي لتفريق أبناء الصف العربي الواحد، وعدم الانتماء إلى الهوية العربية أصلاً، ومن غير المحتمل أن تنجح الكويت في القيام بدورها المعهود كإطفائي لنيران الحرائق، التي غالباً ما تشتعل بين أعضاء النادي الخليجي بين فينة وأخرى.
سعي سعودي لتصحيح الجغرافيا
إن من يطّلع على التحركات السياسية والدبلوماسية للمسؤولين في الكيانات العربية المعنية، ومن يراقب المسار المتصاعد للخطاب الإعلامي على صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، يدرك أن ما يتم "فضحه" بعد التعتيم عليه سنوات وسنوات، والسياق الذي تجري فيه الأمور، ليس مجرد خلاف على حدود، أو ممرات تجارية، أو على حصص نفطية، وليس مجرد اعتراض أو ردة فعل على موقف من هنا أو تعليق من هناك، بل هي معركة "كسر عظم" لا سيما أنها دخلت مناطق "محرمة"، وباتت المسألة تتصل برفض أصل وجود الآخر، لا سيما مع تواتر التحليلات التي تحدثت عن سعي سعودي قديم - جديد لإعادة "تصحيح" الجغرافيا في المنطقة العربية، ما يفرض إجراء تعديلات على رسم الحدود وتالياً إلغاء كيانات وصهر ممالك وتذويب إمارات وتغييب زعامات ومحو مشيخات.
إسرائيل عنوان اتهام !
اللافت في "خطاب التعرية" الذي يستخدمه أطراف الخلاف هو الاتهام المتبادل بالتبعية والعمالة لـ"إسرائيل" والسعي لضرب القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية للعرب والمسلمين، وهذا الاتهام يسوقه الإعلام القطري ضد الإمارات، من خلال التركيز في البرامج التلفزيونية على العلاقات المتطوّرة بينها وبين "إسرائيل"، ومنها إقامة خط طيران مباشر بين دبي وتل أبيب والسماح للمستوطنين بالسفر إليها دون تأشيرة دخول، وفتح سفارة في أبو ظبي..، وهو الاتهام نفسه الذي يوجّهه الإعلام السعودي لقطر كاشفاً دلائل على التعاون القطري - الإسرائيلي، فضلاً عن تحميل قطر مسؤولية الفوضى التي جرت في الوطن العربي تحت عنوان "حقوق الإنسان"، ولم تكن إيران بعيدة عن تصنيفها كواحدة من محاور وأدوات "الصراع السعودي - القطري"، لتصبح إيران في هذا المورد على طرف مماثل مع "إسرائيل" كعنصر من عناصر العداء لأمة العرب.
رسم كاريكاتير انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي
خطاب سعودي جديد لمصلحة ترامب
هل ما يجري من تمزّق على الساحة العربية - الخليجية يأتي نتيجة ردات فعل ونكايات آنية تكبر على وقع مزاد المواقف السلبية؟ أم أن كل شيء معدٌّ مسبقًا والهدف مرسوم ومحدد والكل كان ينتظر جرس البداية؟ أم أن لا أحد من المستغرقين في مستنقع النار الترامبية يعلم إلى أين ستصير الأمور؟! بدأت كل الأطراف تستخرج الفضائح من مستودعاتها السياسية لاستخدامها في القصف الاعلامي العشوائي، ولا يفكّر أحد بما سينقشع عنه غبار المعركة، ويبدو أن الحلف السعودي ماضٍ في تنفيذ ما هو مرسوم، بالتوازي مع ترويج خطاب سياسي خطير يخدم التوجهات الترامبية بالاستفادة من "التنّور" القطري الملتهب، وليس مهماً أن تنشأ إمارات جديدة أو تنقسم ممالك أو تندثر، فكل "التفريخات" الخليجية جاءت لأهداف وغايات، ومن فرّخها يعيد جمعها أو يفرّخ كيانات أخرى.
مخاض شرق أوسط جديد
كل ما يجري معدّ سلفاً والكل ينفذ - سواء استوعب ما يجري أم لم يستوعب - ولكل لاعب دوره ووظيفته، وبعيداً عن كل التحليلات التي تنبأت بمحيط عربي جديد، فقد أطلق ترامب إشارة تكوين الشرق الأوسط الجديد وهذا التكوين يحتاج إلى متطلبات أساسية ليتحقق، أهمها:
• إشعال بؤر توتر في العالم العربي لإلهاء الشعوب وإشغالها عن الملفات الأساسية التي تعنيها.
• الإيغال أكثر في تثبيت حالة التماثل والتوازي بين إيران و"إسرائيل" كطرفي عداوة للعرب والمسلمين.
• تكريس سياسة المحاور بين العرب وإيران من خلال فصل عامودي حاد بين جبهتين عربية وإيرانية.
• الترويج لـ"محور شرّ" جديد كمقدّمة لتشكيل محور عربي - أمريكي - إسرائيلي تحت عنوان مكافحة الإرهاب الشيعي - الداعشي.
هذا ما يجري اليوم، وحسناً تفعل إيران كما لبنان وسوريا بالنأي عن هذه الاستثارات الإعلامية، وبالتالي النأي عن التورّط بأي موقف تجاه هذه المملكة أو هذه الإمارة، ولا نستبعد في المدى المنظور انطلاق الدعوات لفرط الجامعة العربية ودعوة السعودية إلى تشكيل مجلس دول خاص بها تتزعّمه وتفرض شروط الانضمام إليه.. العالم العربي ماضٍ إلى مزيد من الشرذمة باتجاه تشكيل محاور النار، وكل ما يجري من حراك إعلامي ليس سوى لزوم التمهيد والإخراج.