ارشيف من :نقاط على الحروف
أحيانا الإمام... ثم غفا
"هيا يا شعوب العالم المستضعفة جميعاً، انهضي واستردي حقك ولا تخافي عربدات الأقوياء لأن الله معك، والأرض إرث لك ووعد الله لا يخلف". ( من أقوال الامام الخميني "قده")
ثائر لا يكلّ..ثورة لا تهزم
وجاء من أقصى المدينة.. بطهر الأولياء، وحُلم الأنبياء، ساعياً للحق، لمحو الظلم وزلزلة الطغاة وإحياء الدين القيّم. وكان سعيه جهاداً وثورةً وكلمات حق في وجه السلطان الجائر.
لم يكن بمقدور أي حر في إيران، في ظل حكم المتجبر الشاه محمد رضا بهلوي، ألا تذعن روحه لكلمات الثائر روح الله الموسوي الخميني (قده) . كلماته الخارجة من لُبِّه عن غاية في اليقين والأمل بأن "نحن قادرون"، وأن من سار إلى الله.. صدقَ وعدُ الله له. الثائر القادم من عمق الفكر والفلسفة والإسلام الأصيل. والمفعم عشقاً ورفقاً وعزيمة وبصيرة، والحامل في ذاكرته ما رُوي له عن مواقف أبيه (الذي اغتيل لدفاعه عن حقوقه وحقوق أهل منطقته في مواجهة الإقطاعيين وعملاء الحكومة آنذاك). وما رآه بأمّ عينه من الحروب.
وثق الشعب الإيراني بشخصية الإمام الخميني (قده) وحكمته وقراراته واستثنائيته. فصار أباً لكل شعبه بعد عمر من اليتم عاشه كلاهما.
بقوة إيمان الشعب واتكاله على الله تعالى كان لا بد للثورة التي فجرها الإمام (قده) في النفوس أن تحقق أهدافها، نظراً لارتكازها على مبادئ تحتاجها الشعوب بفطرتها. كان منها إشراك الفرد في قضايا الأمة، والخروج من زاوية الأهداف الخاصة إلى العمل من أجل الجميع. ثم العمل على توحيد كلمة الأمة بربطها بقائد واحد.
هذه المبادئ التي تصلح كمنظومة للجميع دون استثناء، بالإضافة إلى قدرة الإمام الخميني على تحقيق الأهداف التي وضعها، جعلت من شخصيته محط تقدير واحترام العديد من القيادات السياسية والدينية في أنحاء العالم، وجعلت منه نموذجاً قيادياً بإجماع عدد من المفكرين والمنظرين من توجهات مختلفة. فكان "رجل العام" 1979 كما سمّته "مجلة التايم" الأميركية آنذاك، ولا يزال رمز الثورات وملهمها حتى اليوم.
قائد فذٌ.. هكذا يراه العدو والصديق
استجمع الإمام الخميني (قده) آراء الأضداد، وعلم القاصي والداني أن الأيام والأزمان ستثبت أن أبعاد هذه الشخصية لم تدرك جميعها بعد. من هنا قد لا تميز في ما قيل عن الإمام بين أقوال أعدائه ومحبيه.
ففيما كان يرى أعداء الإمام (قده) أمثال وزير خارجية أميركا الأسبق هنري كسينجر أن الإمام "جعل الغرب يواجه أزمة حقيقية في التخطيط. لم يستطع أحد التكهن بقراراته بشكل مسبق. كان يتحدث ويعمل وفقاً لمعايير أخرى. إن معاداته للغرب نابعة من تعاليمه الإلهية، ولقد كان خالص النية في معاداته أيضاً"، قال البابا جون بول الثاني زعيم الكاثوليك في العالم "إنني دائماً أدعو لكم ولقائدكم. فمن الواجب التحدث حول ما فعله في بلاده وفي جزء واسع من العالم باحترام كبير وفكر عميق".
كما أجمع المفكرون على تميُّز شخصيته وإنجازه. فاعتبر المنظر الأميركي إلفين تافلر أن الإمام الخميني "شخصية بارزة بدأت نهضةً وستغير في المستقبل حركته هذه ساحة الأفكار الإنسانية ومكانة حكومات الدول وسلطة الحكومات الوطنية". وكان للمفكر المصري والعربي فهمي هويدي قناعة بأن الإمام "حقق الانتصار للمستضعفين.. وأثبتت أقواله أن الدين عنصر مؤثر وفعال في تحريك الشعوب، على عكس الذين ادعوا أن الدين أفيون الشعوب وعامل على خمولها وضعفها".
وعن حجم وأهمية إنجازات الإمام قال الفيلسوف الإسلامي آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي "إنا نحتاج لقرنين على الأقل حتى نقف بدقة على ما تركه الإمام من تأثير على المجتمع البشري". رأي شاطره فيه رفائيل كومزيار المراسل الإسباني الشهير حيث قال: "من الصعب الإحاطة حالياً بأبعاد شخصية الإمام الخميني، والأمر قد يتطلب سنوات طويلة فقد أوجد الإمام الخميني تغيراً أساسياً في أسلوب نضال العالم الثالث ضد الاستعمار الاقتصادي والعقائدي للعالم الغربي وصولاً إلى الإستقلال والحرية " مضيفاً أن "أهمية حركة الإمام تنطوي في كونها أثبتت أن حرية وتنمية العالم الثالث لا تتحقق دون نبذ الأفكار الفردية والأنانية الغربية".
... ثمّ غفا
حق لهذا "القطب العظيم، الذي لم ينبض مشرقنا بمثيل له منذ عهد طويل" -كما قال الكاتب اللبناني سليمان كتاني- حق له عام 1989 أن يغفو إلى الأبد "بقلب هادئ، وفؤاد مطمئن، وروح فرحة، وضمير آمل بفضل الله" (آخر ما تلفظ به الإمام حين وفاته). فكان له قبل ثمانية وعشرين عاماً، يوم وداع أخير. يوم أدهم من السواد وأعمق من الحزن وأشد من الحسرة. فهب للوداع أكثر من عشرة ملايين شخص من محبيه الذين لطموا صدورهم ووجوههم ألماً لفراق الروح التي أيقظت الحياة في جسد الأمة.
لكن إيران ومن يسير ملتزماً نهج الإمام الخميني (قده) ما برحوا يلمسون حقيقة أقواله وتجلياتها على الأرض. وها هي إيران دولة قوية لها دورها ووزنها في الساحة الدولية، تهابها أميركا وتحسب لها دول العالم ألف حساب. تشهد على ذلك صور الجنود والضباط الأميركيين راكعين أمام رجال البحرية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لذلك وبفضل الإمام الخميني (قده) ها "نحن قادرون"..