ارشيف من :آراء وتحليلات
قوارب النجاة لن تنتظر طويلا!
هناك مثل عربي يُقال بصياغات متعددة ولكن مجمل صيغته هي "اذا اختلف اللصوص ظهر المسروق"، ولصوص الحلم العربي بالتحرير والمقاومة والعيش بكرامة من انظمة الخليج وعائلاته المالكة والمسيطرة على ثروات شعوبه اختلفوا على وقع الهزيمة القاسية التي ألمت بهم في الميادين المختلفة التي أنفقوا ثروات الشعوب عليها لصالح الصهاينة والأميركان وعلى رأسها الميدان السوري.
لم تكن تخطر بأحلك كوابيسهم سوادا ان تكون نتائج جهدهم واجتهادهم في التفريط في الاخلاق والمبادئ والشرف العربي مأساوية وتنقلب عليهم وبالا بفضل المقاومة والصمود في الميادين السورية والعراقية واليمنية.
والآن وقد اختلفوا بفعل الهزيمة والعار الذي لا بد وان يحمله طرف من الاطراف باتوا متنازعين يحمِّل كل منهم الاخر التهمة والعار وظهر المسروق جلياً وهو التنافس في خدمة الصهاينة والاميركان، حيث يتبارى كل منهم في فضح الآخر بتهم التطبيع الخفي والعمل والتنسيق ضد الاخرين مع الادارات الصهيونية والاميركية.
نعم ان المسروق هنا هو الاستقلال الوطني والكرامة العربية والعمل لصالح التحرر ولصالح الشعوب خدمة للعروش وصيانة للدور الوظيفي لخدمة الاستعمار والذي كانت منه النشأة وبه تكون الممارسات واليه ستؤول النهايات المأساوية ان اجلاً او عاجلاً ولو ان العاجل أقرب للواقع.
من المفارقات ان ذكرى 5 يونيو/ حزيران أو ما عرفت بالنكسة يتزامن هذا العام مع العاشر من رمضان وهو ذكرى نصر اكتوبر/تشرين.
ومن المفارقات اللافتة والملهمة ان ما تبع النكسة في العام 67 كان مسار الانتصار والمقاومة وما تبع الانتصار في العام 73 كان مسار التفريط والهزيمة!
فكان على اثر الهزيمة في جولة يونيو 67 ان هبت مصر وهب العرب للمقاومة واصلاح الاخطاء، وبعد ايام بدأت المقاومة وبدأ استنزاف العدو وشهدت مؤتمرات العرب لاءات الشرف التي عرفت باللاءات الثلاث "لا صلح لا تفاوض لا اعتراف"، وأدى هذا المسار الى العبور والانتصار في جولة اكتوبر 1973.
الا ان المسار الذي أعقب يوم العبور ولم ينتظر تحقيق التضحيات أهدافها هو الذي قاد الى ما نحن فيه، حيث انحرف المسار الى الصلح والتفاوض والاعتراف وبدأ رسمياً من مصر إلا ان رعاته بالخليج كانوا دائما في الخلفية وهم الآن من يقود المسار لأسوأ انحرافاته وأكثرها دونية!
الوضع الراهن يشكل أزمة ولكن ليست للمقاومة فهي ماضية في طريقها بثبات، ويشكل حيرة ولكن ايضا ليس للمقاومة فخياراتها محسومة.
هناك ازمة خليجية تكاد تعصف بمجلس التعاون الخليجي والقائم على اسس واهية وبغرض وحيد هو الإعلان بأن القرار الخليجي واحد وليس متباينا وانه حصرا سعودي، وهو ما تجاوزته الاحداث حيث التباينات الخليجية كثيرة، منها ما هو متعلق بعدم الاقتناع برشادة القيادة السعودية والخوف من جنون سياساتها ورعونتها وحمقها، ومنها ما هو منافس لخلفيات اخرى قد تكون قبلية اكثر منها سياسية، ومنها ما هو طموح ينزع لاستلاب القيادة ويرى في نفسه دهاء واستطاع امتلاك ادوات واوراق اخرى تخرجه من منظومة السمع والطاعة للسعودي.
هذه الأزمة يخطئ كثيرا لدرجة الخطيئة من يرجعها لمبادئ، فالجميع مرهون عرشه بالغرب وله دور وظيفي يؤديه، وانما صراع داخل بيت الطاعة الواحد، وقد تتفاوت التقديرات في مصيره وهل سيتم تداركه ام سيصل الى منتهاه بانقلابات أم بنهايات اخرى، الا ان طبيعته لا يجب ان تختلف التقديرات حولها.
كما ان أمريكا أيضا مأزومة وتفضح مراكز دراساتها ازمتها بتقديرات متفاوتة للتعامل مع الاقليم وتعكس حيرة واختلافات في السياسات المقترحة للتعاطي الأمريكي مع الاقليم وتحديدا مع ايران، إلا انها ايضا خلافات في الوسائل والتكتيك ولكن خطها الثابت هو العداء للمقاومة والتباين في كيفية المواجهة من حيث الاحتواء ام الحرب.
نحن اذن في طور تشكيل عنوان للصراع وصياغة معلنة فقط، فبينما يريدها السعودي "طائفية" والتركي "فارسية" والمصري "أمن خليجية"، يريد الامريكي صيغة توفيقية تضمن له التدفقات النقدية السعودية دون خسارة اطراف اقليمية متحالفة معه ودون مواجهة مباشرة مع ايران والمقاومة.
وسيجرنا الحديث دائما لمصر لأن الموقف المصري يستطيع تلافي كوارث اقليمية بل وذاتية داخل مصر نفسها ان اعتدل في مسار القضية العربية والاسلامية والتقط دوره الطبيعي في صياغة الصراع واطرافه بين طرف غاصب وطامع في الاقليم لديه انظمة وظيفية صهيونية من جهة ورجعية عربية تتلاقى مصالحها مع الاستعمار وبين شعوب الامة المغتصبة حقوقها والمقاومة التي لم تلقِ سلاحها دفاعاً عن الامة وشعوبها وقيمها من الجهة الأخرى، ومن هنا تصاغ التحالفات والتناقضات والعداء ومن هنا تصاغ السياسات والتوجهات.
ان هذا الدور الوازن الذي لا نمل من استدعائه كفيل برأب المزيد من الصدع وحقن المزيد من الدماء، كما انه كفيل بتوحيد الصف المصري الداخلي لانه يضفي مصداقية على المعركة المصرية المعلنة والتي تعيق تناقضاتها الاصطفاف المطلوب.
في هذا الطور الذي يتشكل لصياغة الصراع ان لم تشارك مصر بصياغته فسيفرض عليها دورا لن تستطيع التملص منه او المناورة حوله، لانه دور سيفرض عليها استحقاقات من غير المعلوم مدى ما ستحدثه من شروخ في الخارج والداخل ان تناقض مع هويتها وما هو مأمول منها.
وان الانتحار الحقيقي هو ممارسة دور مناقض أو الانجرار لسياسات متعارضة وهذا المفصل التاريخي هو الأصعب لان مفصل كامب ديفيد كان في ظهره شعب لا زال موحدا ولا زالت لديه فتوة ووعي وقوى سياسية لازالت لديها بقايا حياة ووجدان قادر على الحماية وفصل ما هو رسمي عما هو شعبي، ودولة قوية تستطيع استعادة الامور لنصابها، اما الان وفي هذا المفصل فلا شيء ساند ولا وازن، وانما عودة مصر كي تكون مصر هو الامل الوحيد لاستعادة الوحدة والوعي والوجدان والفتوة والدولة في الداخل وهو الامل في اعادة الاعتبار للاحترام خارجيا حتى من الاعداء.
ان الموج يزداد علوا وفرص القفز من السفينة الغارقة تتضاءل، هل تستطيع مصر القفز واللحاق بقارب النجاة؟