ارشيف من :آراء وتحليلات

في ذكرى النكسة.. الوعي ليس وحيًا

في ذكرى النكسة.. الوعي ليس وحيًا

 أحمد فؤاد (*)

بالتأكيد أغلب المؤمنين بـ"عبد الناصر" كتجربة وطنية ملهمة، في تمحورها حول مصر كوسيلة وهدف في الوقت ذاته، دار في أذهانهم سؤال: لماذا كان الانقلاب الساداتي المأساوي بالسهولة التي تم بها تغيير ملامح المجتمع المصري وطمس هويته الحضارية؟!

في ذكرى النكسة.. الوعي ليس وحيًا


ولأن الإجابات المرتكزة على سياق السؤال تبدو الأقرب للعقل والمنطق، وبالتالي فالحل في تجربة "ناصر" نفسه، التجربة التي بدأت في 1952 مع انطلاقة الثورة متئدة، في شكل سياسات إصلاح زراعي شبه ثورية، تأسست على حس إنساني لدى "ناصر" بالأغلبية المسحوقة تحت نير الإقطاع، ثم استكملت التجربة نموها بالخبرة المكتسبة والتعلم المستمر نحو طريق الاشتراكية، وبداية السير خطوات عملاقة إلى الاستقلال الاقتصادي، الذي بدأ في الترسخ كحقيقة واقعة على الأرض المصرية مع منتصف الستينيات، وبلورت مصر –عبد الناصر الانتماء إلى مشروع وطني تحرري عظيم، بل وقادت دولا عديدة حول العالم في نفس الطريق المعاند للتبعية للمراكز المالية العالمية، ونشطت في القيام بدور الريادة بين كل من سعى لامتلاك قراره الحر، والاعتماد على التنمية الاقتصادية كأساس لتدعيم استقلاله الوطني.
في البداية تعرضت مصر لحملة حصار اقتصادي عقب فشل عدوان 1956، ثبت فشلها. والغريب إنها ساهمت في اعتماد مصر سياسة تنمية متمركزة حول ذاتها كأساس للخروج من فخ الحصار، وجاءت الخطوة الثانية بالعدوان الأمريكي الصهيوني في 1967.
أحدثت النكسة أهدافا سياسية عدة للطرفين القائمين بها، أهمها إضعاف تماسك النظام المصري وكسر هيبته على المسرح الدولي، وبالتالي تآكل جاذبية نموذج الخروج على طاعة الكاوبوي الأمريكي، كما أضاف عبء احتلال سيناء استنزافا للطاقات في معركة التحرير.
لكن إدخال مصر حظيرة الأنظمة التابعة وتدجينها لخدمة الإمبريالية لم يتحقق، رغم كل ما جرى وبذل من جهود ورسم ونفذ من مؤامرات، والفضل أولا لشعب وعى طريقه ورأى حجم ما وضع له من عقبات وأن التنازل عن الكرامة الوطنية لا يقاس بخسارة معركة تعد حدثا عارضا في حياة أمّة، امتهنت كتابة التاريخ وصناعته، وأثبت المصريون في خروجهم يومي 10 و11 يونيو/ حزيران مدى صلابتهم وعظمة جيل استحق حاكما واعيا بإمكانات بلده وقدرة شعبها.

في ذكرى النكسة.. الوعي ليس وحيًا
أسرى عرب (اردنيون وفلسطينيون..) تحت حراب الاسرائيلي في القدس


تبقى مأساة عبد الناصر الكبرى في أمرين، أولهما غياب التنظيم السياسي المستند لقواعد شعبية يتأثر بها ويؤثر فيها بعيدا عنه، والثاني أنه لم يُمكّن للتغيرات الاجتماعية بالعمق والعنف الكافيين، فبقي كل ما حدث قائما بوجوده حتى مؤسسات الدولة ذاتها ظلت تدور في فلكه .. وربما ترجع المشكلتان إلى شخصيته وتأثر الجماهير به، وحجم الثقة الشعبية الأسطورية فيه.
ما الذي حدث بعد سبتمبر/ ايلول 1970 وأدى إلى ما نعيشه قهرا في زمننا المعيب حتى اليوم. ربما نجاح أمريكي ساحق في ترويض "الرئيس المؤمن"، وللعجب كان بعد انتصار عربي كبير في 73، قام "السادات" بتفريغه من مضمونه نتيجة تدخلاته في قرارات الحرب خلال اللحظات الحاسمة ورفضه لتقدم الدبابات المصرية إلى خط المضايق، ثم أمره بتقدمها بعد أن استكمل الكيان الصهيوني دفاعاته، ثم إلزامه لقادة الجيش بقبول وقف إطلاق النار رغم الخرق الصهيوني الذي أدى في النهاية لتوقف المعارك في وضع حصار مزرٍ للجيش الثالث، ودبابات إسرائيل على بعد 100 كم من القاهرة، لكن "الرئيس المؤمن" خرج من الحرب بطلا معتمدا على إعلام الصوت الواحد.
امتلك "السادات" بعد الحرب شرعية زائفة، تحققت بدماء آلاف من الشهداء، وانتهج سياسة الانتقال من الاستقلال بكل صوره إلى التبعية في أذل وأحقر أشكالها، ساعده حقيقة أن حركات المقاومة التي خرجت ضده لم تشكل حزبا أو حركة تتحدث بلسان واحد. وتأتي انتفاضة 77 كمثال ناصع على غياب المطالب رغم نجاح التعبئة الضخم، وظلت الهبّات الشعبية التي تلتها تدور في فلك مناسبات متفرقة وحول قضايا جزئية، إلى أن أمكن للسادات أن يبني تياره السياسي الكئيب، المستورد من صحراء الجهالة وأزمنة الكهوف الظلامية.

(*) صحافي مصري

 

2017-06-07